3666 144 055
[email protected]
بمـرور الأعوام والمدارس الاقتصادية وسنين من النظريات الاستثـمارية والمالـية وعديد من حكايا تقلب الأسواق والسقوط والنهوض، كـل العوامل تمر على الجمـيع مرور كـرام لا تثيـر الخوف والتساؤل وبعضهـا يمر حتى دون أن يُحــدث ضجيج، ولكن ليس كل مرور هو كذلك، فالفــائدة هي الحكاية التي تروى بلغة واحـدة لدى الجميع دون استثناء، وبريق الأسواق والأحاديث، والمُتـــابَع الأشهر، والدليل القاطع لكل قرار استثماري منذ القديـم ولازال متجدد كل حين حتى اليوم، لتبقـى هي المحـرك الرئيسي في الرحيل عن القرار والركود فيــه والمُهـيمن عليــه دون منافـس على الإطــلاق.
الفائـدة هي المكافأة التي يدفعها المقترض للمقرض مقابل استخدام الأموال، وبمعنى أخـر، هي سعر المال أو تأجير المـال. يتحكـم بالفائدة كل من العـرض والطلب من جانب والبنوك المـركزية من جـانب أخر، ويكون لهـا أجل قصير من يوم واحد الى أقل من سنـة، وأجل طـويل في غالب الأحيان ثلاثـين عامـًا.
تسبب مسميـات الفائدة المتعددة بعض الارتبـاك لدى المستثمرين وأسواق المال، فهي تأخذ أشكال عديدة، في السندات تسمـى قيمة القسيمة وقيمـة الخصم، معدل الخصم في التدفقات النقدية وتقييـم الشركات، معدل الخصـم والعائد العكسي في تداولات البنوك التجارية مع البنوك المركـزية، والعائد الاسمي والحقيقي والخالي من المخاطر في تقييـم الأسهم والسعر العـادل، ولكن يبقـى المفهوم وحيد مهمـا تغيرت المسميات حسب الاستخدام.
الفائدة أمـا أن تكون ثابتة كما هو في القروض العقارية والسندات الحكومية الأبديـة في الغالب، وإما أن تكـون عائمـة كما هي في الأصول الأخـرى مثل المشتقات المالية وسندات الشركات والقروض قصـيرة المدى وغيـرها.
عندما تُذكـر الفائدة يعود مباشرة الى الأذهان جيروم بـاول في الحاضـر وبن برنانكـي والرِفـاق في الماضـي، وفوائد البنك الفيدرالي الأميركي والتي يكون تأثير التغـير فيها على العالــم أكبـر من تأثير التغــير الذي يأتي من فوائـد البنوك المركزية الأخرى – على سبيل المثـال – البنك المركزي البريطـاني أو الفرنسي أو حتى الروسـي الدولة العظـمى بعد الولايات المتحـدة. التأثيـر القوي لتغير الفوائد الأمريكية على اقتصاد العالم بسبب أن الاقتصاد الأمريكي هو الأكبر على الأطلاق، والارتباط الوثيق للدولار في التبادل التجاري بين دول العالـم، وتسعيـر النفط بالدولار أيضًا يعزز التأثير لتحركـات الفائدة الأمريكية على أسواق النفـط والغاز، وأخيــرًا وهو السبب الأبرز هو حجـم السندات الأمريكـية الهائل لدى دول العالـم والتي تستعـين بها كاحتياطي دولاري لهـا.
تعمل البنوك المركزية بالتحكم في الفوائد بينها وبين البنوك التجارية عن طريق الزيادة في الفوائد أو الانخفاض وبين البنوك التجارية بعضهـم لبعض عن طريق العرض والطلب أو من خلال شراء السندات أو بيعها للتحكم بالفوائد من خلال الأسواق، وأخيـرًا من خلال نسبـة الاحتياطي التي يفرضها المركـزي على البنوك التجـارية. كل محاولات التحكم هذه هي من أجـل السيطرة على عامـل وحيـد مدمـر وهو التضخـم، ويمكن التعبـير عنه بالزيادة المستمـرة في أسعـار السلع والخدمـات خلال فتـرة معينـة.
عندما يكون التضخم في مستويات مرتفعة – على سبيل المثال – في الولايات المتحدة والذي أستمـر غالبـا لربعيـن متواصلين في فترة الجائحـة، فأن البنك الفيدرالي لابد له من التدخل للعمل على كبح جماح الارتفاع المستمر في الأسـعار من خلال ثلاثة أمور أحدهم هو التحكم في أسعار الفائدة عن طريق رفعهـا على البنوك التجارية، وبالتالي البنوك بدورهـا تقوم وهي مُجـبرة على خفـض مستويات الإقراض، وبفعـل هذا الأمـر ينخفض مستـوى النقود لدى الأفراد والمؤسسات، وينخفض الطلب بعد ذلك على السلع والخدمات، وفي نهايـة المطاف تنخفض الأسعار، العمـلية هذه قد تستغرق الكثيـر من الوقت ولكن في الغالب تتضح الرؤيـة خلال نصف سنـة من قرار التدخل.
فترة ما بعـد الجائحة هي المثـال الأكثر وضوحًـا لكيفيـة تأثير الفائدة على التضخــم، حيث خفض الفيدرالي الأمريكي مستويات الفائدة الى مستويـات صفرية في 2020م في محـاولة منه لتحريك الاقتصاد الخامل وقتها والمدمـر تمامًـا – تخفيض الفوائد الى هذه المستويات يساعد المؤسسات والافراد على الاقتراض وبالتالي ضخ هذه الأمـوال المفترضة في الاقتصاد من جديد وينمـو الاقتصاد والتوظيف والحركـة التجارية – ولكن ” ليس هناك غداء بالمجـان ” في الاقتصاد، قفـز التضخم في نفـس الفتـرة لولايات المتحدة الى مستويات 9% في يولـيو 2022م. للسيطرة على هذا الجموح أستمر الفيدرالي في رفـع مستمر للفائدة من 1.2% في نفس الشهر يوليو 2022م حتى وصـل الى مستويـات 5-5.5% بعد عام كامـل، لينخفـض التضخم الى مستويـاته الطبيعيـة 3-3.5%. الفيدرالي أستمـر لفترة طويـلة في تثبيت الفائدة قرابـة النصف عام، قد يكون الان هو وقت التخـفيض المناسـب، ولا سيدخل الاقتصاد الأمريكي في ركود على أعتاب العـام القـادم 2025م.
الترحال المتكـرر بين فائدة وأخرى بالصعـود والهبـوط والمكوث لفترات طويـلة في ثبات دون تغييـر كل هذا يؤثر على الأسواق الماليـة الأمريكيـة هناك في الغرب البعـيد وهنا على ضفاف الشرق في الأسواق المحلـية.
تؤثر الفائدة ومستوياتها على كل الأوراق المالـية في الغالب أيجابًـا وسلبـًا، في سوق الأسهم ارتفاع مستويات الفائدة يعني بأن الشركات في السوق سوف تعاني من ارتفاع في تكاليف ديونها وانخفاض في إيراداتها، وبالتالي انخفاض في تدفقاتها النقدية المستقبلية، ينعكس هذا على مؤشر السوق بشكل عام بالانخفاض. في الجانب الأخر قد تستفيد بعض القطاعات في السوق من ارتفاع الفائدة مثل البنوك والخدمات المالية والتأمين.
أسواق السنـدات تتأثر أيضًـا بعلاقة سعرها مع الفائدة العكسي، حيث إن ارتفاع الفائدة يخفض أسعارهـا، والعكس صحيح، وبهذا الارتفاع تتجـه الأنظار الى السندات الحكوميـة لتقديمها عوائد أعلى بمخاطر منعدمـة مقارنة مع ما تقدمها الشركات التي لها مخاطر عالية، لذلك يطلب المستثمرون عوائد باهضه للقبول بهذه المخــاطر، وتتأثر بذلك الشركات بعجـز في مصادر السيـولة والتمويل.
الدول المربوطـة عملتهـا مع الدولار الأمريـكي لابد من أن تتبـع تحركات الفيدرالي الأمريكي في الرفع والخفض، حتى لو أن تلك الدول لها مستويات تضخم في المدى الطبيعي. هذه العمـلية هي لحماية سعر الصرف الثابت للعمـلة في أسواق العملات وحمايتهـا من التذبذب الذي يصنعه المضاربين في الأسواق عند وجود فرق في سعر الصرف. تُعتبـر الفائدة هي قاعدة التوازن لكل اقتصاد على وشك السقوط، ولكن هذا التوازن لا يعمل دائمـًا بشكل جيد، في بعض البـلدان قد يضطر البنك المركزي الى تخفـيض مستويات الفائدة الى مستويات صفرية، ولكن رغم ذلك لا يتحـرك الاقتصاد ويبقى ساكنـًا لا يبالي على الأطلاق، ويطلـق على هذه الظاهـرة ” فـخ السيـولة ” واليابـان كانت ساقـطة في هذا الفـخ يومــًا ما. لازالـت الفائدة وأسعـارها تتمتـع بالهيمنـة على الأسـواق من الجانـب النفسـي أكثـر من جانبها الاقتصادي، على أي حال الأسـواق سـتعمـل مع مرور الوقت على وضــع هيمنتهـا وتأثيـرها جانـبًا في الهوامـش.
اقتباس اقتصادي: “إن التخمين بشأن سعر الفائدة في المستقبل هو واحدة من أكثر المشاكل المحيرة في العالم.” – جون ماينارد كينز
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734