الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلنت الأمم المتحدة سنة 2024 السنة الدولية للإبليات. ومنذ مطلع هذا العام تم تسلّيط الضوء على ما يجعل الإبليات عنصرًا أساسيًا في سبل عيش الملايين من الأسر المعيشية التي تعيش في ظروف صعبة في أكثر من 90 بلدًا، لا سيما الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية. إذ تسهم الإبليات مثل الجمال العربية ذات السنام والجمال ذات السنامين و(الألباكا والغواناكو واللاما واالفيكونيا) وهي أصناف حيوانات تلحق تصنيفياً بالأبل، وتأتي هذه الجهود للسعي في ضمان الأمن الغذائي والتغذية والنمو الاقتصادي، كما أنها تتمتع بأهمية ثقافية واجتماعية كبيرة بالنسبة إلى بعض المجتمعات المحلية في جميع أرجاء العالم.
للأبل مكانتها الكبيرة لدى أبناء الجزيرة العربية عامة وخاصة بالمملكة العربية السعودية، وللأبليات وخاصة الجمال دور بارز في الحضارات السالفة سواء في المواصلات أو التجارة أو الحروب أو الأمن الغذائي ومصدراً متميز للبروتين الحيواني .
وتشارك السعودية دولة بوليفيا الصديقة المعنية بالأحتفاء بهذه المناسبة وقد مثلت السعودية بوفد رفيع المستوى برئاسة وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة لشئؤن الزراعة المهندس أحمد العيادة رئيس اللجنة التوجيهية للسنة الدولية للإبليات 2024 بمقر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بروما أيطاليا في يونيو الماضي.
وفي هذا الشأن نرى أن القرآن الكريم قرر حقائق عن الحيوانات عموماً لا تقل في الأهمية والدقة عن الحقائق التي يقررها في كل جانب من جوانب الكون والحياة، فهو يلفت النظر تارة إلى المنافع التي يحصل عليها الإنسان من تسخير هذه الدواب ركوباً وحملاً ولباساً وطعاماً وشراباً وزينة، فهي المسخرة للإنسان مذللة له ومنقادة. قال تعالى: “وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” (النحل، آية : 5 ـ 6).
لكنه خص الأبل بميزة بين هذه الحيوانات والأحياء الأخرى بقوله تعالى في الكتاب العزيز: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ)[ الغاشية ] . قال أحد العلماء خص الله سبحانه وتعالى الإبل من بين مخلوقاته الحية، وجعل الدعوة الى النظر إلى كيفية خلقها أسبق في التأمل في كيفية رفع السموات ونصب الجبال وتسطيح الأرض، ويدعو إلى أن يكون النظر والتأمل في هذه المخلوقات مدخلاً إلى الإيمان الخالص بقدرة الخالق وبديع صنعه .
في هذه الآية الكريمة يدعو الخالق العليم الى التفكير والتأمل في خلق الإبل (أو الجمال)، باعتبارها خلقاً دالاً على عظمة الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ وكمال قدرته وحسن تدبيره. وسوف نرى أن ما كشفه العلم حديثاً ولا يزال عن بعض الحقائق المذهلة في خلق الإبل ومنتجاتها ما يدل على سبق القرآن الكريم في الإشارة إلى هذا المخلوق المعجز الذي كغيره يدل على عظمة خالقه سبحانه.
في الوقت الذي تميزت الخيل للحروب والكر والفر وتميزت الحمير والبغال للتواصل القريب وحمل بعض الأثقال الخفيفة والأبقار للحرث وأنتاج الحليب، نجد أن الجمال شملت كل هذه الخصائص بتفوق كبير فهي للحروب والتواصل البعيد والقريب وحمل الأثقال ونقل الحجيج من كل بقاع العالم الى مكة المكرمة قال تعالى (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) الحج (27). والمقصود بالضامر أي البعير المهزول من شدة التعب وتعددت مسميات وأوصاف الجمال في القرآن الكريم مثل: الإبل، العِير، العِشار، البُدن، الهِيم، الرِكاب ، النوق، البعير، الضامر، الجِمالة، البحيرة، السائبة، والوصيلة والحام.
والأبل (الهجن) كانت سلاح العرب والمسلمين الأمثل ووسيلتهم الأبرز للقوة وكسب النصر في حروبهم وفتوحاتهم الأسلامية في تاريخ أمتنا الأسلامية المجيد. لما تتميز به عن غيرها من صفات فهي صبورة على الجوع وتحمل العطش، ويمكنها قطع مسافة خمسين كيلومتر في اليوم دون عناء، كما يمكنها حمل مائة وخمسين كيلوغرام، والاعتماد عليها في جميع جوانب الحياة وهي الحيوان الأقدر على النهوض بحمله من الأرض. وللإبل دور تاريخي في انتشار الإسلام وفي توحيد المملكة العربية السعودية إضافة الى دورها في حياة الإنسان في حله وترحاله وتنقله في الصحراء وعلى الرمال. وقداهتم بها أبناء الجزيرة العربية واعتنوا بها, وربطتهم بها علاقة خاصة عبر العصور، وكانت رفيقة ابن الصحراء في حله وترحاله، ومصدر فخر واعتزاز وتمايز، واستمرت هذه العلاقة إلى عصرنا الحاضر، حيث تحظى الإبل اليوم باهتمام حكومي وشعبي على أعلى المستويات.
حدثني معالي وزير الزراعة والمياه الراحل الدكتور عبدالرحمن آل الشيخ – رحمه الله – أن الملك المؤسس عبد العزيز بن عبدالرحمن – طيب الله ثراه – عندما أراد أن يتخذ شعار لهذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية قدم له عدة أقتراحات ومنها النخلة والجمل معاً في شعار رمزي واحد بعتبار النخلة هي الأمثل للزراعة في الجزيرة العربية وهي تمثل الأمن الغذائي الزراعي والجمل كذلك وهو يمثل الأمن الغذائي الحيواني، لكنه لم يستحسنه مراعاة لمن كان يجلهم ويقدرهم من – إخوان من طاع الله – من رجال الملك عبد العزيز الذين لا يرون وضع صور لذوات الأرواح وتقديراً لرأيهم عدل عن وضع الجمل وأستبدله بالسيفين في شعار المملكة الحالي .
“حيوان الاما في بوليفيا وأمريكا الأتينية من الأبليات”
ويتواصل هذا الأهتمام بالأبل من قبل قيادة هذه البلاد، وتجري كل عام سابقات الهجن وهي صنف من الأبل التي تشارك في الحروب والغزوات وأنشئ إتحاد سعودي للهجن الذي ينظم مسابقات الهجن في مختلف مدن المملكة ضمن فعاليات الممارسات الرياضية التي تقوم بها الهيئة العامة للرياضة وقد كانت فعاليات سباق الهجن تقام ضمن مهرجان الجنادرية الثقافي السنوي منذ 1405 هجري، 1985م، تحت أشراف وزارة الحرس الوطني السعودي، كما يتم تنظيم فعاليات مزايين الأبل ضمن مهرجان الملك عبد العزيز للإبل وهو مهرجان سنوي ثقافي واقتصادي ورياضي وترفيهي يقام في المملكة برعايةٍ ملكية، ويهدف إلى تأصيل تراث الإبل وتعزيزه في الثقافة السعودية والعربية والإسلامية، وتوفير وجهة ثقافية وسياحية ورياضية وترفيهية واقتصادية عن الإبل وتراثها.
جيث صدر في عام 1438هـ قرار مجلس الوزراء، بالموافقة على تنظيم فعاليات جائزة الملك عبد العزيز لمزايين الإبل والفعاليات المصاحبة له وفق قواعد وضوابط تراعي الجوانب الصحية والأمنية والثقافية، وأصبح في عام 2018، تحت إشراف الاتحاد السعودي للهجن.
بقي أن نعرف عن دور الأبل في الأقتصاد حالياً. حتى عام 1443هـ/2022م، بلغ عدد الإبل في السعودية 1,8 مليون رأس تنتشر في جميع مناطق المملكة، ويبلغ عدد مالكيها أكثر من 80 ألف شخص، كما يتم أستهلاك نحو 76 ألف طن من لحومها، بمعدل استهلاك يصل إلى نحو 2,2 كيلوجرام للفرد الواحد سنويًا، وذلك بحسب إحصائية وزارة البيئة والمياه والزراعة.
يمكن أن يقدم الجمل أفضل إضافة مفيدة لسلسلة الإمدادات الغذائية من حيث الحليب واللحوم وغيرها من المنتجات. ولا يزال للجمال أهمية اجتماعية واقتصادية حيوية في الجزيرة العربية وأفريقيا وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية، إذ يستخدمها الناس لسحب المياه من الآبار، وحرث الأراضي وتسويتها، وعمل المطاحن الصغيرة وعصر المنتجات الزيتية، وطحن القمح والذرة والحبوب الأخرى، ولسحق قصب السكر، وسحب عربات الإنتاج والسياحة ونقل البضائع والأشخاص. يمكن أن تنتج الإبل التي تتغذى جيدًا ما بين 10 إلى 15 لترًا من الحليب يوميًا. ويمكن أيضًا استخدام حليب الإبل لصنع الزبادي والزبدة والسمن ومنتجات أخرى. وتعتبر اللحوم والجلود والوبر من المنتجات الثانوية المفيدة للإبل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال