الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يفتقر البعض منا للعديد من المصطلحات المتعلقة بمجال الاستدامة والتي باتت تستخدم بشكل يومي سواء في شاشات التلفاز أو وسائل التواصل الاجتماعي أو على الصحف اليومية. في مؤتمر المناخ العالمي COP28 الذي أقيم في دبي، في نوفمبر ٢٠٢٣م، اختتم الأمين التنفيذي للأمم المتحدة سايمون ستيل خطابه بكلمة ذكر فيها “على الرغم من أننا لم نطوي صفحة الوقود الأحفوري بعد، الا أن هذه المخرجات هي بداية النهاية”. ان هذه الكلمة تدل على استمرار التزام الجميع بالاتفاق الشهير في مؤتمر باريس للمناخ COP21 في عام ٢٠١٥م والذي اتفقت فيه ١٩٥ دولة على نقاط أولها وأهمها هو الحد من انبعاث الغازات الدفيئة للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية أقل من ٢°م مع مواصلة الجهود للحد منها أقل من ١.٥°م. إن مثل هذا التغير وفي وقت وجيز يعبر عن مدى أهمية الموضوع لدى الجميع. ولكن هل جميع العبارات في هذا الموضوع واضحة؟ معظم هذه المصطلحات بدأ تداولها باللغة الإنجليزية وعندما تُرجمت بعضها فقدت معناها الحقيقي. في هذا المقال سنحاول الوصول الى تعريف مناسب لكل مصطلح يبين معناه المبسط لكي نحاول سد الفجوة بين الخبر والفهم الصحيح سعيا لنواكب ما يدور في أخبار العالم الان. سنذكر في هذا المقال مصطلحات الاستدامة ضمنية داخل هذا السرد. فعند ذكر أي مصطلح يخص الاستدامة سيكون بالخط العريض كما سنذكر تعريفه مباشرة (بين أقواس).
أولا نبدأ بمصطلح الاستدامة. إن الترجمة الحرفية لكلمة Sustainable تعني (مستمر). فقد عرفت الأمم المتحدة التنمية المستدامة Sustainable Development بأنها (تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة). وهنا لو أخذنا مثال بسيط على الزيادة والاستمرار في استخدام النفط مع زيادة الطلب المستمر على الطاقة فإن الناتج المباشر هو الاستمرار في ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مما يؤدي الى تغيرات مناخية فنجد أن ذلك يؤثر سلبا على قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. لم تكن مصطلحات الاستدامة متداولة في السابق وخصوصا في بداية الثورة الصناعية مقارنة بالوقت الراهن الذي بدأ فيه استخدام مصطلحات الاستدامة تكاد تكون ترتبط في كل شيء سواء الحكومات أو المنتجات أو المجتمع. فعند البحث عن كلمة استدامة باستخدام قوقل الباحث تم إيجاد ٤,٧٠٠,٠٠٠ نتيجة نشر علمي اليوم بينما يقابل ذلك ١٦,٦٠٠ نتيجة خلال الفترة من ١٩٠٠م حتى ١٩٧٠م. بينما كلمة بترولي وجدت لنفس التواريخ ٤,٧٦٠,٠٠٠ و ٣٥٨,٠٠٠ نتيجة على التوالي. وهذا يعني أننا نستخدم كلمة استدامة كما نستخدم كلمة بترولي في الآونة الأخيرة وهذا شيء منطقي لأن كلمة استدامة في الغالب تأتي معاكسة لكلمة بترولي. أما في الماضي كانت كلمة بترولي تستخدم ٢٢ ضعف كلمة استدامة. مما يجعلنا نستدل على الاقبال الكبير على الاستدامة في جميع أنحاء العالم، وفي شتى المجالات.
تدور الاستدامة بشكل عام على استبدال وعدم الاعتماد على الوقود الاحفوري Fossil Fuel (وهو المواد المحتوية على الهيدروكربونات والتي تكونت داخل طبقات الأرض من بقايا النباتات والحيوانات منذ الاف السنين منها الفحم الحجري والغاز الطبيعي البترول) وإيجاد مصادر أخرى سواء للطاقة، وهي العامل الأهم، أو من ناحية المنتجات الأخرى التي أصلها من البترول. كان مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في معدلاته الطبيعية منذ مئات السنين وحتى بداية الثورة الصناعية وابتكار الآلة وإيجاد البترول لتغذية تلك الآلة التي حولت هذا السائل الكربوني الى ثاني أكسيد الكربون وطاقة. تم اكتشاف أن معدلات ثاني أكسيد الكربون تزداد يوما بعد يوم مما أدى الى ظاهرة الاحتباس الحراري Global Warming (وهو ارتفاع معدل درجة حرارة الغلاف الجوي) وتغيرات مناخية أخرى قد تكون السبب في العديد من الظواهر الجوية التي وجدت مؤخرا. الجدير بالذكر هنا أن الغازات المسببة للإحتباس الحراري وتسمى الغازات الدفيئة Greenhouse Gases GHG وهي (الغازات التي تمتص أشعة الشمس المنعكسة من الأرض مسببة ارتفاع درجات الحرارة). من أمثلة تلك الغازات: بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان. فإن زيادة معدل هذه الغازات يتسبب في زيادة ارتفاع درجات الحرارة. مسببا ما يسمى بظاهرة الصوبة الزجاجية أو البيت الزجاجي Greenhouse Effect بسبب تلك الغازات التي لها خاصية امتصاص الحرارة المنعكسة من الارض. ولصعوبة المسألة وكثرة هذه الغازات وتنوع خصائصها مما يتسبب في تشتيت أصحاب الكلمة من السياسيين فقد خرجت الأمم المتحدة بتصور واضح وهو أن يتم البدء بالعمل على ثاني أكسيد الكربون لأنه أكثر تلك الغازات وفرة ويبقى في الغلاف الجوي لبضع عقود من الزمن مسببا التأثير الأكبر.
وضعت الأمم المتحدة أهداف للتنمية المستدامة والتي من بينها استخدام طاقة نظيفة Clean Energy (وتعني أن تكون الطاقة من مصادر متجددة مثل أشعة الشمس أو طاقة الرياح وغيرها) والعمل على إيجاد حلول للحد من تغير المناخ Climate Change (التغير المناخي الذي كان سببه زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو) والمحافظة على الحياة تحت الماء بعدم رمي النفايات في البحار وخصوصا البلاستيكية منها بالإضافة الى ان تغير درجات حرارة المحيطات قد تسبب في تغير بعض النظم في المحيطات وبالتالي في أنظمة كوكب الأرض مؤديا إلى تغير التنوع الحيوي Biodiversity (وهو جميع أنواع الحياة في منطقة واحدة) وتغيير التنوع الحيوي يعني تغيير التوازن الطبيعي بين المخلوقات من حيوان ونبات وغيرها فكل منهم يعتمد على الاخر. النبات يمد الحيوان بالغذاء والمأوى. أما الحيوان فيمد النبات بالأسمدة اللازمة لنموه وبعمليات نقل حبوب اللقاح ونشر البذور في المناطق الأخرى لاستمرار الغطاء النباتي وهكذا. وفي كل منهما مصدر مهم للإنسان لتوفير الغذاء والدواء. ان عمليات إزالة الغطاء النباتي الجائرة لإنشاء المدن والمصانع في المواقع التي يكثر فيها الغطاء النباتي المهدد بالانقراض يعد من مشاكل العصر الحالي. مثال ذلك غابات الامازون وما يحصل فيها من إزالة متسببا في تغير التوازن الطبيعي للأرض. وهناك عبارة أخرى وهي التصحر Desertification (ويعرف على أنه تدهور الأراضي القاحلة والجافة نتيجة لعوامل مناخية وبشرية مختلفة) ومن أهم مسبباتها الاحتطاب الجائر ونزع الغطاء النباتي. يتسبب التصحر في زيادة نسبة العواصف الرملية وانجراف التربة مخلا بالتوازن البيئي للمنطقة.
ما سبق كان هو أصل المشكلة التي كان سببها الرئيسي الثورة الصناعية وتم ذكر المصطلحات المتعلقة بالمشاكل. بالمقابل هناك مصطلحات أخرى استخدمت لتطبيق الاستدامة. أي لحل المشكلة التي تسبب بها استخدام البترول كمصدر للطاقة وهي تتعلق بتقليل أو قطع انبعاث الكربون ومن ضمن هذه المصطلحات نذكر من أهمها: استخلاص الكربون وإعادة استخدامه وتخزينه وله عدة مصطلحات ولكن من أشهرها ما يسمى بـ Carbon Capture and Utilization CCU (وتعني حجز الكربون واستخدامه في الصناعة بشكل عام) كما يسمى أيضا Carbon Capture and Storage CCS وهذا المصطلح (يعني حجز الكربون وتخزينه في طبقات الأرض) بحيث لا يخرج للغلاف الجوي كما في المشروع التجريبي المعزز للنفط في العثمانية والتابع لأرامكو السعودية. ويقصد بالكربون في هذا المجال (هو ثاني أكسيد الكربون المنبعث إلى الغلاف الجوي كناتج ثانوي سواء لإنتاج الطاقة واستخدامها أو في الصناعة بشكل عام). وتعمل أرامكو السعودية وشلمبرجير وليند في مشروع جديد في مدينة الجبيل الصناعية لاستخلاص الكربون وتخزينه واستخدامه. كل ذلك يأتي للتخلص من الاقتصاد الخطي Linear Economy (وهو استخدام المصادر ثم صناعة المنتج واستخدامه ثم التخلص منه) وتعزيز مبدأ الاقتصاد الدائري Circular Economy وهو حسب تعريف مؤسسة الين ماك ارثر (الاقتصاد المتجدد من خلال التصميم والذي يهدف الى الحفاظ على المنتجات والمواد والمكونات بأعلى فائدة وقيمة في جميع الأوقات) وبصيغة أخرى فإنه الاقتصاد الذي يرسم خارطة الطريق للمنتج من المصدر وطريقة الإنتاج والاستفادة منه وإعادة تدويره حتى نهاية المطاف بوضع طريقة التخلص منه بشكل آمن سواء على المستهلك أو البيئة مع الحفاظ على المصادر.
ان من أهم أسباب نشأة الاقتصاد الخطي هو وجود البترول خلال الثورة الصناعية. فلحل مثل هذه المشكلة ينبغي التفكير في البديل. سبق وتم استخدام بدائل للبترول والأبحاث على أشدها في هذا المجال لتطوير التقنية وتطويعها للمستهلك. ومن ضمن هذه البدائل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأنهار وامواج البحار والكتلة الحيوية Biomass وهي حسب تعريف البروفيسور مايك لانكاستر في كتابه الشهير الكيمياء الخضراء هي (كل المواد الحية تعتبر كتلة حيوية ولكن المعروف هو كل المواد الحية غير الحيوانية مثل الأشجار والمحاصيل الزراعية التي يمكن استخدامها في انتاج الطاقة أو في انتاج المواد الأساسية للصناعات الكيميائية تعرف بأنها كتلة حيوية). ويندرج تحت مصطلح الكتلة الحيوية كل من الأشجار ومنتجاتها من ثمار وأوراق وخشب ومخلفاتها مثل نشارة الخشب ونفايات المزارع. الطحالب أيضا تعتبر من الكتلة الحيوية فوجد أنها شرهة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون لعمليات البناء الضوئي وإنتاج الكلوروفورم كما انها مصدر لإنتاج المحليات الطبيعية وإنتاج الوقود الحيوي أيضا. ولتفعيل الاقتصاد الدائري يجب تثمين النفايات Waste Valorisation (وهو باختصار إعادة النظر في النواتج الثانوية في المصانع والنفايات بترقيتها ها والاستفادة منها في انتاج المواد الكيميائية ومواد الطاقة الحيوية). ومن أمثلة ذلك ما تم تطبيقه من قبل باحثين في جامعة يورك البريطانية مع شركة (OPEC) من الاستفادة من قشور البرتقال التي تعتبر نفايات مصانع الحمضيات في البرازيل حيث تشكل مخلفات عصير البرتقال حوالي ٥٠٪ من الثمرة. تم استخدام هذه المخلفات في انتاج الوقود والمذيبات والبلاستيك والمواد الحفَّازة ومواد النانو وغيرها. وأيضا الاستفادة من نفايات القهوة حيث أنها تعتبر المشروب الأكثر تداولا في العالم وذلك باستخدامه كمادة أولية في انتاج العديد من المنتجات مثل الوقود الحيوي Biofuel (وهو وقود مستخلص من الكتلة الحيوية) والزيت الحيوي لترطيب الجسم ومضادات الأكسدة وكذلك في صناعة صفائح كربون دقيقة تعتبر مواد خافضة للتوتر السطحي وغيرها من الاستخدامات. كل ذلك يعتبر من تثمين النفايات والاستفادة منها وهي جزء من الكتلة الحيوية التي تم ذكرها انفا.
ولتطبيق ذلك فان هذه النفايات من الكتلة الحيوية يتم وضعها في ما يسمى بالمصفاة الخضراء Biorefinery وهي (مصنع أو منشأة لتحويل الكتلة الحيوية الى وقود أو مواد كيميائية) لتنتج ما يسمى بالوقود الحيوي أو مواد كيميائية صديقة للبيئة. ومن ذلك فإن بعض المنتجات تحمل اسم أو وصف أخضر Green (وتعني الى حد ما الاستدامة) وتستخدم هذه الكلمة كوصف لشيء مثل الكيمياء الخضراء أو التقنية الخضراء تعبيرا عن أنها تستخدم المواد من الطبيعة مثل الأشجار لإنتاج شيء ما. وليس ببعيد عمَّا سبق استخدام مصطلح حيوي bio- ويعني أنه مستخلص من المواد الحيوية كما ذكر انفا في مصطلح الكتلة الحيوية. فعلى سبيل المثال الوقود الحيوي مستخلص من الكتلة الحيوية باستخدام المصفاة الخضراء. كل ذلك يتعلق بالبترول والبحث عن البدائل ولكن هل هذا وحده مجدي؟
لنتمكن من التغيير جذريا لا بد أن يكون هناك نقلة نوعية تبدأ من الذرة نفسها ودراستها اقتصاديا ومن ثم استخدام التصميم الصحيح الذي يضمن تلك التغيرات. نبدأ باقتصاد الذرة Atom Economy (وهي عملية حساب كيميائية لمعرفة نسبة كتلة المنتج مقارنة بكتلة المواد الأساسية والاخذ في الحسبان المنتجات الثانوية وتحسب بالنسبة المئوية). وعند تطبيق حسابات اقتصاد الذرة فإنه من الممكن تطبيق الجودة بالتصميم Quality by Design حيث تم مؤخرا اكتشاف ان المصانع وخصوصا انتاج الادوية ليست مصممة على أساس التقليل من النفايات بل كان التركيز على المنتج الأساسي فحسب ولم يكن يُنظَر للمنتجات الثانوية. على سبيل المثال كان انتاج الايبوبروفين يستخدم فيه ما يسمى بالكواشف مما يؤدي الى كمية كبيرة من النفايات الصيدلانية. يتم انتاج البروفين حاليا عن طريق استخدام المحفزات حيث تزيد من معدل التفاعل ولا تتفاعل بذاتها. ومن ذلك فإن الجودة بالتصميم تضم في طياتها مصطلح من المهد الى اللحد from cradle to grave ليشرح معنى تقييم دورة الحياة Life-cycle Assessment لمنتج ما (وهو قياس الأثر البيئي للمنتج أو العمل خلال دورة حياته). يشمل ذلك التقييم انتاج المادة الخام وعمليات الصناعة والتوزيع والاستخدام وإجراءات التخلص منها مثل النقل الى مرمى النفايات الخاص بذلك المنتج وهو مصطلح ذو أهمية عالية لضمان تقليل النفايات الضارة.
عندما تشتري منتج فكثير منا في الآونة الأخيرة يبحث عن منتج صديق للبيئة Eco-friendly (وهو المنتج المصمم أن يكون غير ضار أو ضرره قليل على البيئة). ومصطلح صديق للبيئة Environment Friendly هو الوجه الثاني لنفس العملة. فكلمة ecology تعني علم النظام البيئي. إن ذلك التغيير في مفهوم الحياة يجب أن يوضع في عين الاعتبار عند بداية أي عملية انتاج ويجب أيضا توخي الحذر مما يُعرف بالعمل المعتاد Business as Usual وهذا المصطلح لم أجد له ترجمة حاليا ولكن يتم ذكره عندما يكون هناك فكرة انتاج ولا يريد أصحابها أن يقتنعوا بالتغيير خوفا من الفشل أو كسلا عن الشروع في التغيير. غالبا يكون التغيير في هذا المنتج يخدم التوافق مع التطور كنجاح شركة أبل في التوافق مع التطور والانتقال الى الجوالات الذكية. بالمقابل كان نوكيا متصدر في عالم الجوالات قبل ذلك ولكن بأسلوب العمل المعتاد Business as Usual لم يستطع مواكبة التطور وخرج من المنافسة. فنحن اليوم نعيش صراع الاستدامة فيجب على الشركات أن تتوافق مع متطلبات العصر وتخرج من بوتقة العمل المعتاد كي تستمر في السوق ويستفيد المستهلك أيضا.
لتلبية تلك الاحتياجات الصديقة للبيئة وذات التصميم الذي لا يزيد من انبعاثات الكربون يجب تفعيل ما يسمى بالهندسة الخضراء Green Engineering (وهي تصميم وتسويق واستخدام العمليات والمنتجات بحيث تكون مجدية اقتصاديا مع تقليل التلوث والمخاطر على صحة الإنسان والبيئة). فان من هذا المنطلق يتم تطبيق طرق جديدة لتلبية وتفعيل الهندسة الخضراء ومثال ذلك استخدام الطلاء المائي Water-based Paints (ويتم اذابته في الماء بدلا مما كان عليه في السابق بإذابته في المذيبات العضوية الطيارة والتي تضر بصحة الانسان. تأتي في مقدمة الكلمات الرنانة في مجال الاستدامة قابل للتحلل Biodegradable وعادة تستخدم للبلاستيك وتعني (تفكك المركبات المكونة للبلاستيك الى مواد أولية مثل ثاني أكسيد الكربون والماء بفعل الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا والفطريات) أي طبيعيا. ولكن هناك علامة تعجب. ثاني أكسيد الكربون ناتج من عملية التحلل! ذلك يعني مزيد من انبعاثات الكربون. وبالمقابل هناك بلاستيك يتم صناعته من سيليلوز وهو مادة طبيعية ويعتبر أكثر تحللا ولكن عند عمليات التصنيع يتم وضع العديد من الإضافات من مجموعات وظيفية كيميائية الى المنتج أثناء التصنيع لتعطي خواص أفضل للمنتج النهائي. في الحالة الأخيرة هذه الإضافات تقلل من درجة تحلل البلاستيك. هنا يجب تقييم الموقف بالكامل وذلك بتطبيق ما يسمى بتقييم دورة الحياة والذي سبق ذكره. يكون تطبيق هذا التقييم لكل منتج على حدة لمعرفة الأثر البيئي. لك أن تتخيل مدى استغلال الشركات لكلمة صديق للبيئة أو من أصل طبيعي وغيرها من العبارات الجاذبة وهو في نهاية المطاف وبعد تطبيق تقييم دورة الحياة ربما يكون أكثر ضررا على البيئة.
منذ بضع سنوات تم استحداث مصطلحات جديدة لتتمكن الحكومات من معرفة الأثر الكربوني وحسابه لكل دولة أو شركة. إن ما يتم طلبه من المصانع أو الشركات الكبيرة الان هو ما يسمى بالأثر الكربوني أو البصمة الكربونية Carbon Footprinting والمقصود بها (هو إجمالي مجموع انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق فرد، حدث، مؤسسة، منتج محدد). وقد أصبح من الشائع بشكل متزايد أن تقوم المؤسسات بالإبلاغ عن إجمالي بصمتها الكربونية. وبذلك تستطيع الحكومات والمنظمات الدولية من تحديد انبعاثات الكربون والحد منها. ونتيجة لذلك يكون الجواب من الشركات مثلا بالأثر الكربوني هو صفر انبعاثات كربونية Zero Carbon Emissions على سبيل المثال وذلك (يعني أنه لا يوجد أي انبعاثات لثاني أكسيد الكربون أو أن كل ما يتم انتاجه من الكربون يتم تخزينه). أما لو كان جواب الشركة أن هناك انبعاثات كربونية عالية فربما يتم إبلاغ الشركة بقطع الانبعاثات الكربونية Cutting Carbon Emissions بنسبة معينة (أي تقليل الانبعاث الناتج من الكربون الى حد معين يتم تحديده من المشرع). يأتي على رأس هذه العبارات مصطلح صافي الانبعاث الصفري Net-Zero كما هو مكتوب في موقع الأمم المتحدة (وتعني خفض انبعاثات الغازات الدفيئة حتى أو أقرب ما يمكن من الصفر).
مجالات الاستدامة كثيرة جدا فقد تدخل في كل المجالات فهي سلوك وأسلوب تفكير ومبدأ أكثر من أن تكون تخصص بحد ذاته. هناك زوايا أخرى يمكن النظر منها لنتمكن من تطبيق الاستدامة وتصبح المسألة تكاملية. ومن ذلك استخدام طرق أو تقنيات في الصناعة لتصبح أكثر استدامة. فتصميم المباني بشكل مستدام يخدم في ادخال الضوء والتحكم بدرجة الحرارة بحيث يكون استهلاكه للطاقة أقل أو يستخدم الطاقة المتجددة. والاقتصاد الذي يستطيع ان يدوم بشكل ناضج ومسؤول يعتبر مستدام مثل الاقتصاد الدائري الذي يتجدد. أيضا من مجالات الاستدامة وسائل النقل. فالسيارات الكهربائية تعتبر نقلة نوعية في مجال الاستدامة وخصوصا عند وجود البطاريات المناسبة. ان الانتقال من وضعنا الحالي الى الوصول الى صفر انبعاثات كربونية لا شك أنه يعتبر تحدي وذلك لأنه يجب تغيير البنية التحتية للعالم أجمع. فتغيير كل محطات البترول الى شواحن كهربائية كان في الماضي القريب يعتبر ضرب من الخيال. ولكننا الان نعيش بداية هذا التغير ونجد في بعض الدول العديد من نقاط الشحن الكهربائية لسيارات البطاريات. ان مثل هذا التغير لازم الحدوث ولكن الوقت كفيل بإثبات ذلك. هل سنشهد ذلك التغير؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال