الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كل يوم من أيام التداول في الأسواق المالية وبشكل خاص في أسواق الأسهـم هو يوم عدم اليقين المطلق وموعد الغرام المتـكرر مع الشـك، فلا يُمكن معرفة أين هو أتجـاه التأرجح القادم الجديد لهـا على الأطلاق. الشـك وعدم اليقين لا يقتـصر على المستقبل فقط، ولكـن الماضي أيضًـا مشكوك في أسباب تأرجحه، وفي كثـير من الأحـيان لا يوجد تفسيـر مقنع يفسر تحركات الصعود والهبوط المتكـررة، وبالعـودة الى الصعود تذهب الأذهان الى القمـة وتُنـسى أسباب النـزول الى الهاويـة، لتبقـى من أسرار الأسواق الدفيـنة كما هو غيرها في الماضـي. الأسواق المالـية ستبقى شديدة التعـقيد في حركتها ورفـيقـة للغموض على الدوام، لتبـقى بذلـك هي مكان تجمع العلوم النفسيـة والاقتصادية والماليـة والسياسية وعلوم ” الفــراغ ” لأوقات طويـلة ولغـزاً مُـحير لا جواب له.
يتحرك سوق الأسهم بنـاءًا على الكثير من العوامـل الأخرى التي تختلف عن مجرد ارتباط مباشر مع أرباح وإعلانات الشركات المدرجة في السوق، فأسواق الأسهم تعتمد بشكل كبـير على الاقتصاد الكلي المحلى والعالمي، التجارة العالمية، الأوضاع السياسية في النطاق الإقليمي والعالمي، الأحداث الاقتصادية والاجتماعية، توقعات النمو المستقبليـة والمشاعر النفسية للمستثمرين وللشركات والعديد من العوامل الأخرى. سنعمل في المقال على توضيـح تأثير بعض العوامل الهـامة على أسواق الأسهم، ليساعد هـذا المستثمر على تحليل السـوق المالية ليس فقط من وجهة نظر الشركات المدرجة، ولكن من وجهة النظر الشاملة التي تساعد على تحليل السوق بشكل فعال وجيد، وليس مقتـصر على عامل وحـيد فقط. العوامل التي تساعد على فهم حركة أسواق الأسهم يتم تقسيمها الى ثلاثة أقسـام وهي كالاتي:
كل حديث عن تقلب في أسواق الأسهم لابد أن يبدأ من بعوامل الاقتصاد الكلي، حيث أشارت بعض الدراسات الأكاديمية أن معدل نمو الاقتصاد ومعدل التضخم والبطالة والفائدة ومعدلات الصـرف والإنتاج هي العوامل الرئيسية المحركـة لسوق الأسهـم. أن نمو الناتج الإجمالي المحلي باستمرار في بلد ما يعني بأن الاقتصاد بشكل كامل في أنتعاش مستمر، وبالتالي هذا يشير الى أن القطاع الخاص سيأخذ جزء من هذا النمو لنفـسه، وستنمو بذلك الإيرادات وصافي الأرباح، وسينعكس هذا أيجابًـا على الشركات المدرجة من القطاع الخاص في السوق المالي، وفي نهاية المطاف ستـتأثر أسعار الأسهم ومؤشر السوق العام بالزيادة، والعكس صحيح في حال كان الناتج الإجمالي المحلي في ركود، لكن نمو الناتج المحلي الإجمالي يسبب مخاوف في السوق بسبب توقعات في ارتفاع معدلات التضخم التي سوف تؤثر في المستقبل على القوة الشرائية للمستثمرين من جهة وعلى الفائدة من جهة أخرى، لذلك يوجد هناك نقطـة توازن في العلاقـة بين نمو الناتج الإجمالي والتضخم والفائدة، وفي حال اختلال هذه النقطـة، فأن السوق المالي سيكـون مصيـره غير واضح للجميـع ويبدأ بسبب هذا بالتأرجح. بالإضافة إلى أن ارتفاع الإنتاج في بلد ما بالتزامن مع انخفاض في معدلات البطالة يُشيـر الى أن البلد في حال اقتصادي متين جدًا ويبعث هـذا الأمر الثقة لدى المستثمرين في الأسواق وفي أداء الشركات المدرجة فيهـا وبالتالي يعتبر هذان العامليـن في غاية الأهمية من أجل تحليل تحركـات أسواق الأسهم.
تؤثر السياسة الاقتصادية بقسميها السياسات النقديـة والسياسات الحكومية على سوق الأسـهم بشكل كبير. السياسة الحكومية التي تعتمد على طريقتين هما الأنفاق والضرائب لإعادة توازن الاقتصاد تؤثر على السوق عن طريق أن الأنفاق الهائل للحكومة في الاقتصاد يكـون مدعومـًا من قروض بنكيـة. هذه القروض تؤثر على السوق عن طريق أن البنوك تُفضل إقراض الحكومة مقارنة مع القطاع الخاص، الذي سوف يعاني بدون مساعدة تمويل البنوك وبالتالي تتأثر نتائج شركات القطاع الخاص بشكل سلبي وينعكس هذا على سوق الأسهم. بالإضافة الى أن إقراض الحكومة يرفع من معدلات الفائدة وهذا يُـخفض التدفقات النقدية للشركات المدرجة ليؤثر سلبـًا على نشاط الشركات والسوق. السياسات النقدية من جهة أخرى تؤثر على الأسواق من خلال أن تغيير كل من عرض النقود في السوق والفائدة يغير من قيمة التدفقات النقدية والتوزيعات النقدية ويجعل المستثمرين يعملون على إعادة تقييم الأسهم في السوق على أساس هذا التغييـر.
ليس فقط الواقع هو من يقود سوق الأسهم، فالتوقعات تقود أسواق الأسهم بشكل كبير، حيث أن البيع والشراء هو عبارة عن توقعات للمستثمرين، ولكن في اتجاهات مختلفة فالبائع متشائم من مستقبل السهم والمشتري متفائل فيه، وتوقعات النمو في أرباح الشركات والفائدة والأوضاع الاجتماعية والسياسية والمالية والاقتصادية والتوقعات التي تعتمد على الزخم مثل توقعات التحليل الفني وأيضًـا التوقعات القادمة من تحليل الذكاء الاصطناعي مثل ما يحدث مع اجتماعات مناقشة أسعار الفائدة المستقبلية، كل هذه التوقعات تؤثر بشكل جوهري على المستثمر وقراره الاستثماري. بالإضافة إلى أن الترابط بين أسواق المال العالمية يؤثر على سلوك المستثمرين في الأسواق المالية المحلية، فهبوط مؤشر الداو-جونز في الولايات المتحدة سوف يتأثر به مؤشر السوق السعودي – على سبيل المثال – بالهبوط وذلك بسبب التكامل المباشر للأسواق في الاقتصاد الحديث، ليس هذا هو الحال مع الأسواق الماليـة المـغلقة مثل الدول الاشتراكية – كوريـا الشمالية المثال الأبرز.
العوامـل المذكورة هي عوامل يمكن التوقع بها وعزو تحرك السوق لهـا، ولكـن في الجانب الغامض، هناك شيء مـا يحرك الأسواق وهو في الخفـاء دون ظهـور، فالأنماط المتكررة (Patterns) وحالات الشذوذ (Anomalies) قد تجـبر الأسواق على حركة غير إراديـة وغير متوقعـة ثم بعد حدوثهـا تعود النظريات المالية لتعمل على حلهـا وتفسيرهـا. على كل حال ليس بالإمكـان تفسير تحركات الأسواق بالمعطيات الموجودة، بعض تحركاتها العنيفـة هي وليدة بلا سبب تسحق الجميع لفترة من الزمن ثم ترحل لتُخفي من وراء قدومها ” أحاجي ” معقدة لا يمكـن تفسيرها.
اقتباس اقتصادي: ” بين الحين والآخر، يقوم السوق بفعل شيء غبي للغاية لدرجة أنه يحبس أنفاسك “. – جيم كريمر
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال