الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك في أن الهيدروجين الأخضر يواجه تحديات تقنية، لكن مستجدات البحث العلمي بغية تجاوز العقبات وخفض التكاليف تعتبر مطمئنة لينضم لمزيج مصادر الطاقة في أقرب فرصة ممكنة، وبالرغم من تنافس الدول الكبرى لقيادة صناعته والريادة فيه، إلا أن الملاحظ أن هناك العديد من المؤسسات التي تعرب عن معارضتها لهذا النوع من الهيدروجين أو التشكيك فيه كمصدر للطاقة في المستقبل.
تنظر بعض شركات منظومة النفط والغاز إلى الهيدروجين باعتباره تهديدًا محتملاً لربحيتها كنتيجة إحلاله محل النفط والغاز الطبيعي في مختلف القطاعات، وخاصة في النقل، ومن ثمّ خسارة حصتها في السوق، والهزلية هنا أن هذا الموقف تتبناه بعض شركات صناعة السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات، فهي ترى مركبات خلايا وقود الهيدروجين كمنافس مباشر وشرس، لتمارس هذه الشركات الضغط ضد السياسات والاستثمارات التي تدعم وتشجع استخدام الهيدروجين.
منظومة شبكات الطاقة والبنية التحتية فيها أيضا من يبدي قلقه من أن اقتصاد الهيدروجين يمكن أن يجهد شبكات الكهرباء والغاز القائمة، مما يتطلب تحديثات مكلفة في أفضل الظروف إن لم يكن هناك حاجة لا مناط منها إلى بنية تحتية جديدة للإنتاج والتخزين والتوزيع لدعم استخدام الهيدروجين على النطاق المطلوب، وهذا سيؤدي إلى زيادات في الأسعار بالنسبة للمستهلكين إذا تم تمرير التكاليف.
أما من منظومة الحكومات، بدأ القلق يدب في كيانات – ممن تعاني من البنية الاقتصادية الضعيفة – خوفا من الضغوطات عليها للتحول للهيدروجين لأن هذا التحول يعني نفقات حكومية غير ضرورية وضغوطات مالية عليها لتمويل البنية التحتية لدعم تطوير الهيدروجين واستخدامه، لذلك هي تحاول أن تتعامل مع الموضوع من زاوية ما هو المستوى المناسب لاعتباره ضمن مصادر الطاقة التي تحتاجها، مع اعتبار الملفات المرافقة مثل لوائح السلامة، وتصميم السوق، وتدريب القوى العاملة في بلدانها من الأسباب الوجيهة لدعم وجهة نظرها ضد التوسع في استخدام الهيدروجين وخاصة الأخضر.
لا يتوقف التشكيك هنا، فالمجموعات البيئية التي تؤمن في الهيدروجين الأخضر لاعتقادهم بأن الاعتماد على الوقود الأحفوري أو حتى الهيدروجين المنتج من الوقود الأحفوري لا يتوافق مع أهداف الصفر الكربوني، لديهم مخاوف بشأن تسربات الهيدروجين الأخضر المحتملة التي يمكن أن تساهم مع غازات دفيئة من مصادر أخرى في ظاهرة الاحتباس الحراري.
أما من منظور الجغرافيا السياسية وأمن الطاقة، ترى بعض الدول الهيدروجين كوسيلة لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري المستورد وفرصة لتنويع أو استبدال إمداداتها من الطاقة، وهذا ساهم في رفع وتيرة عملها لتأمين استقلاليتها من خلال العمل على انتاج الهيدروجين وتأسيس سلاسل التوريد الخاصة به، وبالضرورة فإن هذا التوجه سوف يؤثر على اعتبارات التجارة والدبلوماسية والأمن القومي للعديد من الدول، خاصة للدول الكبرى التي غالبا لن تقبل إلا أن تكون لها اليد العليا في الهيدروجين، وربما محاولة السيطرة المطلقة عليه كما هو الحال في الطاقة النووية.
الجدلية القائمة وإن كان للمزايا والعيوب والدور النسبي للهيدروجين مقارنةً بمصادر الطاقة الأخرى مكانة معتبرة ومنطقية فيها، إلا أن هناك تحديات تتعدى التقنية مثل الاقتصادية والبيئية والجيوسياسية ولها اعتبارها في المشهد أيضا، مما يرجح أن العالم سيعيش انقسامات حول انتاج واستخدام الهيدروجين، وهذا يستدعي تفهم وجهات النظر المختلفة والعمل على إيجاد توازن في الحوار، وهو أمر بالغ الأهمية مع تقدم تحول الطاقة بدخول الهيدروجين الأخضر في مزيج المصادر في أي لحظة سواءً في المدى الزمني القريب أو المتوسط.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال