الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من خلال كتابه (الوقوف على أطراف الأصابع)، يوثق معالي توفيق الربيعة تجربة المملكة العربية السعودية مع جائحة كورونا كمذكرات شخصية له خلال فترة عمله كوزير للصحة، كأكثر قطاع واجه هذا الفيروس مواجهة لم تكن سهلة أو متوقعة. قرأت الكتاب على مهل، رغم عدد صفحاته القليل، إلا أن كل جزء منه جاء محملاً بالدروس الصعبة، وبالتأكيد ذكريات المشاعر الثقيلة من تلك الفترة وما مررنا فيه كمواطنين من صعوبات لم يُهونها بعد الله إلا جهود حكومة المملكة العربية السعودية التي لم تتأخر في بذل كل جهد حتى لو كان مستحيلاً.
مع كم المعرفة الذي أضافه لي الكتاب، يهمني في هذا المقال اختصار بعض فوائده في ثلاث محاور مثيرة للاهتمام، وتستحق الاطلاع كتجربة إدارية وطنية مهمة، أولها: كل قرار تتخذه من مكانك الإداري هو مهم وخطير في الوقت نفسه . لكن الأخطر أن لا تتخذه! لأن التحديات في العمل -والحياة إجمالاً- مستمرة وعدم اتخاذ القرار خشية الخطأ سيزيد الأمور سوءاً، حتى وإن كان قرار غير مضمون النتائج، فكانت القرارات تُتخذ خلال جائحة كورونا بشجاعة مع متابعة لكل تحدي أو خطر قد يطرأ للتعامل معه بشكل سريع، وحتى لو كانت موجعة مثلما حدث مع تقنين العمرة وإيقاف الصلوات في المساجد لكنها مؤقتة وضرورية، فلقد ذكر معالي الربيعة أن الملك سلمان -حفظه الله- لم يقبل أن يخلو الحرمان من المصلين؛ لذلك جاء التوجيه أن تقتصر الصلاة في الحرمين على منسوبيها، وهذا نموذج لقرار لم يكن سهلاً لكن صاحب القرار وازن بين أمرين في وقت صعب.
أما ثانيها: فهو أن النجاح -بالنسبة لمعالي الربيعة- هو جهد فريق وليس جهد فرد؛ ففي الكتاب ستجد أنه ذكر جهود كل مسؤول وموظف شارك في فريق عمل التعامل مع هذه الجائحة، الأمر يتجاوز التكليف بمهمة والتحقق من إنجازها، بل يعني تحميل المسؤولية وعدم الدخول في التفاصيل، وكذلك التفويض ومنحهم فرصة المشاركة الفاعلة، ويعني أيضاً سرعة نقل المهام لفريق آخر في حال زيادة المهام على أحد الفرق، بالإضافة إلى منح القطاع الخاص فرصة تقديم الدعم من خلال المشاركة بالعمل، وهذا يعني أن النجاح هو جهود متكاملة من أفراد وفرق عمل وهو ما يتحقق من خلال التمكين والثقة التي سيمنحها القائد لهم.
آخر المحاور التي لفتت انتباهي- لكونها مثلت معلومة جديدة لي- هي تفرد المملكة العربية السعودية بصناعات لمنتجات تصدرها لدول متقدمة صناعياً عالمياً، مثل الكمامات التي كانت تُصدر للصين وفي المقابل كانت تستورد مواد لتمكنها من التصنيع حتى وجه سمو وزير الطاقة بتصنيع هذه المادة ليكون إنتاج الكمامات كاملاً في السعودية، وهذا يعني أن بُعد نظر المسؤول قد يعطي حلولاً اقتصادية وطنية حتى في أسوأ الأزمات تستمر فوائده على المدى الطويل .
الكتاب إضافة كبيرة للمحتوى العربي الإداري كنموذج قيادي متميز، ستقرأ فيه استشراف المستقبل والتنبؤ بالحلول، وأن القيادة ليست ردة فعل للأحداث السيئة، بل نظرة بعيدة للتكيف مع أسوأ السيناريوهات، ولعل من حسن الإدارة إدراك أهمية الاستشارة والمبادرة في اتخاذ القرار.. وأن الجهود في كل مكان قيادي هي عملية مستدامة فكل مسئول هو امتداد لمن قبله حتى يُسلم الدّفة لمن يليه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال