الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تبقى الأسواق المالية في صِدام لا ينتهي مع الواقع والأحداث لتكون هي سيدة الأضواء الأولى في كل حدث وتذبذب حول العالم ومرآة الاقتصاد الكلي والجزئي والمؤشر المرجعي لكل تفاؤل، تشاؤم، سقوط ونهوض من جديد. في كل الأحداث عبر التاريخ الحديث – على الأقل – يعود الجميع ليراقب رد فعل الأسواق تجاه هذا الحدث وكيف لهم أن يعملوا على التحرك الأمثل للاستفادة من هذا الحدث أو النجاة والهروب من سقوط قد يدوم طويلًا قبل أن يستعيد قواه من جديد.
سقوط الأسواق كان الشيء المتكرر كثيرًا عبر التاريخ، في بداية القرن الواحد والعشرين سقطت من جديد لتُعيد هزائم القرون الماضية في عام 2000م ومرة أخرى عادت لتفعل هذا في السقوط العالمي 2008م ولم تكتفي بهذا فقط، ولكن سقطت في فترة الجائحة من جديد، كان العامل المشترك الأبرز لكل سقوط هو الخوف. الخوف الذي يهدم أسواق تعمل بشكل طبيعي ليُعيدها الى نقطة الصفر، ولكن هو نفسه من يُعيدها الى القمة مرة أخرى عندما ينعدم لدى المستثمرين في هذه الأسواق. يعيد الى الأذهان هذا الحديث مقولة لوالتر شلوس: ” أحاول الابتعاد عن مشاعر السوق. السوق مكان عاطفي للغاية يجذب الخوف والجشع، كل هذه الخصائص غير السارة يتمتع بها الناس”.
كان لابد من عمل مقياس معين يقيس مدى الخوف لدى المستثمرين والمشاركين في الأسواق، أستمر هذا الحُلم طويلًا قبل ظهور ” مؤشر الخوف – Volatility Index-VIX ” على يد كل من أبن أثاكا-نيويورك وخاصة جامعة كورنيل الرائع برينر ورفيقه دان غالاي في أواخر الثمانينات من القرن العشرين، حيث عملا سويًا على إطلاق مؤشر يقيس خوف المستثمرين وتوقعاتهم في المستقبل. يعمل مؤشر الخوف على قياس مدى القوة النسبية لتغيرات الأسعار قصيرة المدى المستقبلية، حيث يعمل على توقع مدى الخوف لدى المستثمرين من خلال التقلبات لأسعار مؤشر (SP500) – المؤشر الأشهر لأكبر 500 شركة في السوق المالي الأمريكي – لثلاثين يومًا القادمة.
مؤشر الخوف يعمل على محاولة قياس تقلبات الأسعار فكلما كانت أسعار المؤشر (SP500) أكثر تحرك وعنفوان كلما كان المؤشر أقوى في التذبذب. يقيس مؤشر الخوف التقلبات ليس من خلال البيانات التاريخية ومن ثم عمل التحليلات الإحصائية عليها وتوقع المستقبل كما هو معتاد، بل من خلال أسعار الخيارات (Options) وهي أدوات مالية مشتقة تعتمد على احتمالية وصول سعر السهم الحالي الى مستوى معين في المستقبل يسمى سعر التنفيذ (Exercise Price). يمكننا تفسير مؤشر الخوف بأنه كلما أرتفع المؤشر كلما كان عدم اليقين والخوف من الأسواق مرتفع وثقة المستثمرين تنخفض.
قالت بعض الدراسات أن تجاوز مؤشر الخوف (VIX) 30 دولار فأن معدل عدم اليقين وصل إلى مستويات هائلة ومستوى تقلب عالي وثقة المستثمرين تنخفض إلى مستوى حرج، أما بين مستويات 25- 30 دولار فيُشير هذا على أن هناك بعض الاضطرابات في السوق واحتمالية بتزايد عدم اليقين لدى المستثمرين ومستويات ثقة مربكة. يُشير نطاق 15-25 دولار الى بيئة سوق عادية ومتوازنة. والنطاق الأخير 0-15 دولار يشير الى تفاؤل مرتفع في السوق وتقلبات منخفضة وثقة هائلة لدى المستثمرين.
يرتبط مؤشر الخوف بشكل عكسي مع مؤشر السوق الأمريكي (SP500) فاذا سجل المؤشر مستويات مرتفعة (مستويات عدم اليقين مرتفعة) فأن مؤشر السوق سوف يسجل مستويات منخفضة. لتوضيح هذا الترابط المهم لابد من النظر الى المؤشران بجانب بعضهم البعض، على سبيل المثال، في أقفال يوم الجمعة 4 مارس 2022م سجل مؤشر الخوف 114 ومؤشر السوق 113، ولكن في أغلاق يوم الاثنين 7 مارس 2022م قفز الأول الى 130 وانخفض بذلك مؤشر السوق الى 110، وهناك العديد من الأمثلة التي يمكن استنتاجها من خلال تحليل حركة المؤشران سويًا.
من فوائد مؤشر الخوف هذا أنه يعتبر أشاره هامة للمتداولين في حال ارتفاعه خلال جلسات التداول بأن هناك زيادة متوقعة في مخاطر السوق وبالتالي لتفاديها يعمل المتداولين على تفعيل أوامر وقف الخسارة أو تفعيل أوامر البيع أو أي أمر أخر يحد من هذه المخاطر.
أيضًا يعمل المؤشر على تحديد أوقات دخول الاستثمار في أسهم البيتا المرتفعة والمنخفضة عندما يرتفع أو ينخفض، حيث يكون وقت جيد للاستثمار في الأسهم ذات البيتا المرتفعة (تتحرك بعنف مع تحركات السوق) عندما يكون مؤشر الخوف في مستوى منخفض لأن ذلك يُشير على أن السوق سوف يرتفع وبالتالي ترتفع تلك الأسهم بصورة أقوى من أسهم البيتا المنخفضة، والعكس صحيح. يُعتبر أيضًا مُحدد جيد وموثوق لاختيار استراتيجيات تداول الخيارات، والتنبؤ لاتجاهات السوق.
مؤشر الخوف هو المؤشر” المَنْسي” والأقل شهرة بين أخوته من المؤشرات المالية التي تقيس مدى التذبذب في الأسواق وبقي في الظل لم يذكر الا قليلًا لعقود من الزمن. على الرغم من هذا النسيان الطويل بدأت صناديق الاستثمار المتداولة بالاستثمار في هذا المؤشر ومحاولة متابعته وبذلك أعادت بريق هذا القديم الى الواجهة من جديد وأيضًا في أسواق المشتقات بتداول العقود الآجلة وبصناديق التحوط في المضاربة على تغيرات التقلب في المؤشر.
اقتباس اقتصادي: “وظيفة التنبؤ الاقتصادي هي جعل علم التنجيم يبدو محترمًا.” – كين غالبريث
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال