الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إلزام الشركات التي عدد موظفيها 50 موظفا فأكثر بتدريب الطلاب تدريبا تعاونيا من أهم القرارات التي اعتمدتها وزارة الموارد البشرية في الفترة الأخيرة، لأنه سيخدم عددا كبيرا جدا من الشباب الجامعي، الذين كانوا يعانون في ايجاد مكان مناسب يقبل بتدريبهم. واللائحة التنفيذية للقرار مفصلة ودقيقة، على نحو يحمي حقوق الطرفين، ويرفع كفاءة هذا النوع من التدريب ويجعله ذا قيمة حقيقية للطلاب، على عكس ما كان عليه التدريب في السابق، حيث يغلب عليه الشكلية، وعدم وجود تدريب حقيقي إلا ما قل في عدد محدود من الشركات.
وبرأيي أن القرار يخدم الشركات أكثر مما يخدم الطلاب إن استفادت منه على النحو المطلوب.
رغم ذلك، بعض الشركات لديها مخاوف من هذا القرار، وعدم رغبة في تطبيقه بالكلية، أو تطبيقه صوريا كما كان الحال في الماضي. فمن أسباب عدم رغبتهم في تطبيق القرار الخوف على أسرار الشركة، وهذا السبب حلته اللائحة التنفيذية للقرار، بتطبيق أنظمة الشركة على المتدربين باعتبارهم موظفين في كل ما يتعلق بواجبات العمل بما في ذلك حفظ أسرار الشركة. والبعض الآخر قد يرى في تصميم برنامج تدريبي، وتفريغ موظف لمتابعة المتدربين، ورفع التقارير عنهم، عملا مكلفا للشركة ويستنزف وقت موظفيها، وجهدهم، ويكلف الشركة ماديا. كما قد يكون لدى بعض موظفي الشركات خوفا من هؤلاء المتدربين أن يأخذوا مكانهم، خصوصا غير السعوديين، لذلك قد يحرصون على عدم نجاح البرنامج. وتتخوف بعض الشركات على سلامة أجهزتها وآلياتها المستخدمة في (التدريب) العمل من هؤلاء الشباب.
ولِمَا أرى من فرص ثمينة ستجنيها الشركات من تطبيق البرامج التدريبية التعاونية، أعتقد أن هذا القرار الملزم ما كان ليوجد، لو أن منشآت القطاع الخاص تدرك حقيقة تلك الفرص، وإلا لسعت بنفسها لتصميم وتنفيذ البرامج التدريبية التعاونية مع المؤسسات التعليمية دون إلزام من وزارة الموارد البشرية.
وبرأيي أن الشركات التي ستؤمن بأهمية التدريب التعاوني، وتطبيقه كما يجب، ستحقق من المكاسب المختلفة ما يفوق توقعها، بل ما يفوق بعض استثماراتها في رأس المال البشري.
هناك بعض الفوائد الظاهرة والواضحة التي يدركها الجميع تقريبا، أولها تحسين علاقة المنشأة بوزارة الموارد البشرية، والمؤسسات التعليمية، مما يسهل عليها كثيرا من إجراءاتها. كذلك وجود أيدي عاملة إضافية مجانية أو رخيصة، ترفع الطاقة الإنتاجية للمؤسسة، ولهذا الجانب عوائد مادية مباشرة. أيضا يمكن للشركة إضافة تلك البرامج التدريبية، لأنشطتها المجتمعية التي تقدمها مما يضيف لنقاطها الإيجابية لدى الجهات الرسمية.
وربما كانت أهم المزايا الظاهرة أن تلك الشركات قد تجد في بعض الطلاب مواهب تستحق الاستقطاب والتوظيف. فمن المعلوم أن البحث عن المواهب وتوظيفهم مرهق ومكلف جدا. بل إن البحث عن موظف مناسب للعمل في المؤسسة لم يعد سهلا و متاحا. فوجود متدربين متخصصين تتم تجربتهم لأشهر دون تكلفة تذكر، لهي فرص حقيقية لتلك الشركات في (اصطياد) المناسبين من بينهم وتوظيفهم. وهذا الأمر تحديدا هو الذي يدفع الشركات الكبرى على تصميم وتنفيذ برامج تدريبية عالية الجودة تستطيع من خلالها كشف تلك المواهب واستقطابها.
لكن هناك ميزتان على الأقل لا تُرى بوضوح للجميع؛ الاولى أن الشركات التي تصمم وتنفذ برامج تدريبية عالية الجودة سوف تكتسب سمعة عالية لدى الطلاب، وبالتالي المجتمع، وستكسب إحترام وتقدير الجهات الرسمية ودعمها. وهذا الجانب الدعائي للشركة يمنحها سمعة في السوق، وثقة المجتمع، على نحو لا تستطيع كسبه من خلال الإعلانات الدعائية العادية مهما دفعت مقابلها. والسمعة العالية لا شك أنها من أهم الأصول غير المرئية، كما أن لها (أي السمعة) عوائد مادية مباشرة من خلال تسويق منتجات وخدمات الشركة بسهولة أكبر.
أما الميزة الأخرى فهي تحديث المعارف وتطوير الأفكار وتجديد الآليات وربما الإبداع و الابتكار. حيث أن الشباب عندما يعطى الفرصة يبذل قصارى جهده للتميز وإثبات وجوده، خصوصا إن علم أن ذلك الجهد قد يخلق له فرص وظيفية. ولأن الشباب مازال مرتبطا بالمعارف في جهة دراسته، ولأن معظمهم لديه إطلاع كبير على أحدث التطورات العالمية في مجال تخصصه، والأهم أن لديهم قدرات عالية في العصف الذهني. وتجدد وجودهم في المنشأة كل فترة زمنية معينة، يجعل الأفكار الحديثة في المنشأة (طازجة) على نحو مستمر. بل إن بعض الشباب لديهم من الأفكار الابداعية في مجال تخصصهم متى ما أعطوا فرصة في تنفيذها، فقد تكون ابتكارات ذات عوائد مالية كبيرة للمنشأة.
لذلك أقول أن مؤسسات القطاع الخاص التي يشملها قرار التدريب التعاوني، يجب عليها أن تنظر له على أنه فرصة استثمارية حقيقية، وأن تأخذه بجدية كافية، وأن تطبقه على أفضل وجه تستطيعه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال