الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نرفض فكرة أننا نعيش في عالم الانسحاق بالبيانات، إذا استطعنا رفض المبادئ التالية:
المبدأ الأول – هجرة الحقائق
فكل يوم ينكمش العالم الحقيقي\الفيزيائي بمقابل توسع العالم الجديد السيبراني، ومهجر الحقيقة الأخير. ما اسمك؟ كم عمرك؟ ما نسبة الكوليسترول في دمك؟ ما تخصصك وما معدلك التراكمي؟ هذه الحقائق لم يعد مصادرها الوثائق التي تحملها، ولا قاعات الجامعة التي قضيت فيها عمرًا جميلا، كلها اليوم ليست بأكثر من بت وبايت مخزنة عبر مجموعة من الصناديق السود البعيدة، خوادم\سيرفرات، غير المعروف مكانها لك، ولا لمن يستعلم عنك، ولا كلاكما بالذي يهتم لذلك.
ولو اخترق مجرم سجلك، وغير رقمًا واحدًا منه، تصبح بطاقتك المدنية مزورة، سترسلك إلى وراء القضبان مهما أقسمت للشرطي أنك حامل الهوية الأصلي، ولو عدّل مخترق فصيلتك الدموية، فسيقضى عليك في أول عملية نقل دم! انظر كيف بدأت جريمة الاغتيال هذه في العالم السيبراني، وانظر كيف لن يؤمن مدير الموارد البشرية في شركتك بوفاتك إلا حين تصدر من هذا العالم السيبراني شهادة الوفاة!
حسنًأ، علينا أن نطيق رفض هذا المبدأ الأول.
المبدأ الثاني – التشظي
فنحن موجودون في كل مكان، في اللحظة التي تفتح جهازك، تنسخك التطبيقات التي تستخدمها عبر الشبكة إلى كل مكان، فأنت في الرياض وتتصفح موقعا في برلين وتحضر اجتماعًا في هونج كونج، وتسجل ملاحظاتك في سان فرانسيسكو. متواجد بعضك أو كلك في كل مكان، متاح للتواصل مع أي إنسان تريده أو يريدك، لا فرق بين أن تستمتع أو تتحدث؟ هناك دومًا من يرغب بالإنصات لك عبر البودكاست أو البرامج الفورية كـ تك توك أو سناب شات، وأنت مثله أيضا، وكذلك تمزق يوم العمل وتمزق معه آخرين من الموظفين ثم تحمل أشلاءهم جميعا معك إلى البيت، إلى المقهى، وفي الطائرة على ارتفاع 40 ألف قدم. هل أجريت مؤخرًا اجتماع عمل وأنت تمخر بسيارتك زحام طريق الملك فهد، نعم؟ أنت غير مؤهل لرفض هذا المبدأ أيضا.
المبدأ الثالث – فائض الشوبكة
فالأجهزة المحمولة وتطبيقاتها تقذفنا مباشرة إلى عالم متلاطم من المعلومات المتنامي باستمرار، الآن وفورًا، والعصية على الاستهلاك الآدمي آخر الطريق. أكثر من 257 مليار عملية تحميل من متاجر التطبيقات بنهاية عام 2023، تطبيقات تولد البيانات وتشاركها، وأجهزة IoT هي الأخرى تتحدث مع بعضها البعض منتجة أضعاف أضعاف أحجام البيانات التي يولدها الناس الدائبون في كل اتجاه، نحن نحرك كل شيء Just Mobilize Everything ، نقضي على الورق، نؤتمت باستمرار دون وعي أحيانًا ولا حاجة، ثم ننقب في مجاميع البيانات من أجل معلومات ومعارف تتحول إلى بيانات جديدة، مسلحين بمقدرات الحوسبة والذكاء السحابي الفائقين، لنضرب في الخلاط من جديد كل هذه البيانات المشوبكة التي نظنها صالحة للاستهلاك لنا كبشر، ونسميها النفط الجديد!
مشكلة هذا الفائض أنه يقضي على ضرورة الندرة لتحريك الاقتصاد، ماقيمة سبائك الذهب حين تجدها مغلفة على أرفف المتاجر؟ أو الألماس حين تبيعه سيارات الآيسكريم؟ والذكاء الاصطناعي المتغذي أبدًا بالبيانات يقذف بأفواج من الناس إلى قارعة الطريق، متعلمون، ومهرة، وأطباء ومهندسون. لامانع من أن ترفض هذا المبدأ أيضا إذا رفضت ضرورة الندرة وتنوع مهارات العمال لاقتصاد حيوي ونافع.
وأخيراً، إذا أطقت رفض أيا من هذه المبادئ الثلاثة، فحيهلاً بالقادم إلينا من التاريخ!!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال