الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عالم الإدارة تكون الأفكار التنظيمية عامة بعض الشيء؛ أي أنها تكون على شكل مبادئ ومعايير واسعة دون تفصيل في جزئيات العمل الإداري. والسبب هو أن معايير الجودة الإدارية لا ترتبط بهيكل هرمي محدد، ولا بنشاط تشغيلي محدد؛ بل إن هذه المعايير تكون صالحة للاستخدام على أي هيكل وتجاه أي نشاط.
وبالنسبة للحوكمة، فهي تشير إلى قدرة الإدارة على تحقيق معايير الجودة الإدارية، والانضباط المهني والسلوكي، وتنمية العمل، وتطوير المنظومة؛ كل ذلك في وقت واحد.
ويعتبر مفهوم الحوكمة مرتبطا في الوقت الحالي بحوكمة الشركات؛ حيث إن الصراع الدائم بين المساهمين والإدارة على المصالح يمكن أن يجد له حلا من خلال آليات انضباط إداري تفرض على مجلس إدارة الشركة منهج عمل محايد وموضوعي يهدف إلى مصلحة الشركة وليس المصالح الشخصية.
لكن الحكومات تعمل على إدارة وتشغيل المال العام، أي أنها تقوم بعمل يتضمن تعارضا في المصالح بين مصلحة الموظف الشخصية، وبين مصلحة الدولة؛ بما يشبه التعارض بين مصلحة إدارة الشركة، وبين مصلحة المساهمين. لكن هذا التشبيه غير منضبط تماما، لأن الدولة تعمل على أساس المصلحة العامة العليا، ويكون عليها احترام النظام العام؛ أما إدارة الشركات فتقوم على أساس الاستثمار، والربح، والمصلحة الفردية، أو الشراكة؛ وهي مصالح ضيقة لا تتناسب إطلاقا مع فلسفة المصلحة العامة.
فالمبادئ التي بنيت عليها الحوكمة في القطاع الخاص كانت على أساس من المنطلقات التي تحمي رأس المال، وتشجع على استثمار المدخرات بأمان؛ في حين أن إدارة الدول تعمل من منطلق المصلحة العامة. بالتالي، هذا يؤكد على ضرورة وجود مبادئ حوكمة خاصة بالقطاع العام؛ بحيث تراعي أهمية المصلحة العامة، وتكون أكثر دقة، ومرونة، وقدرة على حماية مسيرة التنمية لشعب بأكمله.
على صعيد القطاع العام، فإن تجربة الحوكمة تبقى مبهمة بعض الشيء؛ والسبب هو عدم مناسبة المعايير العامة المطلقة للحوكمة لظروف العمل الحكومية. ففي الوقت الذي يعمل فيه مجلس الإدارة لزيادة نمو وربحية الشركة، فإن مجلس الوزراء يعمل وفي عنقه أمانة تلبية احتياجات شعب بأكمله، وتنمية اقتصاد الدولة. لكن -بشكل عام- يمكن إزالة الضباب من أمام حوكمة الإدارات الحكومية؛ وذلك من خلال تحديد الأهداف الأساسية التالية لحوكمة القطاع العام:
حوكمة القطاع العام في المملكة..
أرض صلبة، وتنظيم منتظر
تتمتع الإدارة الحكومية بالمملكة بكافة الخدمات اللوجستية المتقدمة التي توفرها الحكومة، من شبكة تواصل، ومنصات إلكترونية، وكادر للتعامل مع المعاملات عن بعد، وأنظمة دفع الكتروني آمنة. كما أن اقتصاد المملكة مستقر، وثابت؛ حيث استطاع الوقوف في وجه أزمة كوفيد-19 وتجاوزها بسلاسة، إضافة إلى أن اقتصاد المملكة متنوع بين الموارد النفطية، والصناعية، والاستثمارية.
فإذا، الأرض التي سيعمل عليها القطاع العام هي “أرض صلبة”، تستطيع البدء بتطبيق مبادئ الحوكمة بشكل مباشر بعد إرساء المبادئ الأساسية المنتظرة والتي تستهدف كافة الوزارات الحكومية، ودوائرها، والهيئات التابعة للحكومة.، وكذلك شركات ومؤسسات القطاع العام التي تملك الدولة كامل رأسمالها.
تحديث الإطار الوطني لتنظيم الإدارات في المملكة..
من المعايير المحددة إلى الإطار العام
أدرك مجلس الوزراء في المملكة استحالة فرض منظومة حوكمة محددة ومستقلة لكل جهة عامة أو مؤسسة تتبع القطاع العام؛ لذا، فقد تم وضع إطار عام للحوكمة ضمن الإطار الوطني؛ بما يساعد في إرساء مبادئ عامة يتم تطبيقها وفق طبيعة كل جهة تتبع القطاع العام بشكل يناسب طبيعتها في ظل المبادئ الأساسية العامة.
وقد غلب على الإطار الوطني للحوكمة طابع الدليل الإرشادي والمقترحات؛ وهو ما يضع العبء والمسؤولية على الجهات الحكومية المتخصصة في حسن تطبيق الإطار الوطني. وتأتي أهمية هذه الإطار في أنه يراقب النتائج وحسن الأداء؛ أي أن اللامركزية في اتخاذ القرار الإداري تتناسب طردا مع ازدياد مسؤولية الجهات الحكومية المتخصصة.
وعليه، فقد صدر الإطار الوطني بتصور للهيكل والدليل التنظيمي الخاص بالجهات العامة، واللجان المقترحة في كل جهة، وكذلك دليل للأوصاف الوظيفية، والأهم دليل للصلاحيات والمسؤوليات التي تقع على عاتق الجهات الحكومية. ويبدو أن المنطلقات الأساسية للإطار الوطني تتمثل في تحقيق المصلحة العامة، ورفع درجة الشفافية، والمساءلة، والعدالة في القرارات الإدارية الحكومية.
في الواقع، قد تواجه الجهات الحكومية بعض التحديات في التطبيق لهذا الإطار الوطني، لذلك قد تحتاج بعض هذه الجهات استقطاب الكفاءات والخبرات الغائبة، لكن التحدي الاصعب لنجاح الحوكمة وفق هذا لإطار الوطني ريما يكون في الربط والتنسيق ما بين الجهات الحكومية.
وهنا يبدو أن وجود تكامل بين وزارات الدولة وبين دوائر كل وزارة على حدة، سينعكس على مؤسسات القطاع العام على شكل “تناغم” مبني على أساس التعاون؛ بحيث يبدأ دور كل دائرة من حيث ينتهي دور الدائرة السابقة. هذا التناغم يحتاج إلى ربط كامل بين الدوائر داخل كل جهة، وإلى مرونة في اتخاذ القرار اللامركزي، يقابلها رفع مستوى المساءلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال