أهمية الحوكمة المؤسسية في مرحلة تحول الشركات العائلية

تسير المملكة العربية السعودية على خطة طموحة للتحويل الاقتصادي من خلال رؤية 2030 وذلك بتوسيع وتعميق السوق المالية وزيادة عدد الشركات المساهمة بشكل كبير. والعنصر المهم في هذه الاستراتيجية هو تشجيع الشركات العائلية على التحول إلى شركات مساهمة. يهدف هذا التحول إلى تنويع السوق وتعزيز الاقتصاد من خلال استغلال الإمكانيات الكبيرة للشركات العائلية وتشجيعها ايضا على إدراجها في السوق المالية. 

ولجعل السوق المالية السعودية أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، تركز الحكومة على تعزيز معايير الحوكمة المؤسسية، حيث تعتبر الحوكمة القوية ضرورية لبناء ثقة المستثمرين وضمان نزاهة واستدامة السوق. ويتطلب هذا من الشركات تبني أطر حوكمة قوية تعزز الشفافية والمساءلة والعدالة.

استجابة لذلك، قامت الجهات الرسمية الرئيسية في المملكة، ممثلة بوزارة التجارة وهيئة السوق المالية والبنك المركزي، بوضع اللوائح التنظيمية للحوكمة بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية. ويؤكد أحدث إصدار من نظام الشركات (2022) الصادر عن وزارة التجارة على أهمية الحوكمة، ويحدد مسؤوليات أعضاء مجلس الإدارة ويحاسبهم على أي تقصير أو انتهاكات.

وبالنسبة للشركات العائلية، فإن فهم أهمية الحوكمة المؤسسية أمر بالغ الأهمية. يتطلب التحول من شركة عائلية خاصة إلى شركة مدرجة علنياً تغييراً جذرياً في النهج. بخلاف الشركات الخاصة، حيث يجب على الشركات المدرجة الالتزام بمتطلبات حوكمة صارمة مصممة لحماية مصالح جميع المساهمين. ويلعب أعضاء مجلس الإدارة دوراً محورياً في هذا التحول، حيث يُعهد إليهم بتمثيل المساهمين بعناية وولاء في عمليات اتخاذ القرارات.

وفي بيئة الأعمال المعقدة اليوم، يجب على مجلس الإدارة أن يعمل كحارس موثوق يتم تعيينه من قبل المساهمين الذين يمنحونه سلطات واسعة لإدارة الشركة وحماية مصالحهم. ويمثل المجلس جميع المساهمين وعليه مسؤوليات كبيرة. وتعتبر عضوية المجلس تكليفا وليس تشريفا، ويتطلب ذلك من الأعضاء أن يكونوا مؤهلين وعلى دراية كاملة بمسؤولياتهم، ويكرسوا الوقت الكافي لدورهم، ويتصرفوا وفقاً لمعايير الحوكمة.

وسأتطرق هنا لاحد اهم وجبات أعضاء المجلس التي نص عليها نظام الشركات الجديد في مادته السادسة والعشرون وهي “واجبات العناية والولاء”. وهذه المسؤولية القانونية لأعضاء المجلس تتماشى مع المعايير الدولية وأدبيات الحوكمة. وتتمثل هذه المسؤوليات في:

واجب العناية: حيث يجب على أعضاء المجلس أن يتصرفوا بصدق واحترافية، ويستخدموا العناية والجدية التي يستخدمها الشخص المعقول في ظروف مماثلة. ويشمل ذلك:

• الإشراف على الإدارة واتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة المنظمة.
• اتخاذ القرارات بناءً على المعلومات من خلال المشاركة النشطة في الاجتماعات، والبقاء على اطلاع بأنشطة المنظمة ووضعها المالي، وطرح الأسئلة لضمان حصولهم على معلومات كافية قبل اتخاذ القرارات.
• ممارسة العناية في اتخاذ القرارات، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر والفوائد المحتملة للمنظمة.
• ضمان امتثال المنظمة لجميع القوانين واللوائح والمعايير الأخلاقية ذات الصلة.

واجب الولاء: حيث يجب على أعضاء المجلس أن يقدموا مصالح المنظمة على مصالحهم الشخصية وأن يتصرفوا بنية واضحة لتعزيز مصلحة المنظمة. ويشمل ذلك:

•  الإفصاح عن أي تضارب في المصالح والامتناع عن استخدام منصبهم لتحقيق مكاسب شخصية.
•   الحفاظ على سرية المعلومات الحساسة المتعلقة بالمنظمة ومصالح أصحابها وعملياتها، وعدم الكشف عن هذه المعلومات أو استخدامها لتحقيق مكاسب شخصية أو لعائلاتهم.
•  تجنب الحالات التي قد تتعارض فيها المصالح الشخصية مع مصالح المنظمة، وضمان أن يتم اتخاذ جميع القرارات لمصلحة المنظمة وليس لتحقيق مكاسب شخصية.
•  الالتزام بالمعايير الأخلاقية وضمان أن تلتزم المنظمة بجميع المتطلبات القانونية والتنظيمية.

وبناءً على هذه المسؤوليات، يلعب المجلس دوراً حاسماً في توجيه الشركات نحو النجاح وتحقيق الأهداف الاستراتيجية مع الحفاظ على الحوكمة الفعالة. تشمل الأدوار الرئيسية:

• تحديد الرؤية الاستراتيجية والأهداف طويلة الأمد لخلق قيمة من خلال الابتكار وتحقيق النمو المستدام، وضمان تنفيذ الاستراتيجية بفعالية من خلال دعم وتوجيه الإدارة التنفيذية.
• اختيار الرئيس التنفيذي والقيادات التنفيذية وخطط الخلافة، ومراقبة أداء الإدارة التنفيذية وتقييم إنجازاتها، والإشراف على تحقيق الأهداف الاستراتيجية والمالية والاجتماعية للشركة، وتحديد تعويضات محفزة وعادلة للإدارة التنفيذية.
• ضمان الحوكمة والشفافية من خلال التقييم المستمر لامتثال الشركة للمعايير التنظيمية والقانونية والأخلاقية، الداخلية والخارجية، وتعزيز الشفافية في العمليات الإدارية والتواصل الفعال مع المساهمين.
• تحديد مستويات المخاطر المقبولة لتحقيق استراتيجية الشركة مع حماية مصالح المساهمين، ووضع اللوائح والإجراءات لإدارة ومراقبة المخاطر المالية والإدارية والتنظيمية والأخلاقية، والتفاعل مع المراجعين المستقلين، وضمان دقة التقارير المالية. ويشمل ذلك الإشراف على العوامل البيئية والاجتماعية والحكومية، وضمان سلامة الضوابط الداخلية، ومراقبة المخاطر المحتملة بناءً على التغيرات في البيئة الخارجية والداخلية، ووضع استراتيجيات للتخفيف منها.
• تعزيز الثقافة المؤسسية وسمعة الشركة في السوق والمجتمع، وترويج قيمها، وضمان وجود بيئة عمل تعزز الثقة والتعاون بين الموظفين، والابتكار، والتنوع، وتكافؤ الفرص.

وفي الختام يعد مجلس الإدارة العمود الفقري لأي منظمة ناجحة، حيث يضمن التوازن بين أهداف الشركة ومصالح أصحاب المصلحة. ومن خلال الالتزام بالمسؤوليات الاستراتيجية والرقابية والأخلاقية، يسهم المجلس واعضاؤه بشكل كبير في تحقيق النمو المستدام والنجاح على المدى الطويل. ومن الضروري أن تستثمر الشركات العائلية في التدريب والتأهيل أعضاء مجالس الإدارة وتوفير الدعم التنظيمي المناسب من خلال سكرتارية المجلس ومديري الحوكمة واختيار اعضاء مستقلين مؤهلين وذلك لضمان قدرة المجلس على الوفاء بواجباته بفعالية، وتحقيق تطلعات ومصالح المساهمين.