الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا تنام الأسواق المالية على الأطلاق حيث تستمر في تحرك لانهائي ويقود هذا السَمر الدائم المستثمرون من أفراد ومؤسسات. يُعتبر المستثمرون الأفراد ذو مشاركة أقل في عملية التحرك هذه، ولكن تسلب المؤسسات ” الوحوش العملاقة ” الحصة الأكبر من المشاركة في هذا الحِراك. المؤسسات المُحرك الأبرز للأسواق والمُشارك الهادئ المتزن وذو الملاءة المالية الهائلة الذي يعمل على تحليل دقيق لكل خطوة للمشاركة على عكس التحرك العشوائي والهزيل للأفراد.
تأتي المؤسسات على شكل كيانات مختلفة ومتعددة مثل مؤسسات حكومية وشركات تجارية ومؤسسات مالية وصناديق خاصة وعامة ومحافظ استثمارية ووكالات فيدرالية. غالبًا ما تتخذ المؤسسات الطابع المتأني في الاستثمار لضخامة حجم الاستثمارات التي تضُخها في الأسواق والأدوات المساعدة الهائلة التي تعمل بدقة على رؤية كل التفاصيل، ليبقى هذا التحفظ والخمول مستمر حتى يأتي من بعيد قادم مُهيب يفسد كل طابع وتأني وهدوء، يأتي ليصنع ضجيج لا ينتهي في الأسواق، القادم العملاق صناديق التحوط (Hedge Fund)، صناديق المراهنات العنيفة المعاكسة للتيار أحيانًا وأحيان أخرى هي قائد التيار بنفسها.
عندما تُذكر صناديق التحوط تعود إلى الأذهان مباشرة أسماء رائعة عملت على تغيير الكثير من مشاهد الأسواق المالية في العالم. الأنظار تتجه بشكل تلقائي إلى الباهر عالِم الرياضيات وجوهرة بيركلي جيم سيمونز الذي حطم أرقام العوائد لسنوات طِوال متتالية وهو أشهر مدراء محافظ التحوط على الإطلاق. يتبادر إلى الأذهان ايضًا المراهن الأبرز ضد الأوراق المالية المرهونة بالعقار ومن تنبّأ بالسقوط المدوي للأسواق المالية 2008م بعامين قبل سقوطها الرائع مايكل بيري، وتزيد القائمة بجورج سورس وبول سيقنر وآخرون.
صناديق التحوط تعمل تمامًا بشكل معاكس لأسمها، فهي تعمل بمخاطرة عالية واستراتيجيات تعتمد بشكل كبير على المراهنات المستقبلية والتي ليس من الممكن التوقع بها بشكل كبير، لهذا فأن هذا النوع من الصناديق لدية القدرة على تبني استراتيجيات ليس للصناديق الأخرى قدرة على تبنيها وتحملها، فهي تدعم البيع على المكشوف (Short Sell) والاستثمار المرتبط بأحداث معينة (Event-Driven Investing Strategy) والاستثمار الفعال (Activist Investment) ويمكنها استخدام الرافعة المالية (Leverage) بشراهة بسبب الأنظمة واللوائح المنخفضة المطبقة عليها وتتبنى العديد من الاستراتيجيات الأخرى. وتعتبر من ركائز نظام ” الظل ” المصرفي الأساسية وهو النظام الموازي للنظام المصرفي العادي.
صناديق التحوط التي تسجل عوائد قوية – على الأقل بناءًا على البيانات المنشورة منها – يصاحبها الكثير من التعقيد في حساب رسومها وتكاليفها، وهذا بسبب أن أغلب هذه الصناديق يكون مدير الصندوق (General Partner) بنفسه يشارك في رأس مال الصندوق وبنسبة جيدة وعالية بالتزامن مع مشاركة المستثمرين الأخرين ((Limited Partners وبالتالي يكون هناك رسوم إدارة وأداء بأشكال عديدة لتحقيق المصلحة بين جميع الأطراف. وتُصنف أيضًا على أنها صناديق عالية المخاطر وليس من السهل الاستثمار فيها للمستثمرين الأفراد العاديين وبعض المؤسسات مباشرة، ولكن قد يكون البديل هو الاستثمار في صناديق استثمار متداولة أو مشتركة تتداول في صناديق التحوط. صناديق التحوط والمراهنات العالية والسعي إلى تحقيق عوائد غير طبيعية هي التي تُصدر ضجيج في أسواق المال، وكان المثال الأبرز هو مراهنة ” الكاهن ” مايكل بيري بمليارات الدولارات ضد تحركات كاثي وود مديرة الصناديق الشهيرة التي تُركز على قطاع التكنولوجيا الأمريكية خصوصًا سهم تسلا الكهربائية، والمراهنات التي كانت ضد سهم (قيم ستوب) الذي أثار الكثير من الجدل والصِدام، هذه المراهنات أثرت سلبًا من جهة وإيجابًا من أخرى لتصنع حالة من الفوضى للسوق امتدت لفترة، وقائمة الأمثلة لهذه المراهنات تطول.
نشرت مجلة فوربس تقريرها الأخير لفبراير 2024م للأصول تحت الإدارة لأبرز صناديق تحوط في العالم حيث سجلت (Bridgewater Associates) المرتبة الأولى بقيمة 126 مليار دولار، وفي المرتبة الثانية سجلت (Renaissance Technologies) قيمة 106 مليار دولار، وسجلت ( (AQR Capital Managementقيمة تُقدر بـ 94 مليار دولار. بالرغم من التعقيد في الرسوم والمخاطر العالية التي تصاحب هذه الصناديق الا أنها لا تزال تُسجل أصول مُدارة بمعدلات نمو عالية، وكأن ثقة المستثمرين تعود من جديد لهذا المنتج بعد انتكاسها في ثنايا الأزمة المالية 2008م حتى بدء التعافي تدريجياً لها في مطلع 2010م.
الأداء القوي الذي أستمر طويلًا لبعض صناديق التحوط ضرب نظرية كفاءة الأسواق لفاما من جديد، حيث تنص النظرية على أنه لا يمكن أن يهزِم الاستثمار الفعال الأسواق وبالتالي لا يمكن تحقيق عوائد غير اعتيادية لمدة طويلة، ولكن فعل هذا الكثير من صناديق التحوط وعلى مدى طويل بعضها تجاوز الثلاثين عامًا من الأداء الرائع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال