الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في القرن السادس عشر الميلادي كان الحلم بإيجاد مؤشر اقتصادي يعمل كمقياس موحد لاقتصاد دول العالم يراود صُناع السياسة والاقتصاد لدى دول الجميع. بدأت المحاولات من بريطانيا العظمى، ولكن لم تكن تلك المحاولات جيدة، حتى ظهر الحائز على نوبل في الاقتصاد سيمون كوزنتس في عام 1934م ليُقدم للعالم مقترح مُفصل ومطور للمقياس الأشهر الان ” الناتج المحلي الاجمالي ” ليكون بعد ذلك بعشر سنوات وتحديدًا بعد مؤتمر بريتون وودز 1944م المؤشر الاقتصادي الأول لقياس اقتصاد أي بلد في العالم حتى اليوم، وكعادة أي ظهور تعرض الناتج المحلي الإجمالي للكثير من النقد، المديح، التعديل والتجاهل في بعض الأحيان من ظهوره الى اليوم، أشتد عضُد المؤشر المطور حديثًا بالصين الشعبية عندما اعتمدته كمؤشر قياس رئيسي لها عام 1993م بدل من القديم الماركسي.
الناتج المحلي الإجمالي هو مؤشر اقتصادي يقيس القيمة السوقية للسلع والخدمات المُصنعة داخل حدود بلد ما في فترة زمنية معينة ويعمل كمقياس لصحة البلد الاقتصادية، ويمكن حسابه على أساس سنوي أو ربع سنوي. يمكن حساب الناتج المحلي الإجمالي من خلال ثلاث طرق: طريقة الإنتاج ” القيمة المضافة ” وهي قيمة تُضاف على السلعة في كل مرحلة من مراحل الإنتاج، وبمعنى أخر هي قيمة إجمالي المخرجات مخصوم منه قيمة المدخلات للإنتاج. الطريقة الثانية هي طريقة الدخل وهي تتكون من قيمة الدخل القومي (الرواتب والإيجارات والفوائد ودخل الممتلكات للشركات والأفراد وضرائب التصدير والاستيراد) مضاف اليه ضرائب المبيعات والإهلاك وصافي دخل العمالة الأجنبية. الطريقة الثالثة وهي الأشهر على الأطلاق هي طريقة الأنفاق، وتتكون من أنفاق المستهلكين مضاف اليه الاستثمار التجاري والإنفاق الحكومي وصافي التصدير والاستيراد (مجموع الصادرات مخصوم منها مجموع الواردات)، كل الطرق الثلاثة المذكورة تحسب الناتج المحلي الأجمالي الاسمي ولا تأخذ بعين الاعتبار معدل التضخم في البلد، لأخذ التضخم في الحسبان يجب اختيار سنة أساس معينة لحساب الناتج الأجمالي لها ويُقارن بالحالي ليكون التضخم متضمن الناتج.
يستخدم الناتج المحلي الأجمالي الحقيقي (بعد أخذ التضخم في الاعتبار) في اتخاذ السياسات المناسبة ووضعها ومن أهمها السياسات النقدية والحكومية لتعزيز الاقتصاد أو لتهدئته وتفادي معدلات التضخم العالية والركود الاقتصادي، ويستخدم واضعي السياسات الناتج الحقيقي لدراسة وتحليل القصور والخلل في الاقتصاد ومعالجتها ومحاولة التطوير منها، ويستخدم أيضًا في وضع التوقعات المستقبلية لاقتصاد البلد ودراسة توجهاته من ناحية النمو أو الانكماش، والاستخدام الأبرز والأشهر للناتج المحلي الأجمالي الحقيقي هو لعمل مقارنة بين البلدان ومدى قوة اقتصاداتها وماهي المصادر القوية التي عملت على أنتاج هذه القوة، وهو مؤشر مهم على طبيعة حياة الناس والمجتمع في تلك الدول.
للعمل على تحليل الناتج المحلي لدولة ما بشكل بسيط وسهل ولا يحتاج الى معرفة مالية جيدة هو تحليل طريقة الأنفاق التي ذكرناها أعلاه، تفصيل هذه المعادلة وتحليل كل جزء منها يعطي المحلل والقارئ نظرة شاملة وسريعة على العوامل التي أثرت على اقتصاد بلد ما بشكل سلبي أو ايجابي، فالمعادلة الشهيرة تُفصل بالآتي:
أنفاق المستهلكين: زيادة الأنفاق للمستهلكين يزيد من معدل الناتج المحلي الأجمالي، ولكن يعتمد أنفاقهم على عدد سكان البلد في المقام الأول، فكلما زاد عدد السكان زاد الأنفاق. ويعتمد أيضًا على تنوع السلع ووفرتها في البلد، فالولايات المتحدة لها معدل أنفاق من المستهلكين أعلى من النمسا -على سبيل المثال- لأن لديها وصول سهل للسلع والخدمات وتنوع فيها وريادة في أنتاج الجديد منها.
الاستثمار التجاري: يشمل الاستثمار التجاري السلع التي تشتريها الشركات لصنع السلع الاستهلاكية، كلما زاد هذا الأنفاق على الاستثمارات كلما زاد الناتج المحلي الأجمالي. ينقسم الاستثمار التجاري الى قسمين: الاستثمار الثابت (المعدات والسلع الرأسمالية والمصانع والمنازل والشقق السكنية)، والقسم الأخر هو التغير في المخزون (زيادة المخزون لدى الشركات لتلبيه زيادة الطلب عليه يزيد من التغير في المخزون وبالتالي الاستثمار التجاري وبالأخير ينعكس بالزيادة في الناتج الأجمالي والعكس صحيح).
الأنفاق الحكومي: يؤثر الأنفاق الحكومي بشكل سلبي أو إيجابي على الناتج المحلي، فكلما زاد معدل أنفاق الحكومة على الخدمات العامة والتعليم والبنية التحتية والتسليح وغيرها، كلما زاد بذلك الناتج المحلي الأجمالي. ويعتمد الأنفاق الحكومي على الدورة الاقتصادية في البلد بشكل كبير، فاذا كان الاقتصاد يأخذ وضعيه السياسة الحكومية التوسعية فالحكومة تعمل على الأنفاق بشكل قوي للعمل على عودة الاقتصاد الى نقطة التوزان المطلوبة والعكس صحيح.
صافي الصادرات والواردات: زيادة التصدير الى خارج البلد مع انخفاض الواردات له يزيد الناتج المحلي ويدعم نموه والعكس أيضًا صحيح، فالزيادة في الواردات الى البلد مع انخفاض الصادرات منه يؤثر بشكل سلبي ويُخفض من الناتج الإجمالي.
على الرغم من الشهرة الفائقة لمؤشر الناتج المحلي الأجمالي على مستوى العالم الى أنه لازال يُعتبر مؤشر اقتصادي (مَبْتور) لم يكتمل بعد، ويتعرض للكثير من النقد على قصوره في حساب بعض العوامل المهمة التي لم يستطيع أخذها بعين الاعتبار -على سبيل المثال- لا يتضمن العمل غير مدفوع الأجر مثل عمل الأم في منزلها أو عمل الخباز رغيف للتوزيع على المساكين أو عائلته (على الرغم من حساب تكاليف أنتاج الرغيف)، ولا يتضمن أيضًا الاقتصاد الخفي أو الأسود، فبعض الدول يكون هذا النوع من الاقتصاد هو المسيطر والمحرك الأبرز لها مثل المكسيك وبعض دول أمريكا الجنوبية، والفشل في تحديد هل نمو البلد مستدام أم لا وأيضًا الفشل في تفسير عدم المساواة في الدخل بين أفراد المجتمع، ولكن الفشل الأكبر له هو أنه لا يقيس جودة الحياة والسعادة والصحة للمجتمع، ليبقى هذا المؤشر العتيد قابل للتحطم يومًا ما على يد مؤشر أخر كما هو الاقتصاد دومًا الشيء الوحيد الثابت فيه هو “التغيير”.
اقتباس اقتصادي: “نادراً ما يمكن استنتاج رفاهية الأمة من قياس الدخل القومي كما هو محدد في الناتج المحلي الإجمالي”. – سيمون كوزنتس
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال