الإسهام في بناء المدن الذكية

في الآونة الأخيرة، قام وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان ماجد بن عبدالله الحقيل بزيارة إلى بكين. وهذه الزيارة لم تعزز فقط الشراكة بين الصين والسعودية في مجال بناء الإسكان والبناء الحضري والريفي، بل فتحت أيضا فصلا جديدا في التعاون بين البلدين في بناء جيل جديد من المدن. هنا، أجرى الوزير الحقيل تبادلا متعمقا مع وزير الإسكان والتنمية الحضرية والريفية الصيني السيد ني هونق، حول التخطيط الحضري وصياغة سياسات الإسكان والتنمية الحضرية المستدامة بهدف تنفيذ خطة تنسيق البناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق” و “رؤية السعودية 2030” بشكل جيد، والعمل بجد للإسهام في بناء مصير مشترك للمجتمع الصيني والعربي في العصر الجديد.

ووقع الطرفان خلال هذه الزيارة عددا من اتفاقيات التعاون شملت مذكرة تفاهم بين الهيئة السعودية للمقاولين ورابطة المقاولين الدولية الصينية؛ واتفاقية بين شركة الصين لهندسة الآلات CMEC والشركة الوطنية للإسكان السعودية لإنشاء 20 ألف وحدة سكنية في السعودية؛ وأخرى كانت بين مجموعة سيتيك الصينية للإنشاءات والشركة الوطنية للإسكان السعودية، لإنشاء مدينة صناعية ومناطق لوجستية لمواد البناء تضم 12 مصنعا، لتعزيز قدرات السعودية على توفير مواد البناء وتأمين سلاسل الإمداد للمشاريع السكنية. وهنا ذكرت شركة منصات العقارية، أن الاتفاقيات المبرمة مع الشركات الصينية ستسهم في تسريع وتيرة البناء واستقرار أسعار السوق، مؤكدة أنه بفضل استخدام الشركات الصينية للتقنيات الحديثة في البناء، سيتم خفض التكاليف بنسبة تصل إلى 50% وبجودة عالية.

وفي الوقت الحاضر، يمر سوق البناء في السعودية بمرحلة تطور سريع، وتتوالى ظهور مشاريع التعاون في مجال البنية التحتية بين الصين والسعودية. وقعت شركة التطوير العقاري السعودية روشن صفقة بقيمة 2.1 مليار دولار مع شركة الصين هاربور الهندسية، وستتولى تطوير مجتمعي سدرة ووارفة في الرياض. كما وقّعت شركة “مدينة المعرفة الاقتصادية” السعودية عقد مشروع بقيمة 3.6 مليار ريال (960 مليون دولار) مع شركة تشاينا جيزوبا جروب كوربريشين(CGGC) ،  يشمل المشروع البارز “مشروع العلياء”. وفي أكتوبر من العام الماضي، نجحت شركة باور تشينا في تسليم مشروع الإسكان الميسر في جازان بيش-92 في السعودية، مما يوفر لحوالي 1900 أسرة سعودية منازل جديدة دافئة ومريحة.

من ضمن أعمال “رؤية 2030″، طرحت السعودية استراتيجية المدن الذكية، والتي لا تتطلب فقط كميات كبيرة من السكن والمباني التجارية لتلبية الطلب المحلي، بل تتطلب أيضا نظام إدارة مدينة ذكية لتحسين كفاءة تشغيل المدينة وجودة حياة السكان. في هذا الصدد، قد أظهرت الشركات الصينية بالفعل قوتها في البناء الأخضر والذكي من خلال عدة مشاريع. على سبيل المثال، بناء مدينة البحر الأحمر الجديدة لم يعتمد فقط على تقنيات الصفر الانبعاثات، بل تضمن أيضا إدارة ذكية للطاقة، مما يظهر تكامل التقنيات الخضراء وحلول المدن الذكية.

وتعمل الصين أيضا على تراكم الخبرات باستمرار في بناء المدن الذكية، وتعد منطقة شيونغآن الجديدة حالة نموذجية. باعتبارها “مدينة المستقبل” في الصين، قامت منطقة شيونغآن الجديدة بدمج التقنية الذكية في جميع جوانب المدينة منذ بداية تصميمها، ولأول مرة في تاريخ البناء الحضري في الصين، تم بناء مدينة رقمية متكاملة كما يمكن الأفراد العيش فيها والاستفادة من الخدمات التي تقدمها.

المدينة، مثل الإنسان، لديها دماغ يدير عملياتها. في المستقبل، سيكون التطور في منطقة شيونغآن قائما على أن كل المدينة مبنية على أساس منصة موحدة مفتوحة تُعرف باسم منصة إنترنت الأشياء. تمكن هذه المنصة من جمع وإدارة بيانات متعددة داخل المدينة. “القراءة المجمعة للعدادات” هي أول تطبيق عملي في المنطقة الجديدة يستند إلى منصة إنترنت الأشياء. هذا يقلل من تكاليف قراءة العدادات لشركات الغاز والحرارة والمياه، ويوفر للسكان منصة متكاملة ومريحة للدفع والاستعلام. في نفس الوقت، يتم استكشاف نظام تحليل البيانات، على سبيل المثال، ابتداء من الساعة السابعة صباحا، إذا لم يستخدم كبار السن الذين يعيشون بمفردهم الماء لأكثر من أربع ساعات، سيولد النظام تلقائيا حدث تحذير لتنبيه العاملين. والأمر نفسه ينطبق على تسرب المياه أو الغاز، حيث يراقب النظام الاستخدام المستمر للماء أو الغاز لفترات طويلة ويبلّغ عن الأحداث غير العادية.

ومن وسائل النقل الذكية إلى أنظمة الطاقة الذكية، حتى الإدارة الحضرية القائمة على البيانات، كل هذه العناصر قدمت تجارب يمكن للسعودية الاستفادة منها في بناء المدن الذكية. مستقبلاً، ستعزز نتائج زيارة وزير الإسكان السعودي هذه التعاون بين الصين والسعودية في مجال بناء المدن الذكية. الخبرة المتقدمة للصين في حلول البناء الحديثة وتقنيات إدارة المدن، ستوفر دعمًا تقنيًا قويًا للسعودية لتحقيق رؤيتها.