الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل سبق وأن شاهدت عزيزي القارئ البراميل السوداء التي تقلع وتطير في سماء مملكتنا الغالية كل يوم عابرةً للقارات زرافاتٍ ووحدانا؟
حسناً، هي براميل محملة بالريالات وأنا متأكد تماماً أنك لم تشاهدها من قبل لكن اسمح لي أن أقدم لك النظارة السحرية التي ستمكنك من مشاهدتها بوضوح تام.
نشر البنك المركزي مؤخراً بيانات تحويلات الأفراد الأجانب للخارج في العام 2023 حيث بلغت زهاء 125 مليار ريال (مقاربة لمستويات العام 2012) ما يعادل حوالى 10.3% من عائدات المملكة ككل في العام ذاته ولا شك أن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة لا يزال يعتمد وبشكل كبير على الإنفاق الحكومي بمعنى أن جزءًا كبيراً من العائدات النفطية التي شكلت 62.25% من إجمالي العائدات تغادر بعد حشوها في الفائض من البراميل النفطية الفارغة بل أقول تطير إلى وجهاتها حول العالم.
في الحقيقة، جلست لساعات رفقة الورقة والقلم لدراسة تحويلات الأجانب من العام 2013 حتى العام 2022 (لعدم توفر البيانات بعد حول عدد الأجانب في 2023) وانتهيت إلى أن ما تم تحويله خلال هذه العشر سنوات بلغ 1.460 تريليون ريال متجاوزاً أعلى عائد حققته المملكة 1.268 تريليون ريال في العام 2022 وكفيل بسداد الدين العام الحالي على المملكة والاحتفاظ بما يفوق 400 مليار ريال. حول كل فرد أجنبي ما متوسطه 15222 ريال في العام 2013 قبل أن يتراجع المتوسط إلى 10705 ريال في العام 2022 وهذا التراجع يؤكد أن إنفاق الأجانب في الداخل في العام 2022 يفوق العام 2013 بنسبة 45% (دون أخذ التضخم بالاعتبار ما سيجعل النسبة الصحيحة أكبر) وهو أمر جيد ومحفز كبير للاقتصاد ودليل على نجاعة الإصلاحات المالية والعمّالية الحكومية.
شخصياً، قد أتفهم وجود هذه التحويلات بحكم وجود أعداد كبيرة من الإخوة الأجانب العاملين داخل المملكة والذين يعيلون أسرهم في الخارج وهذا في الأساس هو ما دفعهم للهجرة وكنت قد ناقشت هذه المسألة بإسهاب في مقالي “التاجر المهاجر” لكنني عندما عدت للورقة والقلم واكتشفت أنه في كل ثانية من العام 2023 غادرت 4000 ريال المملكة من الأفراد الأجانب أصبت بالدوار!
اسمحوا لي أن أوقِع صحن الفول كما يقال في الإنجليزية، يوجد وظائف للعمالة الأجنبية في السعودية وجودها يعتبر رفاهية وليس احتياج، لا يمكن لك أن تجد عشرات مغاسل الملابس في ذات الحي في أي مكان آخر في العالم (خليجنا واحد) فلماذا نمارس كي عمائمنا لدى الآخرين بريال ثم بريالين ثم الآن بثلاثة ريالات (آلة الكي تعمل بالديزل) لمرات في اليوم أحياناً؟! لماذا لا يترجل الفارس فينا من راحلته ليقوم بنفسه بتزويدها بالوقود؟! فعلاً هنالك أمور لا تحدث إلا في السعودية (خليجنا واحد). انتظر فأنا لم أوقِع صحن الفول بعد، دعني أخبرك أنه بحكم عملي لفترة قصيرة في إحدى المؤسسات المالية كنا كثيراً ما نكتشف من يستخدمون الحسابات الفردية للأغراض التجارية والسواد الأعظم كان من الأفراد الأجانب بل أن التحويلات تتم خارجياً على أساس أنها تحويلات فردية مما يضلل البيانات الرسمية والمسألة برمتها مواطن غير صالح مكّن أجنبي غير صالح من ممارسة التجارة بالتستر. أتعلم ماذا؟ تنزه في محال حيّك وستعرف الحقيقة المرّة وأرجوك لا تكن ساذجاً يصدق أن كل العمالة في هذه المحال موظفون فجزء كبير منهم “أهل حلال” ولكنهم هاربون من رسوم وإجراءات نظام الاستثمار الأجنبي.
ختاماً، هل رأيت عزيزي القارئ البراميل الطائرة؟ أرجوك ألا نخلع أنا وأنت نظارتينا لعل أن يسقط حولنا أحد هذه البراميل ونهرع إليه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال