الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أصبح للأرقام في حراك رؤية مملكتنا الغالية حرسها الله تأثير وأثر ودلالة، وقد ظهر جلياً في أحاديث ولي العهد حفظه الله عناية بلغة الأرقام، واستحضار قوي لها، وإدراك عميق لترابطها، وتعدد القطاعات التي تتأثر بها على اتساع تلك القطاعات وتباعدها في أحيان كثيرة، مع دقة فائقة في الأوجه السليمة للاعتماد عليها.
ومن ذلك المنطلق وبحكم التخصص في قراءة الأحكام القضائية والعناية بها واستنباط مبادئها ودلالتها على المتلقي والبيئة القانونية، وتأثيراتها الاقتصادية، أصبحت أكثر تأملاً لكل رقم يرد في حكم قضائي باعتبار أن الأحكام القضائية عنوان للحقيقة، وديوان للوقائع الثابتة، وسيتم بإذن الله التطرق في سلسلة من المقالات لهذا الجانب، نفتتحها بهذا المقال الذي نتأمل فيه أرقاماً وردت في الأحكام العاجلة للمحكمة الإدارية العليا التي نشرت كحصيلة لأربع سنوات من العام 1439هـ وحتى العام 1442هــ، وقد قررت المحكمة بشأنها مبدأً بقبول وقف التنفيذ العاجل لتلك الأحكام الصادرة ضد جهات الإدارة لأن تنفيذها يرتبط بجانب مالي رأت المحكمة بناء على ما يبدو لها من ظاهر أوراق القضية بأنه مبلغ (تتعذر تدارك آثار تنفيذه – سيرتب من الأضرار ما يتعذر تداركه – يصعب معه بل قد يتعذر تدارك الأضرار التي تترتب على استنزافه من الجهة – مبلغ يخل بموازنة جهة الإدارة المالية ويؤثر على سير المرفق العام – مبلغ ضخم).
بلغ مجموع المبالغ التي حكمت المحكمة الإدارية العليا بوقف تنفيذها: ضد جهات الإدارة لصالح المحكوم لهم في عام 1439هـ مبلغ (22.641.514 ريال) اثنان وعشرون مليوناً وستمائة وواحد وأربعين ألفاً وخمسمائة وأربعة عشر ريالاً، وفي عام 1440هـ مبلغ (207.073.653 ريال). مئتان وسبعة ملايين وثلاثة وسبعون ألفاً وستمائة وثلاثة وخمسون ريالاً، وفي عام 1441هـ مبلغ (6.462.500 ريال) ستة ملايين وأربعمائة واثنان وستون ألفاً وخمسمائة ريال، أما العام 1442هـ فلم تتضمن الأحكام فيه تصريحا بمبالغ محددة، إذ أوقفت المحكمة حكماً بمساواة في مبلغ مكافأة الامتياز، كما حكمت بإلغاء قرار سلبي عن عدم تشكيل اللجنة النظامية لتقدير أجرة المثل لعقار جرى نزعه وفقاً لنظام نزع ملكية العقارات، ليكون إجمالي تلك المبالغ هو: (236.177.667 ريال) مئتان وستة وثلاثون مليوناً ومائة وسبعة وسبعون ألفاً وستمائة وسبعة وستون ريالاً.
أما أدنى مبلغ صدر به قرار عاجل بوقف التنفيذ فقد كان مبلغ: (38.700 ثمانية وثلاثون ألف وسبعمائة ريال – إعادة رسوم دراسية)، وتمثل أعلى مبلغ في (188.362.627ريال) مائة وثمانية وثمانون مليوناً وثلاثمائة واثنان وستون ألفاً وستمائة وسبعة وعشرون ريالاً -أجرة عن الانتفاع بعقارات متعددة من عام 1402هـ، وكلا المبلغين (الأدنى والأعلى) قد وردا في الأحكام المنشورة لعام 1440هـ، وأما عن أقرب مبلغ للحد الأدنى فقد كان مبلغ: (100 مائة ألف ريال – متبقي عقد أجرة في عام 1441هـ، وللحد الأعلى مبلغ (22.276.514 ريال) اثنان وعشرون مليوناً ومئتان وستة وسبعون ألفاً وخمسمائة وأربعة عشر ريالاً – مستحقات فترة تمديد عقد تشغيل في عام 1439هـ، وبينهما مبالغ مختلفة.
إن اختلاف تلك الأرقام وتباينها وارتباطها بالمشاريع الحكومية يكشف عن نطاق واسع من التأثيرات (المباشرة وغير المباشرة) وهي مواطن عملية دافعة للتحرك في مشاريع ومبادرات، وتقديم زوايا نظر جديدة وتأملات فاحصة، فالصلة الظاهرة بالمشاريع الحكومية تعني ارتباطاً وثيقاً بأحد أهداف هيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية (إكسبرو) والذي يتمثل في الارتقاء بجودة المشروعات والأصول والمرافق، وتخطيط البنية التحتية، والبرامج والمبادرات والعمليات التشغيلية الممولة من الميزانية العامة للدولة، وبالنظر لما للأحكام من تأثيرات اقتصادية بالغة الأثر على النشاط التجاري للقطاع الخاص – الذي تسعى الدولة حرسها الله ضمن رؤيتها المباركة لتعزيز حضوره وتمكينه، والقطاع الحكومي بلا شك أحد محركاته – فإن أسباب تلك الأحكام بحاجة لدراسة قانونية وتأمل دقيق في الاجتهاد القضائي ومدى سلامة معيار ما تتعذر آثار تنفيذه على الجهات الحكومية وعلى القطاعات التجارية الخاصة، ومثل هذا النوع من الدراسات مجال أصيل تعودناه من منتدى الرياض الاقتصادي.
كما أن ارتباط كل مبلغ بالأسباب الخاصة به بحاجة لدراسة مالية مختصة من وزارة المالية للوقوف على مدى ملائمته لطبيعة المشاريع الحكومية التي عادة ما يتم الإعلان عنها في الميزانيات العامة للدولة، ودقة إخلال كل مبلغ بموازنة الجهة المالية وسير المرفق العام في المجال الذي تخدمه، وإشعار الجهة القضائية بصوابية مثل هذا الاجتهاد، خاصة أن الرصد المالي لأي مشروع حكومي يكون قبل البدء في تنفيذه، كما أن الموازنات المالية تراعي في إعدادها شتى المخاطر بما فيها مخاطر التقاضي، إضافة إلى أن الاجتهاد القضائي باعتبار تلك المبالغ ضخمةً، وموجبة لوقف التنفيذ، تسترعي نظراً وتأملاً في مدى تأثير ذلك على قطاع الاستثمار الأجنبي الذي يشارك في المنافسات الحكومية، زاوية قانونية أخرى ينبغى التنبه لها في دراسة تلك الأحكام وهي خاصة ببرنامج دعم الإدارات القانونية الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (719) وتاريخ:24-08-1445هـ برئاسة مليكنا المفدى – حفظه الله – تتمثل في مراجعة إجراءات ممثلي الجهات الحكومية في تقديم الطلبات العاجلة أثناء صدور الأحكام على جهة حكومية، وتحديد معايير التقديم والأدلة اللازمة لدعم الطلب.
وهناك زاوية قانونية ثالثة للجهة القضائية تتمثل في فحص تلك الاجتهادات ضمن السياق الكامل لما يصدر عن المحكمة الإدارية العليا من مبادئ قضائية، والتحقق من عدم خلطها بين مبدأين أصيلين أرساهما القضاء الإداري في المملكة العربية السعودية على امتداد مسيرة الرائدة هما: مبدأ المحافظة على المال العام – الذي لا خلاف على أهمية العناية به ولزومها- وبين ما قد يطرأ من جنوح بعض الاجتهادات القضائية لحماية جهات الإدارة من الوقوع في الخطأ، والذي لا يجوز للقضاء أياً كانت درجته الدخول فيه لأن الدولة أيدها الله قد حددت إجراءات صارمة لمحاسبة المخطئ وقواعد ثابتة لمعالجة آثار خطئه، فضلاً عن المحاسبة المستقلة في حالة حدوث تجاوز أو تعدٍ، وجميعنا نستذكر الإعلان الخالد لولي العهد – حفظه الله – بأنه (لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أياً من كان)، كما أن للهيئة السعودية للمقاولين فرصة في تناول المؤثرات الأخرى ذات العلاقة من خلال دراسة وافية ترصد فيها الصورة الواقعية من منظور المقاولين عبر منتداها للمشاريع المستقبلية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال