الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم يعد مفهوم الجودة المؤسسية مجرد رفاهية، بل أصبح اليوم ضرورة حتمية للبقاء والنمو، إذ لا يقتصر مفهوم الجودة على نطاق المنتجات والخدمات فحسب، بل يشمل أيضًا العمليات والإجراءات وبيئة العمل الشاملة، حيث تمثل الجودة مفهومًا ونهجا شاملا يسعى إلى تعزيز كل جانب من جوانب المنظمة، بدءا من القيادة مرورًا بالموظفين، ووصولًا إلى الممارسات التشغيلية.
إن القيادة الاحترافية والمسؤولة تعد المحرك الأساسي لتميز وتقدم ونجاح أي استراتيجية تسعى إلى تعزيز الجودة المؤسسية، فالقادة الذين يمتلكون رؤية واضحة لأهداف الجودة والتميز المؤسسي ويلتزمون بتطبيقها بدقة، هم القادرون على إلهام وتحفيز فرق العمل على تبني ثقافة الجودة والتميز في منظمتهم، ويتطلب ذلك الأمر الهام من القادة التواصل الفعال وبشكل مستمر على كافة المستويات الوظيفية مع الموظفين، وإزالة الحواجز بينهم وبين موظفيهم، وتوضيح أهمية الجودة وفوائدها للمنظمة وللموظفين على حد سواء، وجعلها سلوكا مشاهدا في ممارساتهم اليومية في المنظمة.
فعلى سبيل المثال؛ تعد شركة تويوتا اليابانية مثالًا يحتذى به في تطبيق مفهوم واستراتيجية الجودة الشاملة وواقعًا ملموسًا، فعندما نستعرض تجربة نجاح شركة تويوتا فنجد أن الفضل يعود إلى نظام الإنتاج لديهم (TPS)، والذي يرتكز على فلسفة “الكايزن” أو ما يسمى بـ “التحسين المستمر”.
ويهدف نظام “تويوتا للإنتاج” إلى القضاء على الهدر وتحسين الكفاءة والجودة في جميع مراحل الإنتاج، ومن أبرز مكونات هذا النظام مبدأ “الإنتاج في الوقت المناسب”، الذي يهدف إلى إنتاج الكميات المطلوبة فقط في الوقت المناسب، كما يركز نظام الشركة الإداري والتشغيلي على (14) مبدأ تساهم في ترسيخ مكانتها العالمية الرائدة في صناعة السيارات الاعتمادية، حيث تعمل الشركة من خلال تلك المبادئ على خلق بيئة مثالية جدًا على تطبيق أدوات وتقنيات “”Lean وذلك من خلال:
بناء بيئة عمل تسعى للتحسين والتعلم المستمر.
التخلص من التكاليف الباهظة الناتجة عن إهدار الوقت والموارد.
الارتقاء بجودة أنظمة العمل.
إعداد قادة من داخل الشركة بديلا عن الاستعانة بقيادات خارجية.
تدريب الموظفين على حل المشكلات.
زيادة سرعة إنجاز العمليات داخل شركة تويوتا.
الجدير ذكره؛ أن استراتيجية شركة تويوتا ساهمت بشكل كبير في تحقيق نجاحات ملحوظة، فقد ساهمت في زيادة رضا العملاء بنسبة 15%، كما عززت من عائدات الشركة بنسبة 20% خلال الخمس سنوات الماضية، بالإضافة إلى ذلك، نجحت الشركة من خلال هذه الاستراتيجية في خفض معدل الأخطاء الإنتاجية بنسبة 25%، مما أدى إلى تحسين جودة المنتجات وخفض التكاليف التشغيلية لديها.
ولضمان تحقيق الجودة المؤسسية يجب أن تعمل المنظمات على اتباع استراتيجية فعالة وشاملة، بالإضافة إلى الاستثمار في كواردها البشرية من خلال دعم تطويرهم وبناء كفاءات شابه متجددة تسهم في تقليص الوقت وتحقيق أعلى معدلات الإنجاز المطلوبة، كما يجب أن تبادر المنظمات على الاستفادة من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، بما في ذلك التقنيات المتطورة في مجالات تحليل البيانات وتحسين العمليات التشغيلية، بما يضمن أعلى معدلات الربحية وتقليل الهدر وتحقيق التميز التشغيلي المنشود.
وعلى الرغم من هذه الأهمية، إلا أن تحقيق الجودة المؤسسية في المنظمات غالباً ما يوجه العديد من الصعوبات والتحديات، فعلى سبيل المثال تتسبب مقاومة التغيير في المنظمات الناتجة عن عدم رغبة الموظفين في التطور والقدرة على مواكبته، بالإضافة إلى تمسكهم بأساليب العمل التقليدية وعدم رغبتهم في الابتكار والتجديد في عرقلة التقدم، كما يشكل نقص الموارد بمختلف أنواعها عائقاً أمام تنفيذ مبادرات الجودة المؤسسية الطموحة.
وللتغلب على هذه التحديات لا بد من اعتماد استراتيجية شاملة تركز على زيادة وعي الموظفين بأهمية الجودة المؤسسية وأثرها الإيجابي على الأداء التنظيمي، وذلك عبر تقديم حزمة من البرامج التطويرية عالية الجودة بالإضافة إلى أهمية تحسين وتطوير آليات تقويم الأداء، بما يحقق أعلى معدلات الإنصاف والعدل بين الكوادر البشرية، وبما يكفل مكافأة جهودهم وتحفيزهم المستمر، وتمكينهم من إدارة عمليات التغيير لتحقيق التميز المؤسسي الشامل.
وتأسيسًا على ما سبق، فإن تحقيق الجودة والتميز المؤسسي ليس هدفا، بل رحلة مستمرة تتطلب التزامًا طويل الأمد، ويتحقق ذلك من خلال العمل على تبني ثقافة الجودة في جميع جوانب المنظمة، بالإضافة إلى العمل المستمر في مراقبة وتقييم الأداء بانتظام وتصحيح أي انحرافات تطرأ على الاستراتيجية المعتمدة.
كما يجب أن تعمل المنظمات على تعزيز ثقافة الابتكار، وتحسين جودة خدماتها باستمرار، ما يتطلب ذلك بناء ثقافة تنظيمية تساهم في دعم الجودة على كافة المستويات الإدارية.
كما نوصي المنظمات بضرورة العمل الجاد في تطوير رأس المال البشري من خلال عدة مسارات أول تلك الجهود هي العمل على توفير برامج تدريبية قيادية وفنية، تسهم في تأهيل كوادرها على قيادة رحلة الجودة والتميز المؤسسي في المستقبل.
وأخيرًا، من الأهمية بمكان أن تسارع المنظمات على تتبنى تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وأنظمة الذكاء الاصطناعي، بما يساهم في تعزيز تنافسيتها في الأسواق المحلية والعالمية، وصولاً لضمان استدامة نجاحها على المدى الطويل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال