الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن المناقشات حول جودة التعليم باهتة لافتقارها للوضوح والفهم المشترك لما يعكس الواقع، وبدلاً من أن تكون الجودة مفهوماً إجرائياً أصبحت فهماً بديهياً، ولذلك لا يوجد تعريف واحد متفق عليه للجودة؛ لتنوع التصورات الممكنة والمتعددة التي يستند كل منها إلى فرضيات واسعة الاختلاف فيما بينها.
فالأسس المنطقية المستخدمة لتبرير الاهتمام المتزايد بالجودة كثيرة وواسعة النطاق، فمنها ما يتصل بالواقع أو النتائج أو الأداء في نظم التعليم والتدريب وغيرها.
وتستند هذه الأسس إلى الحاجة إلى زيادة فعالية نظم التعليم والتدريب الوطنية، لأنها أدوات أساسية لتنمية المجتمعات في عالم يشهد مزيداً من التطور والتقدم، وكذلك لضرورة الحد من التناقضات التي لوحظت في النفقات التعليمية، وكذلك لأهمية ما يتم تعلمه فعلاً لحياة الطلاب وأسرهم ومجتمعهم بصفة خاصة، وللجهود المبذولة للتنمية الوطنية على نطاق واسع.
ومن الأسباب التي دعت للاهتمام بجودة التعليم هي التفاوتات الملحوظة في الأداء بين المدارس داخل النظم التعليمية، وأيضاً لمعالجة التفاوتات التي لوحظت في التوسع الاجتماعي لنتائج التعلم بين مختلف فئات السكان.
وتربط الجودة أيضاً بقدرة النظم التعليمية على التكيف مع التطور والتقدم العالمي، وكذلك تنوع مصادر نقل المعلومات والمعارف وقنواتها المختلفة.
وتعتمد الطرق التقليدية لجودة التعليم بشكل أساسي على مؤشرات بديلة تتعلق بتوفير التعليم والمدخلات التي تؤثر على عملية التعليم والتعلم، غير أن هناك اهتماماً متزايداً بنتائج هذه العملية من حيث مستويات المهارات الفنية المكتسبة وتوزيعها، فمستوى المهارات التي يكتسبها الطلاب من خلال التعليم وملاءمتها وتوزيعها تشكل أكبر مقياس مباشر لنجاح أو فشل الاستثمار في التعليم.
ويتزايد الاهتمام بجودة التعليم مع تزايد الاهتمام بالاختبارات الدولية والوطنية لنتائج التعلم، فالتقييمات الدولية الواسعة النطاق القائمة على الاختبارات الموحدة تتعرض أيضاً للانتقاد لعدد من الأسباب، حيث أن عملية الاختبار تصغر بشكل كبير نطاق النظر إلى نتائج العمليات التعليمية، فالواقع إن استخدام الاختبارات الموحدة تميل إلى التركيز على نتائج التعلم التي يسهل قياسها، وإهمال الأبعاد الاجتماعية المهمة الأخرى للتعليم، مع وجود توجه عالمي متزايد لقياس توجه القيم والمواقف والتطور الانفعالي.
فالاختبارات الدولية والوطنية تعطي مؤشرات لكنها لا تعكس جودة التعليم، فالمفترض العمل على فهم أفضل لكيفية الارتباط بين درجات تحصيل فئات محددة من الطلاب وخصائص بيئة تعلمهم مع سياقات معينة.
فتحويل الاختبارات القياسية إلى نقاط بيانية من حيث الطريقة التي تستخدم بها لجمع هذه الدرجات على مستوى المدرسة لمقارنة المدارس كما لو كانت مواقع إنتاج تعليمية، وفي ظل تلك التقييمات المختلفة بغرض مقارنة المؤسسات التعليمية وتصنيفها في بعض السياقات يُعرض التعليم لمخاطر تحويله إلى سلعة.
وأياً كان التصور المفاهيمي للجودة أو الإطار التحليلي المعتمد لها أو مجموعة العوامل التي يجري التركيز عليها في أي سياق معين، فإن التحول في السياسات العامة والخاصة بالتعليم على المستويين الدولي والوطني التي تركز على تحسين الجودة يعكس نموذجاً متغيراً بالقياس إلى العمليات التعليمية.
حيث ينطوي هذا التغيير في النموذج على آثار مهمة من حيث التصورات المفاهيمية لعملية التعلم وأساليب التعليم المستخدمة، وتصميم المناهج الدراسية، والطرق التي يتم بها تخطيط العمليات التعليمية وإدارتها.
وأصبح الاهتمام بالجودة يوجه بشكل متزايد إلى الطرق النوعية وليست الكمية، والطلب الاجتماعي على التعليم، وكفاءة النظم التعليمية، بالإضافة إلى نواتج العمليات التعليمية ونتائجها وأثرها.
والسؤال: لماذا هذا الاختلاف في معايير التصورات المفاهيمية للجودة؟
والجواب أنه يوجد على مستوى العالم ثلاث تصورات مفاهيمية وتطبيقية للجودة، فالتصور الأول ينظر للجودة التي تركز على المتعلم، بمعنى يتخذ المتعلم محوراً للجودة، وهو مستوحى من منظور حقوق الطفل (اليونيسيف) الذي يضع الطفل (المتعلم) في مركز اهتماماته.
والتصور الثاني أكثر تقنية وعقلانية، والذي يقيس الجودة من خلال المدخلات والعمليات والمخرجات، وهذا النموذج مستوحى من وجهة نظر صناعية للإنتاج التربوي، ويسعى إلى تقييم جودة (المنتجات) التعليمية و (أداء) نظم التعليم.
والتصور الثالث يستند إلى منظور التفاعل الاجتماعي متعدد الأبعاد الذي يتضمن منظوراً متطوراً للتعليم مستمداً من علم الاجتماع بدرجة كبيرة باعتباره (منفعة عامة) لابد أن تراعي مجموعة من الأبعاد ومن ديناميات التفاعل بين مختلف الجهات المعنية.
وأخيراً: هل يمكن تقديم تصوراً واحداً يجمع ويوفق بين تلك المفاهيم المتباينة للجودة، ويشكل التعليم المناسب، انطلاقاً من التصورات والمنظورات المتعددة في سياق محدد ووقت معين؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال