الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما نسمع أو نقرأ عن حادثة احتيال ترد لأذهاننا قصص لأشخاص تعرضوا للاحتيال بعد أن أغراهم المحتال بتوظيف أموالهم في مشاريع وهمية أو أن يدير أموالهم أو حتى بفوزهم بجائزة ثمينة ويتطلب استلامها دفع مبلغ مالي، والاحتيال بكافة أنواعه بلا شك جريمة ويعاقب عليها النظام لكن أخطرها وأشدها ضرراً هو الاحتيال المحاسبي (Accounting fraud) فما هو الاحتيال المحاسبي؟
بكل بساطة يمكن تعريف الاحتيال المحاسبي بأنه أي تلاعب (متعمد) في البيانات المالية للمنشأة بهدف إخفاء بعض العمليات أو خلق مظهر زائف للوضع المالي (مثلاً إخفاء خسائر، تقليل نفقات، تضخيم أرباح)، وحتماً هناك تبعات لهذا الأمر لكن يصعب تحديد ذلك دون النظر لكل حالة (بشكل منفصل) والأخذ بالعوامل المؤثرة كالأنظمة الرقابية والمراجعة الداخلية، ووفقاً لدراسة أجريت عام 2023م حول مدى انتشار الاحتيال في الشركات تبين للباحثين أن 10% من الشركات المشمولة بالدراسة تمارس سنوياً أحد أنواع الاحتيال المحاسبي حيث ترتب على ذلك خسائر تصل الى ما يقارب 830 مليار دولار، كذلك قدرت الجمعية الدولية لمحققي الاحتيال المعتمدين (ACFE) والتي تصنف كأحد أكبر المنظمات الدولية في مجال مكافحة الاحتيال أن المؤسسات تخسر ما يقرب 5% من إيراداتها السنوية نتيجة لممارسات الاحتيال.
وعند الحديث عن الاحتيال المحاسبي لابد أن نسلط الضوء على أبرز وأشهر حالة في هذا الخصوص وهي شركة انرون الأمريكية، فالشركة المتخصصة في مجال الطاقة والغاز الطبيعي والتي حملت لقب “الشركة الأكثر ابتكاراً” (بحسب مجلة فورتشن fortune) كانت تستخدم كيانات خارج الميزانية (off-balance-sheet entities) لاخفاء ديونها وخسائرها عن كل من المستثمرين والدائنين بالاضافة الى الجهات الرقابية الأمر الذي منحها مظهر مالي زائف، لكن ذلك لم يستمر طويلاً وتبين للجميع حجم الديون والخسائر الحقيقية الأمر الذي لإنهيار سهمها وإفلاسها عام 2001م، والجدير بالذكر أنه أثناء المحاكمات التي جرت لاحقاً اتهمت المحكمة شركة ارثر اندرسون (المدقق المالي لإنرون وإحدى كبريات شركات المحاسبة في العالم) بالتراخي في تطبيق المعايير المحاسبية والحوكمة السليمة الأمر الذي دمر سمعتها وترتب عليه انهيارها.
أدت فضيحة انرون الى سن عدد من القوانين وحوكمة بعض الإجراءات المتعلقة بمحاسبة الشركات لتفادي تكرار حادثة مماثلة، لكن ذلك لم يمنع بعض الشركات من السير في طريق الاحتيال فعلى سبيل المثال اتهمت شركة هيندنبورغ (Hindenburg Research) للأبحاث مجموعة أداني (Adani Group) القابضة بالاحتيال المحاسبي والتلاعب في الأسهم الأمر الذي انكرته المجموعة بشدة لكن ذلك لم يمنع خسارتها لأكثر 50% من قيمة أسهمها في سوق الأسهم الهندية.
أما في المنطقة العربية فتعتبر قضية مجموعة أبراج (Abraaj Group) من أبرز القضايا التي أثارت ضجة واسعة نظراً لحجمها وطبيعتها الى جانب الأطراف المعنيين بها ، فالمجموعة التي تأسست عام 2002 على يد رجل الأعمال عارف نقفي تحولت خلال بضع سنوات الى إحدى أكبر شركات الاستثمار الخاص (private equity firm) في الدول الناشئة وذلك بفضل سياسة الشركة القائمة على شراء الحصص والاستحواذ على الشركات وإعادة هيكلها وزيادة إيراداتها ، لكن ذلك لم يستمر طويلاً فنتيجة لممارسات الاحتيال المحاسبي والتي تورط بها عدد من القياديين من ضمنهم نقفي نفسه انهارت الشركة وأعلنت إفلاسها عام 2018 وتم إيقاف المتورطين في القضية.
وختاماً يتضح أهمية دور التشريعات الرقابية والأدوات الداعمة لها في الحماية من الاحتيال وبالأخص الاحتيال المحاسبي ، وايماناً بأهمية ذلك فقد أطلقت المملكة مجموعة من التشريعات في هذا الشأن أهمها “نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة” والذي يستهدف حماية الحقوق ومنع الممارسات الاحتيالية الى جانب تعزيز الثقة والشفافية في البيئة الاستثمارية المحلية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال