الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما نخطو في أحياء مدينة برشلونة، يمكن للمرء أن يستشعر فوراً الفروق التي تفصل بين كل حي وآخر. ففي (الباريو القوطي) يحتضن الحي طرقاته الضيقة ومبانيه الحجرية العتيقة تاركًا للشوارع أن تهمس بأسرار القرون الوسطى. بينما على مرمى حجر منهُ يظهر حي (إل بورن) مفعمًا بالحياة والنشاط حيث المقاهي والمتاحف تنبض بالزوار والفنانين. هذه التباينات تُعد نموذجاً يعكس القيمة العميقة للهويات الحيّزية. المسألة ليست إذاً مجرد تفرد المكان، وإنما هو عنوان لحياة حضرية متميزة وتعتبر تجسيدًا لكيفية تصاعد الهويات داخل كنف المدينة الواحدة، وتمنح كل فضاء رونقه الخاص. وبالتالي يُعد هذا المفهوم جوهريًا في إحياء الأحياء وتحويلها إلى مراكز للثقافة والتفاعل الاجتماعي.
إن التشبث بالهوية الخاصة للأحياء مسألة حيوية دعم التواصل الاجتماعي بكل أشكاله. فمن خلال حماية المعالم التاريخية ودعم التعبيرات الفنية المحلية وتوفير الأماكن التي تفسح المجال للجميع للاستمتاع بهوية الحي يُمكننا تعزيز مفهوم الانتماء والفخر بالروابط التي تجمع السكان بمحيطهم.
وللحفاظ على هذه الهويات وسط تحديات العولمة وتجانس المشاهد الحضرية، يجب أن تكون الجهود منصبة على دعم الاختصاصات الفريدة لكل حي. ويُمكن أن يتمثل ذلك في دعم المبادرات الريادية المحلية، وتعزيز السمات الفريدة التي تعبر عن روح المكان، وكل ذلك مع العمل على إشراك أبناء الحي في صنع قرارات تخُص تنميتهم المحلية؛ بما يضمن استدامة هوية الحي وتفاعله الجيد مع التغيرات.
وحتى يصبح الحي لوحة متكاملة يُرى فيها انعكاس لثقافة معيشية غنية، يجب تعهدها بالعناية من أصغر تفصيل إلى أكبر معلم. يتطلب الأمر سياسات مبتكرة وخطط تطوير دقيقة تعمل على التعزيز الدائم لهوية الحي. فيمكن تخليد هذه الروح التي تعمل على دعم السياحة وبالتالي البيئة الاقتصادية من خلال الالتفات إلى عوامل الجذب الكامنة في كل حي على حدي.
هذه العملية برمتها والوصول إلى النتيجة المرجوة في صناعة هوية الأحياء تبدأ غالبا من حجر الأساس المتمثل في تسمية الأحياء حيث تعكس الأسماء التاريخ والثقافة المرتبطة بالمكان مانحةً كل منطقة بصمتها الفريدة. وتتحول هذه التسميات إلى رموز تُشعِر السكان بالانتماء والفخر، كما تقدم للزوار قصصاً ومحفزات لاستكشاف الحي وخصوصيته. إنها باختصار تشكل جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية وتعزز التواصل بين الماضي والحاضر، بما يجعل كل حي مركز إشعاع ثقافي واجتماعي ينبض بالحياة والتميز.
نستطيع أن نقول إذا بأن المدن تحتضن أروحها في أحيائها المتنوعة، وكأن كل واحد منها يعزف لحنه الخاص على الخارطة الحضرية. و لا يمكن أن ننسى أبدا بأنه م ع تقدم العصور وتغير الأزمان، تأتي التسميات لتثبت أنّ الأماكن لها هوى في قلوب ساكنيها، ولها دور محوري في صنع التاريخ وحفظ الهوية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال