الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن ظاهرة الاقتصاد الخفي تعتبر من الظواهر التجارية القديمة في المجتمع الإنساني ومحضورة عالميا، والاهتمام بها لم يتم إلا في الآونة الأخيرة لتزايد خطورته وتنامي حجمه، فقد وصل إلى (60٪) من الناتج القومي في بعض الدول، أما في الدول المتقدمة يتروح من (7-8٪)، ويقصد به كافة الأنشطة الاقتصادية المولدة للدخل غير المسجلة رسميا، نتيجة لقيام أفراد أو جماعات من خلال مؤسسات صغيرة أو ربما حالات فردية بتقديم سلع أو خدمات لها قدرة تنافسية لا تدخل ضمن الحسابات الرسمية للناتج القومي، وهي أما أن تكون أنشطة اقتصادية مشروعة كالمهن الحرفية والباعة المتجولين والأسر المنتجة وما في حكمها، أو غير مشروعة كتجارة المخدرات والاحتيال والسرقة والنصب والغش والتستر التجاري والمخالفة لأنظمة الإقامة وغيرها من الجرائم ذات الدوافع الاقتصادية، وجميعها أنشطة تتولد عنها دخول حقيقية أو ضمنية لا تخضع لرقابة السلطات الاقتصادية، والقصد من الإخفاء إما لأنها تقدم بصورة غير نظامية تهربا من الالتزامات القانونية أو المالية أو الفنية، وإما لطبيعة تلك الأنشطة المولدة للدخل المخالف لأنظمة الدولة.
ويعود انتشار الاقتصاد الخفي إلى أسباب اقتصادية، أو قانونية أو إدارية أو فنية، وهي كما يلي:
1- ارتفاع مستوى الضرائب: فارتفاع المستوى الضريبي يسهم في تشجيع الأفراد والشركات نحو المخاطرة والتحول للاقتصاد الخفي.
2- الأنظمة الإدارية والقيود الحكومية: من المسببات مواجهة تعقيدات في النظم الإدارية والقيود الحكومية مما يدفع إلى التحايل المؤدي إلى السوق السوداء.
3- انخفاض مستوى الدخل: إن انخفاض مستوى الدخل في الدولة ينجم عنه سلبيات كثيرة منها ارتفاع معدل البطالة، ونسبة الفقر، ومعدلات الجريمة، والمؤدية جميعها لازدهار أنشطة الاقتصاد الخفي، وتتزايد مع زيادة انخفاض الدخل.
4- دور المشروعات الصغيرة: لها دور في نمو الاقتصاد الخفي، وذلك لأنها تعتمد على النقود السائلة والتي تسهل من الأنشطة الاقتصادية الخفية.
اما الآثار السلبية للاقتصاد الخفي له أثارا كبيرة على الاقتصاد الرسمي قد تكون مدمرة إذا كان هذا الاقتصاد هو المسيطر، وأهم الآثار التالي:
1- فقدان بعض من الوعاء الضريبي المؤدي للنقص في الإرادات ومعدل النمو الاقتصادي.
2- يؤدي إلى عدم استقرار السياسات الاقتصادية: لأنه يؤدي إلى تشويه المؤشرات الاقتصادية وباقي الإحصائيات والبيانات ذات العلاقة، وينجم عن ذلك وضع سياسات غير مناسبة، من ذلك مثلا إبراز معدلات بطالة مظللة بأكثر من الواقع، تؤدي إلى تطبيق سياسات اقتصادية غير ملائمة، وهو يؤثر سلب على السياسة النقدية، لأن معظم التعاملات فيه تكون بصور نقدية، مما يزيد إلى ارتفاع الطلب على النقود، المؤثر سلبا في كمية النقود المستخدمة في الاقتصاد الرسمي.
3- يؤدي نتيجة للمعلومات غير الدقيقة إلى تسجيل معدلات نمو الاقتصاد مختلف عن الحقيقي مما يؤدي إلي تسجيل قياسات ناتج قومي غير حقيقي.
4- التأثير على الخدمات والمرافق العامة: فهو يشكل ضغطا على الخدمات والمرافق العامة للدولة أسوة بالاقتصاد الرسمي دون أن يتحمل المنخرطون فيه الأعباء العامة، أو الإسهام في دفع الضرائب التي تستغلها الدولة في الإنفاق وتمويل مشاريع تنموية وتشغيلها.
5- قد ينتج عن الاقتصاد الخفي إيجابيات كأن تنفق معظم إيراداته في الاقتصاد الرسمي مما يعززه، وتخفض معدلات البطالة، ويرفع من معدلات دخل الأشخاص محدودي الدخل سواء بدخل أساسي أو إضافي، وإلى تقديم سلع وخدمات بأسعار أقل، إلا أن مخاطره أكبر، كأن تكون الوظائف غير مستقرة، والسلع غير مطابقة للمواصفات والمقاييس النظامية، بل يوفر مناخ خصب لتفشي ظواهر التستر، والغش، والتدليس، والاحتيال للسلع والخدمات لبعدها عن الجهات الرقابية الرسمية.
وبالنظر إلى أشكال الاقتصاد الخفي، حيث تختلف أشكال الاقتصاد الخفي ومكوناته من دولة إلى أخرى نتيجة لاختلاف اقتصاداتها وأنظمتها المختلفة، وهو يدخل في كل مجالات الأنشطة الإنتاجية والخدمية والتجارية، ويتكون في مجموعتين، الأولي أنشطة في أساسها مشروعة واخذت الصبغة غير النظامية ليس بسبب نوعية النشاط، بل نتيجة لعدم إخضاعها للأطر النظامية المقننة، والمجموعة الثانية أنشطة غير قانونية ويجرم النظام من يمارسها، ومنها التالي:
أولا: المهن الحرفية: فكثير من ممارسي المهن الحرفية بأنواعها يصنف نشاطه ضمن الأنشطة الخفية، لتهربه من تقديم الالتزامات المالية والإدارية النظامية.
ثانيا: الباعة الجوالة والمتنقلة: فجلهم يمارسها كعمل إضافي وهو مخالف لنظام العمل، أو يتطلب القيام به إجراءات معينة مثل فتح محل أو سجل تجاري.
ثالثا: التستر التجاري: وهو من أبرز أشكال الاقتصاد الخفي والمجرم بالسعودية بكل اشكاله، وله أثار خطيرة منها تشويه المؤشرات والإحصائيات وإفشال سياسات الاستقرار الاقتصادي، وإضعاف الكفاءة الاقتصادية، والإخلال بتوزيع الموارد والمنافسة غير المشروعة للمواطنين ، وتزايد أعداد العمالة الوافدة، وزيادة حالات الغش التجاري.
رابعا: غسيل الأموال: وهي مجموعة من العمليات المالية والعينية المتداخلة التي تخفى حقيقة الأموال المكتسبة من مصادر غير مشروعة، وتحويلها بطرق مختلفة إلى أموال مشروعة ونظامية، ولها أخطار كبيرة ومتنوعة تهدد الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي محليا ودوليا، وقد اجتهدت الدول بإصدار قوانين محلية للمكافحة، وصدر العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
خامسا: التهرب الضريبي: تعتبر الضرائب من أهم السياسات الاقتصادية التي يعتمد عليها كركيزة قوية في السياسة الاقتصادية، وتمويل مشاريع التنمية الشاملة، وتغطية الأعباء الاقتصادية، وتمويل الميزانية للدولة، ومعالجة الإشكاليات منها التضخم النقدي، والحد من التفاوت بين الدخول، ويترتب على التهرب الضريبي آثار سيئة على الصعيد المالي والاجتماعي وإلحاق أضرار كبيرة بالاقتصاد الوطني.
سادسا: الفساد الإداري والمالي: يعتبر الفساد الإداري والمالي واستغلال النفوذ من أهم عوامل انتشار الاقتصاد الخفي، ومن أكثر الجرائم خطورة على المال العام والاقتصاد الوطني، بل وفساده قد ينسحب على كل مناحي الحياة.
سابعا: التجارة المحرمة شرعا ونظاما: تشكل أنشطة التجارة في المحرمات والممنوعات أحد المكونات الكبرى للاقتصاد الخفي، نتيجة تغلغلها في جميع مجالات الأنشطة الاقتصادية والمالية، ومنها تجارة المخدرات تهريب وترويج، وتهريب الأسلحة، والغش التجاري، وكل الأنشطة والخدمات التي يحضرها النظام وقنن لها المنظم عقوبات.
ثامنا: المنافسة غير العادلة بين الكيانات الاقتصادية المسجلة والكيانات غير المسجلة، فالأولى تتحمل أعباء لا يتحملها الكيان الثاني.
وسائل مكافحة الاقتصاد الخفي: وحيث إنه ثبت يقين أن للاقتصاد الخفي أضرار اقتصادية واجتماعية وأمنية عديدة، ومحاربته ضرورة وطنية ملحة، ويجب اقتلاعه من جذوره، والمملكة العربية السعودية قامت بجهود مضنية للحد منه، والذي يشكل حوالي يتراوح من (15-20٪) من الناتج المحلي، ومن أهم الجهود التي بذلتها السعودية تكمن في التالي:
1- الإلزام القانوني للفاتورة الإلكترونية: ومنظومة الفوترة الإلكترونية هي إجراء يهدف إلى تحويل عملية إصدار الفواتير والإشعارات الورقية إلى عملية إلكترونية تسمح بتبادل الفواتير والإشعارات المدينة والدائنة والالزام القانوني بمعالجتها بصيغة إلكترونية منظمة بين البائع والمشتري بتنسيق إلكتروني متكامل يساعد في الاحصائيات، وهي فاتورة يتم إصدارها وحفظها بصيغة إلكترونية منظمة عبر نظام إلكتروني وتحتوي على متطلبات الفاتورة الضريبية، ولا تعتبر الفاتورة المكتوبة بخط اليد أو المصورة بماسح ضوئي فاتورة إلكترونية. وهناك نوعان من الفواتير الضريبية، الفاتورة الضريبية بين منشأة ومنشأة (وبها جميع عناصر الفاتورة الضريبية)، والفاتورة الضريبية المبسطة بين منشأة وفرد (وبها العناصر الرئيسية للفاتورة الضريبية).
2- الحرب الضروس على الفساد والمفسدين حتى بأثر رجعي، مما حد وبشكل كبير جدا من الفساد الإداري والمالي في كل القطاعات العامة والخاصة والثالث، وتوفير الأطر النظامية الحامية للمبلغين والذي وسع وسهل كثيرا في مصادر المعلومات، وهذا المجال جميع إجراءاته ضمن الاقتصاد الخفي.
3- الشفافية العالية لمستوى الأداء الحكومي والمؤشرات الاقتصادية الدورية وغير ذلك من المؤشرات والاحصائيات والبيانات سواء عن طريق اللقاءات الدورية للمسؤولين أو النشرات المختلفة، وهي مجففة لمصادر الاقتصاد الخفي.
4- الحملات المنظمة للقضاء على العمالة السائبة وكل مخالفي أنظمة الإقامة، وهم من أهم مصادر الاقتصاد الخفي.
5- الحرب على المخدرات تهريبا وترويجا من خلال تعاون وتنسيق فعال بين القطاعات ذات العلاقة، مما جفف كثير من بؤر هذه الآفة بالغة الخطورة، وكذلك تفعيل البرامج العلاجية المختلفة للمدمنين، مما يساهم في محاصرة الاقتصاد الخفي.
6- تفعيل مكافحة التستر التجاري، وهو أحد المواطن الرئيسة المناسبة للاقتصاد الخفي، وفي هذا الجانب تحقق كثير من الجهود، بدايتها بصدور الأمر الملكي الكريم بنظام التستر الجديد، وما تلاها من جهود جماعية للقطاعات ذات العلاقة، ومن أهمها التشهير بالأطراف، وإن كان الأمر يتطلب المضاعفة في ظل التواجد الكبير لهذه الظاهرة.
7- تفعيل مكافحة الغش التجاري بتكثيف جولات التفتيش والرقابة الفردية والجماعية للقطاعات ذات العلاقة.
8- النجاح الباهر في تخفيض معدلات البطالة، والتي قارب وصولها إلى مستهدف الرؤية عند (7.7٪)، وهذا العامل أكدت الدراسات كأحد العوامل المؤدية للتوسع في الاقتصاد الخفي.
9- التوسع في تقديم البرامج والإعانات، والمساعدات المختلفة للفقراء وذوي الدخل المحدود، كما أن القطاع الثالث له دور جيد في هذا الجانب.
وكما تعود المواطن السعودي على التنعم بفوائد المتتالية للرؤية الوطنية، فإنه في هذا الحقل كذلك قد تحققت فوائد عديدة نتيجة لتلك الرؤية المباركة، ومعدلات الاقتصاد الخفي في تناقص في شقية وإن كان أكثر للأنشطة غير المشروعة، والقادم أفضل وأنجع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال