الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
على مر التاريخ كانت مكة المكرمة عاصمة العرب التجارية، ومبتدأ قوافل التجارة الخارجية في رحلتي الشتاء والصيف، ومؤتمر تجار العرب قاطبة في موسم الحج. لم يكن فتح الأسواق الجديدة، واغتنام الفرص التجارية غائبا عن ( استراتيجية ) المكيين على مر الزمان. ما جعل اقتصاد مكة المكرمة الأكثر استدامة بين جميع المدن العربية. الحديث عن اقتصاد مكة المكرمة سهل ممتنع، يتسق تارة مع المعطيات الاقتصادية البسيطة، و يختلف عنها تارة أخرى، ليس لشيء سوى أن مكة المكرمة متفردة بخصائص عن باقي مدن العالم دينيا، واجتماعيا، وسياسيا.
في العهد السعودي الزاهر، قفزت مكة عمرانيا واقتصاديا بشكل غير مسبوق، و خصت اليوم ببرامج رؤيوية خاصة بها، وأسست لها هيئة ملكية لتطويرها، إيمانا من القيادة الرشيدة للمملكة العربية السعودية بمكانة مكة المكرمة، و ادراكا لتفردها عن باقي المدن في مختلف بقاع المعمورة.
الحقيقة الاقتصادية أن مكة المكرمة – شرفها الله – سوق معلوم لا يحتاج لترويج، يتطلع مسلمي العالم للاستثمار فيه. و بإمعان النظر في هذا السوق، واقتصادياته، و فرص نمائه تماشيا مع برامج الرؤية التي تختص بها مكة المكرمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، و بالاستفادة مع تميز البنى التحتية الرقمية في المملكة العربية السعودية، و قوة البنك المركزي السعودي ، وقدرته على التكيف مع الابتكار المالي والمصرفي الحديث، أرى أن الحلقة المفقودة في رفع اقتصاد مكة المكرمة في العصر الحالي، هي تأسيس بنك مكة الرقمي، نظام درر فرص الاستثمار في مكة، و واسطة عقد اقتصادها.
يراد لبنك مكة الرقمي أن يكون التطور الطبيعي للخدمات المالية في مكة المكرمة، التي تستجيب لمعطيات العصر الرقمي المستجد، مع التركيز في الأساس على خدمة ضيوف الرحمن من مختلف اقطار الأرض، وتحسين تجربتهم خلال رحلتهم الدينية. يستهدف البنك أن يقدم مجموعة متنوعة من المنتجات المالية والاستثمارية المعلومة من أمثاله من البنوك الرقمية العالمية، على سبيل المثال حسابات ادخار مفتوحة لكافة المسلمين تمكنهم من الادخار في البنك لفترات طويلة لتمكينهم لاحقا من أداء الفريضة، مع إمكانية التنسيق مع الجهات المعنية في بلدانهم لربط مستويات ادخارهم بنقاط استحقاق للحصول على فرصة أداء الفريضة، ولعله من نافلة الرأي المالي الاستثماري أن تقدم لهم بالتوازي مع خدمة الادخار خدمة التأمين خلال أدائهم للفريضة، و حق التوكيل لشخص آخر لأداء الفريضة عنهم إن هم عجزوا عنها ، أو إن توفوا إلى رحمة الله.
كما أن من المقترح كذلك أن يقدم البنك خدمات الحساب الجارية الافتراضية بالريال السعودي، حفظا لمدخرات، و ودائع عملائه من تقلبات أسعار صرف العملات، و أيضا توفير خدمات الدفع الالكتروني لحجوزات الطيران، والفنادق، والزيارات السياحية خلال تواجدهم في مكة المكرمة، مما يثري المعلومات الاقتصادية المجمعة لضيوف الرحمن خلال رحلتهم من مبدئها إلى منتهاها، وهو أمر غاية في الأهمية إذا ما تم تحليل هذه البيانات للاستفادة منها في تعزيز الصرف الأمثل في مكة المكرمة، ووضع خطوط أساس لمستهدفات تعزيز أقتصاد اقتصادها خلال سني الرؤية وما بعدها.
يبقى الجانب الأهم في سيناريو قصة تأسيس بنك مكة الرقمي وهو: كيف تدار الأموال المجمعة من المودعين والمدخرين؟ و في ظني أن تمويل مشاريع البنى التحتية، ودور الايواء، والمرافق الاثرائية ، و الأوقاف المعطلة والحالية في مكة المكرمة عن طريق إصدار صكوك مرابحة، أو استصناع، هو الخيار الأمثل للقائمين على البنك، من وجه تعظيم المنفعة الاقتصادية للبنك من ناحية، وتعزيزا للصورة الذهنية عن البنك لدى عملائه أن أموالهم تدار في مكة المكرمة وهي بحق البركة!
أرى أن الجهة الأمثل لحمل مشعل تأسيس البنك في مراحله الأولى – قبل طرحه للاكتتاب العام- هو البنك الاسلامي للتنمية، ولعل انتقال ادراته الرئيسية لمكة المكرمة هو أول خطوات تعزيز اقتصاد مكة المكرمة بأن يكون فيها جهة مصرفية كبرى تنقل لها الخبرات المحلية والدولية، وتعزز استقطاب وحفظ الكفاءات العاملة فيها، ولعل هذا هو عنوان المقال القادم بحول الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال