الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل ما تشهده المملكة العربية السعودية من طفرة تشريعية في شتى مجالات الحياة، والتي تخدم جودة الحياة وتنمي الاقتصاد، أتت الموافقة من مجلس الوزراء في يونيو من عام 2023م على الانضمام لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع (CISG) أو ما تسمى اختصارا اتفاقية فينا 1980، وستسري أحكام هذه الاتفاقية في المملكة ابتداءً من الأول من شهر سبتمبر لعام 2024م، ولهذه الاتفاقية خصائص ومميزات تنعكس بالإيجاب على كل من التجار والمحاكم التجارية ورجال القانون.
لقد نشأت الاتفاقية نتيجة سنوات عديدة من المفاوضات والدراسات، حيث توصلت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال) للصيغة النهائية للاتفاقية في 11 أبريل لعام 1980م، لتضع بذلك قانونا عالميا يحكم عقود بيع البضائع الدولية، وقد دخلت الاتفاقية حيز النفاذ في الأول من يناير عام 1988م، وما زالت من ذلك الوقت تستقطب الدولة للانضمام لها، حتى بلغ اليوم عدد الدول الأعضاء فيها 97 دولة، كانت المملكة الدولة المنضمة رقم 96 لتليها جمهورية رواندا في الانضمام في سبتمبر من عام 2023م.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى إيجاد قانون دولي موحد يدعم السرعة والائتمان التي تقوم عليها عمليات التبادل التجاري، حيث أن تباين الأحكام الموضوعية وقواعد التنازع التي تتضمنها القوانين المحلية قد تؤدي إلى جهل أحد الأطراف بحقوقه الناتجة لاسيما وإن كان تعامله التجاري لأول مرة مع التاجر المحلي، أو أن القوانين المحلية لا تشكل ائتمان كافي يجلب العقود الدولية، وتعيق حركة التجارة الدولية. إذن فيمكن تلخيص الغاية منها في توفير نظام عادل حديث شامل موحد لعقود البيع الدولي للبضائع، وبالتالي زيادة الائتمان في التبادلات التجارية وخفض التكاليف المادية.
وتطبيق هذه الاتفاقية لا يتوقف على جنسية الشخص -فتنطبق على السعودي والمقيم-، ولا على صفته سواءً كان تاجرا أو مدني، إنما يتم تطبيق الاتفاقية متى ما توفر فيها أحد ما يلي:
وتطبيق هذه الاتفاقية على العقود بغض النظر عن تجارية العقد من عدمه يرجع لعدد من الأسباب أهمها هو هدف التوحيد الذي تنشده الاتفاقية، حيث أن الدول تتباين في تطبيقها العملي لنظرية الأعمال التجارية، فمنها ما يأخذ بالمعيار العضوي ومنها ما يأخذ بالمعيار الموضوعي، كذلك أن هناك دول لا تفرق بالأساس بين القانون المدني والقانون التجاري، فتجعلها بذلك خاضعة لقانون واحد مثل دولة فرنسا وسويسرا.
وتنظم الاتفاقية جميع عقود البيع الدولي، ويدخل في ذلك عقد التوريد الذي يكون موضوعه صنع بضائع أو إنتاجها، وهذه الاتفاقية هي اختيارية للأطراف يجوز لهم أن يتفقوا على خلافها، باستثناء المادة الثانية عشر فأتى نصها آمر متفرد لا يجوز للأطراف مخالفته، ويستثنى من التطبيق جميع العقود المحلية حتى ولو عقدت خارج المملكة، ويستثنى منها ما استثنته المادة الثانية كالكهرباء وبيوع المزاد …إلخ، وقد تحفظت المملكة على التطبيق الجزء الثالث من الاتفاقية لتعلقه بالربا المحرم شرعا والمخالف للنظام العام في المملكة، وهذا هو التحفظ الوحيد الذي أبدته المملكة.
وبعد صيرورة الاتفاقية للنفاذ في غرة سبتمبر القادم سيلاحظ المجتمع التجاري والقانوني نشوء اختلافات عما يسري الآن من حيث:
حقيقة تعتبر هذه الاتفاقية من أنجح مشاريع توحيد القوانين على مستوى العالم، حيث أن أطرافها يمثلون ثلثي التجارة الدولية، وقد تأخر انضمام المملكة لهذه الاتفاقية، إلا أنه الآن وبعد انضمام المملكة لها، فيجب أن تتجه أنظار القانونيين والقضاة لدراسة هذه الاتفاقية وتحليل نصوصها وإثراء الساحة المحلية بالمؤلفات عنها، والتخصص أكثر في تلك الاتفاقيات الدولية التي انضمت أو ستنضم لها المملكة.
وأخيرا فإن هذا الانضمام كان نتيجة المقترح الذي سبق للمركز الوطني للتنافسية الرفع بشأنه لمجلس الوزراء في إطار تعاون المركز الوثيق مع لجنة القانون التجاري الدولي بالأمم المتحدة (الأونسيترال)، والذي يهدف إلى تعزيز البيئة القانونية المواتية للتجارة والاستثمار في المملكة، وهو جزء من سلسلة تعاونات تقدم بين المركز واللجنة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب فيها الخير والنماء لبلادنا العظيمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال