الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في مستهل حديث وزير الطاقة في مؤتمر مبادرة القدرات البشرية حين قال إنه “في ظل قيادتنا الرشيدة، اكتشفنا بأنفسنا المحرك الحقيقي لاقتصادنا، وهما اثنان لا ثالث لهما: الشباب وتمكين المرأة” أعادني ما قاله إلى واقع كنا نعيشه كشباب وفتيات قبل عصر الرؤية، وثقافة بادت الآن كانت تخيم على واقعنا ومخيلتنا، في زمن كان لا ينظر للشباب والفتيات إلا كمستهلكين لا يرجى منهم إلا أقل القليل، ولن يحلوا محل الأجنبي في قدراته وانجازاته وجودة عمله.
ولكن قبل أن أخوض في هذا الشأن، أريد أن أعرج على ظاهرة سلوكية تسمى “بيجماليون”، وهي الفكرة التي تقول بأن توقعات الشخص تجاه الآخرين يمكن أن تؤثر بشكل كبير على أدائهم، إذا كانت التوقعات إيجابية، فإن الشخص المعني يميل إلى تحسين أدائه ليتوافق مع هذه التوقعات، والعكس صحيح، و أصل تسمية ظاهرة بيجماليون يعود إلى أسطورة يونانية قديمة حول نحات اسمه بيجماليون، الذي وقع في حب تمثال صنعه بنفسه وأسماه جالاتيا، بفضل إيمانه وحبه العميق، تحول التمثال إلى إنسان حي بمعجزة من الآلهة، تستخدم هذه القصة للدلالة على القوة التي يمكن أن تحدثها التوقعات والإيمان في الواقع الفعلي.
لنفهم هذه الظاهرة بعمق، سأشرح تجربة أجراها الباحثان روبرت روزنتال ولينور جاكوبسون عام ١٩٦٨م في مدرسة أمريكية، حيث أخبروا المعلمين بأن بعض الطلاب (الذين تم اختيارهم عشوائيًا) يُظهرون إمكانية عالية للنمو الفكري، خلال العام الدراسي، أظهر هؤلاء الطلاب تحسينًا كبيرًا في الأداء مقارنةً بزملائهم، مما يُظهر كيف يمكن لتوقعات المعلمين أن تؤثر على أداء الطلاب، ولتفسير هذه الظاهرة فإن التوقعات التي تم الإيحاء بها للمعلمين جعلتهم يركزون دعمهم للفئة التي يتوقعون منهم أن يحققوا تقدمًا في الأداء، هذا الدعم انعكس على نفسيات الطلاب جميعهم، فالطلاب المحظوظين أحسوا بالدعم وتكون لديهم الفضول والقبول والحماس، أما الأقل حظًا فعلى العكس، احسوا بالإهمال ففقدوا الحماس والرغبة، وهذا انعكس بدوره على أداءهم.
التحسن الحاصل في أداء الطلاب عزز الثقة لدى المعلمين بتميزهم وإمكانياتهم، وزاد الدعم وتحسن الأداء أكثر، وأصبح الأمر كحلقة مفرغة تنمو مع مرور الوقت، وبهذا أصبحت الظاهرة حقيقة مثبتة، وتكررت الدراسات التي أظهرت نفس النتائج حتى بعد إجرائها على اللاعبين والمحترفين وحتى الفئران. إن القناعات التي يكونها القادة والمسؤولين والمدراء والمعلمين والآباء والأمهات حول رعاياهم وموظفيهم وابناءهم تشكل أدائهم وتقدمهم، وهذه حقيقة مسلمة على مستوى الأفراد ولكنها أكثر تأثيراً وأصدق أثراً على مستوى المجتمعات.
في مطلع القرن الحادي والعشرين، حين بدأت أنا ومن في سني الانخراط في سوق العمل كانت النظرة السائدة بأن الشباب السعوديون لا يملكون القدرات والجدارات الكافية لأداء العمل مقارنة بالمثيل الأجنبي، لم يزل الطبيب والمهندس والمدير والفني الأجنبي أكثر خبرة وحرفة من السعودي، ليس هذا فقط، بل إن الأجنبي أكثر ذكاء وقدرة على التعلم والنمو وحل المشاكل، ناهيك على أنه أكثر جدية ومواظبة ومهنية، وهذا ليس أمراً مخفياً، أو توجهاً وقناعة غير معلنة، بل كان صريحاً صارخاً يعلمه القاصي والداني، ويشكل قرارات المسؤولين، ويصيبنا نحن بعقد لازالت آثارها ومعالمها ظاهرة بادية علينا حتى زمن قريب.
لن أخوض هنا في البحث عن أسباب هذه القناعات، وهل هي مبررة أم لا، ولكني سأتحدث عن بعض القيادات الفذة في ذلك الوقت ممن حاربها وعارضها في كل مشهد، ووضع السياسات واللوائح التي حاول جاهداً بها تغيير الوضع القائم، وعلى رأسهم الدكتور غازي القصيبي رحمه الله وأحسن مثواه، ولكن بقيت تلك الأصوات والإجراءات ذات تأثير محدود، لم تغير في النظرة النمطية الشيء الكثير، وهذا بحد ذاته يشير إلى صعوبة كسر تلك الحلقة الخبيثة التي تشكلت وتأصلت و تجذرت لدى الجميع، مما استدعى قيام ثورة ثقافية مجتمعية بكامل أركانها وعناصرها لفض تلك الحلقة وإعادة تشكيل القناعات والأفكار.
وهنا بزغ نجم ساطع، رجلٌ لا يملك القناعات الإيجابية عن رعاياه بأكثر مما ملكته، رجلٌ آمن بشعبه فرداً فرداً أكثر مما آمن كلٌ منهم بنفسه أو بأخيه أو أخته، رجلٌ أصبح في يوم وليله معشوق شعبه وأملهم ورمز ثورتهم، جاء برؤيته ليقول للعالم أجمع أن شباب وفتيات السعودية ليسوا بأقل من غيرهم، بل إنهم جواهر غير مصقولة، وكنوزٌ خام لم تعالج بعد، ولم يذكر ذلك في أقواله حتى سبقت أفعاله وأصبح الشعب يكمل مقولاته قبل أن يفعل ويلحن أغنياته قبل أن يكتبها شعراً.
وهانحن اليوم نرى ونسمع ونستمتع بإنجازات شعب طويق، شباب وشابات سمعوا من ملهمهم أنهم متميزون، وعرفوا ما فرضه لهم من دعم وتأهيل ورعاية وتحفيز، وأحضر لهم العالم كله يضع بين أيديهم خبراته وأفكاره ويقدم لهم فرصًا استثنائية للتدريب والتأهيل والعمل، فما كان منهم إلا أن أقبلت قلوبهم قبل اجسادهم وعقولهم فأبهروا أنفسهم قبل غيرهم، وفرضوا علينا فرضاً أن نصدق ونشهد بصدق قناعات قائدنا الفذ وحكمته وجمال رؤيته، فكأننا بكل استثناء شاركنا في تجربة شاملة لإثبات ظاهرة بيجماليون، ولكن على صعيد مليوني وعلى خشبة المسرح العالمي، ولم يبق إلا أن تشتد هذه الحلقة الذهبية الحميدة ليرى العالم والتاريخ أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وختاما، (الشباب هم الطاقة الحقيقية والقوة الحقيقية لتحقيق هذه الرؤية، وأهم ميزة لدينا هي أن شبابنا واعٍ ومثقف ومبدع ولديه قيم عالية) هذا ما يراه ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان، نعم الشباب السعودي الذي وثقت به، والذي سيقود العالم مستقبلا بتوفيق المولى عز وجل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال