الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تسعى الأمم على مدى تاريخ الإنسانية الى البحث عن الرخاء بشتى أشكاله الاجتماعي منه والإنساني، النفسي، الذاتي والمالي. لا زال يُبحر الجميع على موج العلوم والتجارب للظفر بحل أي معوقات تُعيق المسير الى تحقيق هذه الأحلام الخالدة. الشكل المالي من تلك الأحلام مر بالسعي لامتلاك المعادن في عصر ما، بامتلاك أرث مُعتق قديم في أخر، والأبن البار الأرض والمزارع في عصر جديد، العربة في النهضة الحديثة للإنسان، وبقي المال سيد الأحلام جميعها عبر التاريخ.
تعددت القنوات التي من خلالها يمكن تعزيز رأس المال والأمل على تنميته على مدى التاريخ، حتى ظهرت القناة الجديدة لاحتواء رؤوس الأموال وتشغيلها في مسار لها جديد هناك بالقُرب من الطواحين الهولندية في بدايات القرن الخامس عشر، حيث تم إنشاء أول بورصة لتداول المُبتكر الواعِد الأسهم لشركة هي الواحدة في هذه البورصة وهي شركة تُسمى ( شركة الهند الشرقية الهولندية ). من الطواحين هناك بدأت رحلة الصاعد الصغير إلى أوروبا جميعها ثم العالم. مع الزمن وسقوط الأشكال المالية المنافِسة، انتقلت السيولة الى الصغير وعزز هذا من صعوده على الجميع حتى وصل إلى القمة في القرن العشرين الميلادي، في يوليو 2023م الماضي بلغت القيمة السوقية للشركات المتداولة في البورصة حول العالم 112 تريليون دولار.
ظهرت معالم الثراء الفاحش بسبب أسواق الأسهم لكثير من المستثمرين على الأقل من بداية القرن العشرين مثل بولسون وبافيت وجيمس سيمون وراي داليو والقائمة تطول. دفعت هذه الثروة الهائلة الى دخول المزيد من المستثمرين ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة وحتى العالية في السياق للحصول على جزء من كعكة الثراء تلك، ولكن لم يعمل الأمر بهذه السهولة فتعرض الكثير منهم الى خسائر هائلة والإفلاس في بعض الحالات بسبب تحرك الأسواق الماكر والاستراتيجية الخاطئة وإتباع زخم الجموع ” ثقافة القطيع ” وعدم تنويع الأصول والعديد من العوامل التي هدمت حلم ” الثراء “.
من بين حُطام الأسواق وتبدد حلم الثروة تأتي مقولة شهيرة للمستثمر البارع كلارمن: “ التحدي الحقيقي للاستثمار هو الأداء الجيد في الأوقات الصعبة.” هذا الأداء الجيد والمتزن في الأوقات الصعبة والأزمات المالية يمنع تبدد الثروة والسقوط وعندما تُصبح هذه المرحلة من الماضي وتعود الأسواق للنمو والنهوض من جديد فالكل بارع في تحقيق أداء جيد حينها، لذلك لابد من فهم العوامل التي تساعد في عدم السقوط والبقاء للخروج من الأزمات ولتفادي وَأَد الأحلام تلك في المهد.
في أزمات أسواق الأسهم ينتقد السوق عوائد محافظ المستثمرين ويجعلهم في اختبار تشكيكي لقراراتهم واستراتيجياتهم الاستثمارية، لذلك لابد من أن يبقى المستثمرون في هدوء بارع ويتظاهرون بـ “الموت” الذي قيل عنه أنه الاستراتيجية الأقوى للتغلب على الأسواق وتحركاتها المعقدة في المدى الطويل والتي لا تنتهي للأبد، فالموتى لا يشعرون بالذعر على الإطلاق، كما أوضح مدير المحافظ العملاق (Fidelity) ذلك من خلال تقييم أداء محافظ عملائها الموتى والتي سجلت أداء جيد بسبب عدم التأثر بضجيج الأسواق والبقاء في الظل دون حِراك وأيضًا لا يمكن بأن يرتكب الموتى الأخطاء والحماقات لمحاولة التغلب على الأسواق وتفادي سقوطها، بالتالي فأن العامل الأول الأبرز هو السكون وعدم الذعر من التحركات قصيرة المدى والثبات على أوزان المحفظة ومحتوياتها واختياراتها أطول مدة ممكنة واستمرار التظاهر “بالموت”.
” الموت ” وحيدًا لا يمكن أن يقف قويًا أمام السقوط في الأزمات، فهناك عوامل أخرى تؤخذ بالاعتبار منها تنويع الأصول في المحفظة الاستثمارية من بين أسهم ونقد وسندات وأصول بديلة على حسب مستوى مخاطر المستثمر والأفق الزمني الخاص به وملاءته المالية وأيضًا لابد من عدم استثمار الأموال ” قصيرة المدى ” وهي الأموال ذات الاستخدام الأهم مثل أموال الطعام والمنزل والرعاية الصحية وغيرها في محافظ الأسهم لأنها تعمل على إفساد الأفق الزمني الذي لابد من أن يكون طويلًا الى حد ما ( خمس سنوات أو أكثر ) وأيضًا عدم الإفراط في استخدام القروض التمويلية في أسواق الأسهم ولا يمنع استخدامها بنسب قليلة فقط أذا كان العوائد المتوقعة تُغطي تكاليف القرض.
ليس كل سقوط للأسواق سيء فهو فرصة لبعض المستثمرين كما قال بافيت في مقولته الشهيرة: ” أفضل وقت للشراء هو عندما يكون هناك دماء في الشوارع “ وهذا بمعنى أن في وقت الأزمات يكون العديد من الأصول لا تعكس قيمتها الحقيقية وبالتالي شراء هذه الأصول سيكون بسعر أقل من سعر لو أن الأسواق تعمل بشكلها الطبيعي وأيضًا يعمل البيع على المكشوف (Short Selling) بشكل فعال عند هبوط الأسواق على عكس عمله في الأسواق الطبيعية. يزداد أداء الشركات الدفاعية وهي الشركات التي وصلت مرحلة النضج التام وتحمل قوائم مالية قوية في الأزمات حيث تُمثل فرصة استثمار رائعة عندما يكون السقوط على ضفاف الأسواق. كل هذه الفرص الاستثمارية في الأوقات العصيبة لا تُثني القول بأن ” التظاهر بالموت ” هو ملجأ حلم الثراء الموعود.
Economic Quote: “The most basic question is not what is best, but who shall decide what is best.” – Thomas Sowell
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال