3666 144 055
[email protected]
إيلاف، شابة سعودية في العشرينيات من عمرها، كانت دائماً مهتمة بالتكنولوجيا والابتكار. بعد تخرجها من الجامعة بدرجة في هندسة الكمبيوتر، واجهت صعوبات في العثور على فرصة عمل تتناسب مع شغفها بالذكاء الاصطناعي. علمت إيلاف عن برنامج تقدمه الأكاديمية السعودية الرقمية يركز على الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، فقررت التقديم.
وخلال البرنامج، تلقت تدريباً مكثفاً على أحدث التقنيات في مجال الذكاء الاصطناعي وتعلمت كيفية تطبيق هذه التقنيات في حل المشكلات العملية. كانت الدورات تشجع على الابتكار والتفكير النقدي، مما أتاح لها فرصة لتطوير مشروعها الخاص، وهو تطبيق ذكاء اصطناعي يساعد في تحسين كفاءة إدارة الموارد الطبيعية.
ومع دعم من المدربين والمرشدين في الأكاديمية، تمكنت إيلاف من تحويل فكرتها إلى نموذج أولي ناجح. لاقى المشروع اهتمامًا في معرض تكنولوجي محلي، حيث حصلت على التمويل اللازم لتطويره إلى شركة ناشئة.
إيلاف، التي تمكنت من تحقيق حلمها بفضل الدعم والتدريب الذي حصلت عليه، أصبحت الآن تدير شركتها الخاصة، وتعمل على توسيع تطبيقاتها في مجالات أخرى، مثل الزراعة الذكية وإدارة المياه. كما أصبحت مصدر إلهام للعديد من الشابات السعوديات الراغبات في دخول مجال العلوم والتكنولوجيا.
وفي أروقة الأعمال وأسواق المال، حيث الأرقام تحكي قصص الأرباح والخسائر، تبرز قصص فردية تضفي على هذه الأرقام نبض الحياة وتجسد مفهوم النجاح الحقيقي،مثل سارة السحيمي، التي أصبحت أول امرأة ترأس مجلس إدارة البورصة السعودية، تعد نموذجًا بارزًا لهذا النوع من النجاح. وُلدت هذه القصة من رحم الشغف والعزيمة ، حيث استطاعت سارة أن تكسر القوالب النمطية وتترك بصمة واضحة في مجال يُعد من أكثر المجالات تحفظًا وذكورية.
لم تكن سارة وحدها في هذا المضمار؛ فهناك رانيا نشار، التي تصدرت أيضاً مجال الصيرفة في المملكة كرئيسة لسامبا المالية، وأظهرت بذلك كيف يمكن للشغف أن يصنع من المستحيلات ممكنات، وكيف يمكن للعزيمة والإرادة أن تدفع بالإنسان نحو تحقيق الأهداف العالية.
هذه القصص لا تمثل فقط تحولات في حياة الأفراد، بل تُظهر أيضًا كيف يمكن للشغف أن يكون محركًا لتغيير المؤسسات والمجتمعات بأسرها، وتعكس كيف يمكن لبرامج تنمية القدرات أن تمكّن الشباب من تحويل شغفهم إلى مشروعات مبتكرة تسهم في التنمية الاقتصادية وتحل التحديات المحلية، من خلال التركيز على ثلاثة أبعاد ( الشغف ،التمكين ،الابتكار ) والتي يمكن أن أسميها مثلث تنمية القدرات البشرية مما يساهم في تحقيق أهداف رؤية 2030 في المملكة العربية السعودية .
الشغف، بمعناه الأصيل، هو ذلك الدافع الداخلي الذي يُلهم الفرد للتميز والإبداع. إنه ليس مجرد رغبة عابرة أو هواية يمارسها الفرد في أوقات فراغه، بل هو الشعلة التي تُضيء درب الإبداع وتحرق العقبات التي قد تعترض سبيل النجاح. الشغف هو السر وراء كل عمل متقن وكل إنجاز بارز. وفي عالم الأعمال، يكتسب الشغف أهمية خاصة؛ فهو يُعتبر العامل الأساسي الذي يُمكن الأفراد من تحمل المخاطر ومواجهة تحديات السوق بثبات وثقة.
تطوير الشغف وتنميته لدى المبدعين يتطلب بيئة محفزة تقدر الابتكار وتشجع على التفكير الحر. البيئة المثالية للشغوفين هي التي توفر لهم الموارد اللازمة وتُعزز من فرص التعلم والنمو. وتسودها ثقافة تقبل الفشل كجزء من العملية الإبداعية وتعتبره فرصة للتعلم والتطور، بدلاً من رؤيته كعقبة تُعيق الإنجاز. كما يجب على القيادات في هذه البيئات أن تكون مصدر إلهام وتوجيه، تفهم أهمية الشغف وتعمل على تعزيزه من خلال توفير فرص للابتكار والتجريب.
إلى جانب توفير البيئة الداعمة، ينبغي على المؤسسات أن تستثمر في تدريب وتعليم الموظفين، مما يُمكنهم من تطوير مهارات جديدة والتعمق أكثر في مجالات يشعرون بالشغف نحوها. إن الاستثمار في التطوير المهني يُعزز من الكفاءات داخل المؤسسة، بل يُشعر الأفراد بالتقدير والاهتمام، مما يزيد من التزامهم وولائهم للمنظمة.
الإبداع الناتج عن الشغف يُمكن أن يكون له تأثير بالغ في نهضة الأمم وتقدمها. فالمجتمعات التي تحتضن الشغف وتدعم الإبداع تجد نفسها في مقدمة الدول في مختلف المجالات، من الاقتصاد والتكنولوجيا إلى الفنون والعلوم. الأفراد الذين يُحركهم الشغف يُمكن أن يُحدثوا تغييرات ملموسة في مجتمعاتهم، سواء بتطوير منتجات جديدة، أو بإنشاء أعمال تجارية تُحفز النمو الاقتصادي، أو بإجراء أبحاث قد تُسهم في حل بعض من أكبر التحديات العالمية.
والمجتمعات التي تنجح في تحفيز شغف أبنائها وبناتها وتوفير الظروف الملائمة لنموه وازدهاره تجد نفسها دائماً في طليعة الحضارة الإنسانية.
ولدمج أبعاد الشغف والتمكين والابتكار، في إطار واحد لتنمية القدرات البشرية، يمكننا تصور استراتيجية متكاملة تعمل على تعزيز هذه الأبعاد بشكل متزامن لتحقيق أقصى تأثير ممكن. ولتنفيذ هذه الاستراتيجية اقترح الخطة التالية:
• اكتشاف الشغف وتنميته من خلال برامج موجهة لمساعدة الأفراد على اكتشاف ما يحبونه وما يتقنونه ،ثم ربط الشغف بالمسارات المهنية وتوجيه الأفراد لربط شغفهم بفرص عمل ملموسة يمكن أن تؤدي إلى مهن مرضية ومستدامة ،وتقديم برامج الدعم والارشاد من مهنيين مخضرمين في مختلف المجالات.
• إنشاء بيئة تمكينية تعمل على تصميم سياسات تدعم التعليم المستمر وتوفير فرص التدريب المهني لجميع الأفراد بغض النظر عن خلفيتهم ،كما توفر موارد تقدم الدعم التقني، المادي، والمعنوي للأفراد الراغبين في تحسين مهاراتهم أو بدء مشاريع جديدة ، ثم تضع أنظمة تقييم فعّالة تعتمد على الشفافية لقياس التقدم وضمان الاستخدام الأمثل للموارد.
• تشجيع الابتكار وتحفيز الإبداع من خلال إقامة ورش عمل وحلقات نقاش تركز على تحفيز التفكير الإبداعي وحل المشكلات ، وتوفير الأدوات اللازمة لتطوير حلول مبتكرة.ثم العمل على تعزيز التعاون بين الجامعات، الشركات، والمؤسسات الحكومية لتبادل المعرفة وتوسيع فرص الابتكار وتدعم الاستثمار في التكنولوجيا.
• التوسع والتطوير المستمر من خلال نشر النجاحات ومشاركة القصص الناجحة والنتائج المثمرة على نطاق واسع لتحفيز المزيد من الأفراد والمنظمات على المشاركة ،وتشجيع التجديد المستمر في البرامج والأساليب للتكيف مع التغيرات في السوق والمجتمع.
• تعزيز التعاون والشراكات بين القطاعات العامة والخاصة والمنظمات غير الحكومية لدعم تنمية القدرات البشرية.ومن ثم دعم التعاون الدولي واستكشاف فرص التعاون مع مبادرات وبرامج دولية لتبادل الخبرات ومحاذاة البرامج مع الأهداف الإنمائية المستدامة للأمم المتحدة لضمان المساهمة في التقدم العالمي نحو التنمية المستدامة.
بتطبيق هذا النهج المتكامل، يمكن تحقيق تنمية قدرات بشرية فعالة ومستدامة تعمل على تحسين الجودة العامة للحياة، وتدعم الابتكار والتقدم الاقتصادي، وتعزز من الانخراط الفعال للأفراد في مجتمعاتهم بمختلف أبعادها. هذا النهج يساهم في بناء مجتمعات قوية قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية واستغلال الفرص بشكل أمثل.
وفي المملكة العربية السعودية، هناك العديد من المبادرات والبرامج التي تدمج مثلث تنمية القدرات البشرية مثل مؤسسة مسك الخيرية، التي أسسها الأمير محمد بن سلمان، والتي تهدف إلى تمكين الشباب السعودي من خلال التعليم والتدريب. تقدم المؤسسة برامج في مجالات مثل التقنية، الإعلام، الثقافة، والفنون، وتشجع على الابتكار وريادة الأعمال من خلال مختلف المبادرات والورش التدريبية.
أيضا الأكاديمية السعودية الرقمية وتعمل على تنمية مهارات الشباب السعودي في مجالات الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، وتقنيات البيانات الكبيرة، من خلال توفير دورات تدريبية مكثفة وبرامج تعليمية متقدمة.
هذه المبادرات تعكس الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية لتطوير قدرات مواطنيها ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ضمن رؤية 2030. وتعمل على دمج التمكين، الابتكار، والشغف بطرق تعود بالفائدة على الأفراد والمجتمع بأكمله.
قالها ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان «طموحنا أن يكون اقتصادنا أكبر مما نحن فيه اليوم، كيف نخلق بيئة جذابة وجيدة ورائعة في وطننا، كيف نكون فخورين في وطننا، كيف يكون وطننا جزءًا مساهمًا في تنمية وحراك العالم سواء على المستوى الاقتصادي أو البيئي أو الحضاري أو الفكري» وصدق فعله قوله .
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734