الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حب الخير ونفع الناس واستدامة الأثر فطرة بشرية في النفوس، كم عمّرت به من بلدان واستقرت به من أوطان! ولتنظيمه والإشراف عليه وتعظيم أثره نظمت مملكتنا المملكة العربية السعودية المركز الوطني لتنمية القطاع الغير ربحي، والهيئة العامة للأوقاف فقد بلغت عدد الكيانات الغير ربحية المسجلة وفق آخر إحصائية للمركز الوطني للقطاع الغير ربحي ٤٦٥٦ كيان ، وكانت خيارات الراغبين بتأسيس كيانات غير ربحية منحصرة في المؤسسات أو الجمعيات الأهلية وفق نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، أو بتأسيس وقف وفق أحكام الهيئة العامة للأوقاف، ولكن ما إن صدر نظام الشركات لعام ١٤٤٣ الذي تضمن تنظيم أحكام الشركات غير الربحية وجعلها خيارا متاحا للأفراد والجهات الاعتبارية للنفع العام والخاص؛ للمشاركة الفاعلة في الأعمال المجتمعية واستثمار الأموال بطريقة تعزز استدامتها مع نفع الناس.
ولكن نظرا لحداثة الشركات الغير ربحية في مجتمعنا وعدم وضوح كثير من معالمها، ما جعل بعض الناس يعزف عنها إما لعدم معرفتهم بها أو لعدم نضج كثيرا من أحكامها وإما لترددها بين الشركات التجارية من حيث الشكل وبين المؤسسات والجمعيات الأهلية من حيث المصارف والأهداف، كان من المهم توضيح أهم ميزاتها والتفريق بينها وبين غيرها من الأشكال القانونية المختلفة التي لا تهدف أساسا لتحقيق الربح.
لعل فكرة إنشاء الشركات الغير ربحية بدأت منذ نشأة مفهوم الكيانات الغير ربحية بدأً بالأوقاف العريقة والتي ازدهرت وانتشرت في العالم الإسلامي قديما وحديثا، وصولاً الى المنظمات والمؤسسات والجمعيات الأهلية الغير ربحية والتي تقدم خدمات عامة مثل المدارس والمستشفيات والجامعات في مختلف دول العالم، ثم ظهر تنظيم الشركة الغير ربحية تحت مظلة الشركات التجارية إذ تعتبر كندا من أول من استخدم شكل الشركة للكيانات غير الهادفة للربح عام ١٩١٧م وظهرت بعد ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، وجنوب أفريقيا، وبعض الدول العربية كالأردن، وفلسطين، والكويت. وأخيرا نظمت مملكتنا المملكة العربية السعودية شكل الشركات الغير ربحية، وتميزت واستفادت فيه من تجارب الدول، ومن أهم ميزاته أنه يمكن من خلاله خصخصة كثير من الجهات الحكومية على شكل شركات غير ربحية أو تشكيل ذراع استثماري للجهات الحكومية في تنفيذ مشاريعها ومبادراتها مما يساهم في تحسين الكفاءة والشفافية، وتعزيز المساءلة، والاستدامة المالية لها. كذلك يمكن تفعيل برامج المسؤولية المجتمعية للشركات من خلال تأسيس الشركات الغير ربحية لتنفيذ وتفعيل هذه البرامج. أو تفعيل كثير من أموال الأوقاف المعطلة من خلال هذه الشركات إلى غيرها من الميزات للأفراد الذي يرغبون في المحافظة على أصول أموالهم بعد موتهم دون أن يضيعها تفريط وتنازع الورثة.
وبعد كل هذا فما هو المقصود بالشركة الغير ربحية؟ لم يضع المنظم تعريفا لها ولكن يمكن تعريف الشركة الغير ربحية “بأنها كيان قانوني يؤسس وفقًا لأحكام نظام الشركات بناء على عقد تأسيس أو نظام أساس يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع بتقديم حصة من مال أو عمل أو منهما معًا وتنفق الأرباح المتحققة من ممارسة نشاطها في أي من المصارف والمجالات غير الربحية” ويجوز استثناء من أحكام النظام تأسيس شركة غير ربحية من شخص واحد، ومن أهم خصائصها أنها معفاة من أحكام جباية الزكاة، والضرائب وفق ضوابط هيئة الزكاة والضريبة والجمارك.
وتنقسم الشركات الغير ربحية إلى شكلين: الشكل الأول: الشركة الغير ربحية العامة: ولا تتخذ إلا شكل الشركة المساهمة فقط، وتنفق الأرباح المتحققة من ممارسة نشاطها في أي من المصارف والمجالات غير الربحية العامة التي تهدف حصرًا إلى خدمة المجتمع بعمومه، مثل: الأنشطة الدينية، والشؤون الصحية والنفسية والتمريض وعلاج المرضى وخدماتها، وبرامج رعاية الأسرة والطفولة، والثقافة والفنون والمواهب والهوايات والتراث والسياحة والترفيه والرياضة وأنشطتها، ونحوها من الأنشطة التي لا تنحصر على طائفة محددة من المجتمع. ولعل هذا الشكل يكون أنسب للجهات الحكومية، أو الشركات التي ترغب بتقديم خدمات عامة للمجتمع، وكذلك الأفراد خاصة الموظفين الحكوميين؛ لكون النظام سمح لهم بـتأسيس شركات غير ربحية عامة فقط دون غيرها من الأشكال.
ويجوز للشركة غير الربحية العامة فقط دون غيرها من الشركات قبول الهبات والوصايا والأوقاف النقدية والعينية أو إدارتها أو استثمارها والإنفاق من ريعها. أما الشكل الثاني فهي: الشركة الغير ربحية الخاصة: وتتخذ شكل الشركة ذات المسؤولية المحدودة أو شركة المساهمة، أو شركة المساهمة المبسطة، وليس لها اتخاذ أي شكل آخر، وتنفق الأرباح المتحققة من ممارسة نشاطها في أي من المصارف والمجالات غير الربحية الخاصة المختلفة. فمثلا تُصرف الأرباح على: مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، أو على جامعة الملك عبد العزيز، أو على جمعية زمزم الصحية، أو على وقف فقراء الحرم، أو تصرفها في منح دراسية أو تدريب لأبناء العائلة في حال كانت الشركة شركة عائلية، ونحوها من المصارف الخاصة المحددة لفئة معينة من الناس. وفي الشركات الغير ربحية يكون كل شريك أو مساهم في الشركة غير الربحية عضوًا، ويكون لكل عضو صوت واحد فقط في اجتماع الشركاء أو في الجمعية العامة أو جمعية المساهمين، ومع ذلك يجوز أن يُنص في عقد تأسيس الشركة غير الربحية أو نظامها الأساس على تفاصيل تتعلق بطريقة إدارتها أو أحكام العضويات الخاصة بها مثل مايلي:
أ- تحديد فئات وشروط وأحكام وصلاحيات فئات العضوية، والموضوعات التي يلزم لها الحصول على موافقة الجمعية الخاصة بأعضاء الشركة، والنصاب اللازم لذلك، ويشمل ذلك حق الرقابة على المدير أو مجلس الإدارة، والتحقق من إنفاق أرباح الشركة على تحقيق أهدافها في المصارف والمجالات المنصوص عليها في عقد تأسيسها أو نظامها الأساس.
ب- منح فئة معينة من الأعضاء الحق في التصويت على قرارات الشركة في جمعية خاصة أو منح فئة معينة من الأعضاء الحق في تعيين واحد أو أكثر من مديري الشركة أو أعضاء مجلس الإدارة.
ج – إصدار شهادات عضوية تكون غير قابلة للتداول. د- اشتراط دفع رسوم سنوية أو مساهمات نقدية أو عينية على فئة أو أكثر من فئات عضوية الشركة غير الربحية أو اشتراط تقديم عمل أو خدمة للشركة للحصول على عضويتها. ولا شك أن للشركة غير الربحية أن تحصل على عوائد نقدية أو عينية مقابل أعمالها ومنتجاتها وخدماتها، وأن تمارس أي نشاط مشروع يمكنها من تحقيق أرباح تنفقها في المصارف والمجالات المنصوص عليها في عقد تأسيسها أو نظامها الأساس، ويجوز لها أن تخصص بعض أرباحها لتنمية استثماراتها أو التوسع في أعمالها على ألا تتجاوز هذه النسبة (ثلاثين في المائة) ٣٠ % من الأرباح ما لم ينص عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس على خلاف ذلك. ولا يترتب على ذلك زيادة في رأس مال الشركة.
ويحظر على الشركة غير الربحية توزيع أي من أرباحها على أي من أعضاء الشركة أو مديريها أو أعضاء مجلس إدارتها أو عامليها، ما لم يكن مشمولًا بمصارف ومجالات الشركة غير الربحية وفي هذه الحالة يكون الحد الأقصى لنسبة الأرباح التي يمكن توزيعها هو١٠% (عشرة في المائة). ومع ذلك يجوز للشركة غير الربحية أن تدفع مكافآت أو أي مزايا أخرى معقولة لمديريها أو أعضاء مجلس إدارتها أو عامليها لقاء الخدمات والأعمال التي يقدمونها إلى الشركة. ومن المهم الإشارة إلى تشابه الشركة الغير ربحية مع المؤسسات والجمعيات الأهلية أو الأوقاف في الأهداف والمصارف إلا أن الأولى ينظمها نظام الشركات تحت إشراف وزارة التجارة والأخرى ينظمها نظام المؤسسات والجمعيات الأهلية تحت إشراف المركز الوطني للقطاع الغير ربحي أو الهيئة العامة للأوقاف في حال كانت منشأة وقفية ولعلي أوضح الفروق بينها والميزات في مقال آخر.
ختاما تعتبر الشركات غير الربحية شركات تجارية وتلعب دورًا هامًا في المجتمع من خلال تقديم خدمات ومساهمات في مختلف المجالات والأنشطة، ولكن دون السعي لتحقيق الربح. وتتميز هذه الشركات بخصائص مهمة منها:
• الإعفاء من الزكاة والضرائب.
• إمكانية قبول الهبات والوصايا والأوقاف.
• وجود فئات مختلفة للعضوية مع صلاحيات محددة.
• إمكانية تأسيسها من الموظف الحكومي
• إمكانية الحصول على عوائد نقدية أو عينية مقابل أعمالها ومنتجاتها وخدماتها.
• حظر توزيع الأرباح على الأعضاء أو المديرين أو الموظفين إلا في حالات محددة.
وتمثل الشركات غير الربحية رافدًا هامًا للتنمية في مختلف المجالات، وتُسهم في تحقيق التكافل الاجتماعي وتعزيز قيم التعاون والمشاركة بين أفراد المجتمع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال