الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
التضخــم والرعب الترابط الدائم في الأسواق الماليــة والاقتصــاد، الثنائي الأساس لكل حديث على مدى عقود طويلة من الزمن، ترابط كان حقيقــة في وقت ما وكان وهم في وقت أخر. كان الرعب من التضخم هو القائد الأول لمحـاولة قياس هذا المؤشر العنيد والمترابط بشكل معقد مع كل مؤشر في الاقتصاد، بدايـة من مؤشرات البطالــة، السياسيات الاقتصاديـة والدولية، التبادل التجاري، نظريات المحافظ والمال، مقاييس التذبذب، إدارة الأصول والنقد ووصولًا إلى باقة الورود المقتطفــة حديثًا. أستكلندا – 1822م – من بين ضواحــي العاصمة إدنبــرة، ظهر ما أُطلــق عليه لاحقًــا ” أب الأرقام القيــاسيـة ” الاقتصادي جوزيف لوي الذي أنشــأ المؤشر الأول لقياس مستويات التضخم ” مؤشــر أسعار المستهلك CPI “.
على الرغم من مــرور قرنين من الزمن إلى أنــه لازال المؤشر الأيقونـة كمـا هو حين ولادتـه القديمة. لا ترى الأســواق المؤشـر كبير السن الا أنه جوهـرة لا تُـقدر بثمن في بناء توقعات المستقبـل وتوجهات السياسات المالية والدوليــة، في الجانب الأخــر يرى البعض بأنـه مؤشر كهـل وهش لا يستحـق كل هذا الانتظار والمديـح بسبب العديد من الأخطاء فيه وكثيـر من الخلل. من الواضـح بأن الكهـل لا زال صبيًـا ويتجدد بعد كل نقـد وجدال.
مؤشـر أسعار المستهلك هو مؤشر يقيس معدل التضخم – التغـير في الأسعار – في سلـة مكونـة من السلع والخدمات التي يستهلكهـا الأسـر في بلد ما خلال فترة معيــنة، وظهـر المؤشر لتعويض النقص في القوة الشرائيـة للأجـور بسبب التغير في أسعار السلع والخدمات. التغير في أسعار مكونات السـلة تُحسب على أساس شهـري وبالإمكان حسابه أيضــًا على شكل ربعي أو سنوي، ولكن بما أن من الصعب تحديد تغير السعر في مكون واحد في السلــة وباختلاف تلك المكونات من بين خدمات غير دورية في الاقتصاد وبين خدمات تتأثر بالتحركــات الاقتصادية وأيضـًا من بين سلع تستخدم بشكل دوري ولها دور جوهري، وبالتالي يكون لها طلب مرتفع وتغيـر سعر قوي مقارنــة مع سلع ليس لها مستوى الطلب نفســه، فأن المؤشـر يعكس المتوسط المرجح – التغير لسعر المكون ضرب وزن المكون من إجمــالي مكونات السلـة – وبهذا المتوسط فأن المؤشر يكون ملائم لأحجام الطلب المختلفــة. بعد قرن من الظهــور الأول للمؤشـر، تم تعديل بعض الأفكار فيـه في سبعينيــات القرن التاســع عشر على يد ثنائي الألمـان الاقتصادي باش ورفيقـه لاسبيرس.
يستخدم المؤشــر بالإضافة الى عمله الجوهري وهو تعديل الأجور لتتناسب مع التغيـر معدلات الأسعار في تحديد السياسات النقدية والحكومية المستقبليــة، تسعير الأصول والأوراق المالــية، تغييـر مكونات الدخل القومــي ويعمـل أيضًـا كمؤشـر لقياس مستوى جودة الحياة. الإيجابيـات الأبرز للمؤشــر هي أنه سهل في الحساب وفي جمع المعلومــات الخاصـة به ويمكن استخدامه كمؤشـر للتضخم العام على الرغم بأن السلـة الخاصة به لا تحتوي الا على السلع والخدمــات الاستهلاكية. سهولـة الحساب للمؤشـر يرافقهــا بعض الأخطاء أبرزها خطأ اختيار العينـة المتمثـلة في مكونات السلة، الخطأ الأخـر هو عدم اختيار السعر والبيانات المناسبــة للسلـة، والأخيـر وهو الأشهـر هو أن المؤشـر لا يتضمن أسعار الطــاقة على الرغم من أنهـا من أكثر المصروفات على المستهلكيــن والأسر.
التسيــد الطويل للمشهد الاقتصادي لمؤشر أسعار المستهلكيـن أوضح من بين ثنـايا حساباته الكثــير من القيود التي أنتُقد عليهـا عبر عقود من الزمن وأصبحت السيـادة مختلطـة بكثير من الهشاشـة وعدم الثقـة. القيـود التي أدان بها الجمــيع المؤشــر هي:
1- السلع القابلة للاستبدال:
عندما يرتفع سعر السلع القابلـة للاستبدال في مكونات السلة، فأن المستهلكين يشترون بدائل أقل تكلفة من السلـعة / الخدمـة المتواجدة في السلة. على سبيل المثال على افتراض بأن السلة التي يُحسب من خلالها المؤشر تحتوي على علبـة ” بيبسـي “، فأن بارتفاع سعرها مقارنـة بالبدائل فسيتوجه المستهلكين إلى شراء البديل الأقل تكلفة مباشـرة ” كوكولا ” على سبيل المثـال، ومع ذلك فأن المؤشر لا زال يحتفظ بالسلعة الأولى على الرغم من انخفاض الطلب عليها وزيادة الطلب للبديل عنها.
2- التطور والابتكار:
من العيوب الأخرى الجوهــرية في المؤشــر أنه لا يأخذ في عين الاعتبار جودة التطور في السلع والخدمات ويكتفـي فقط بأخذ الزيادة في تغير السعر لهـا على الرغم من أن هذه السلع والخدمات المتطورة تُضيف قيمة ومزايـا أعلى للمستهلكين مقارنة مع ما قبلها. على سبيل المـثال فالزيادة في سعـر جهاز حاسوب جاء من خلال التطور والتكنولوجيـا التي تمت إضافتها فيه لخدمـة كل من الأنسان والأعمال، وبالتـالي فأن الزيادة ليست قادمـة بسبب تضخم الأسعــار فقـط.
3- التركز الحضـري:
تعرض المؤشـر لنقد عنيف بسبب تركـز البيانات التي يبني عليها نتائجـه على المدن والمناطق الحضريـة التي تتركز فيها الشركات والأعمال، ويتجاهـل بذلك المناطق الريفيـة التي في الغالب لديهـا أسعار استهلاكية أعلى مما هي عليه في المدن بسبب المنافســة المنخفضة. وسبب النقد الأخــر هو أن المؤشـر لا يوضح بتقارير مفصلــة عن المناطق السكانيـة المختلفـة التي يأخذها في عين الاعتبار.
4- التضخم الخفي:
لا يأخذ المؤشر التضخم الخفي في الاعتبار، وهو التضخـم القادم من البقاء على نفس سعــر السلعة السابق، ولكن بتغيير جودتها وكميتها. على سبيــل المثال التضخم الانكماشي، وهو أن الشركات تخفض تكاليفها بإنتاج سلع أقل جودة ومتانة أو بتقليل كميــة المنتج أو العمل على حقن المواد الطازجـة بمواد حافظـة تساعد على بقائها لفترة أطول، ولكن تبقى هذه السلع بعد التعديـل عليهـا بنفس السعر السابق لها، وبالتالي تنعكس على معدلات التضخم الحقيقة وتكلفة المعيشة، ولكن لا تنعكس مباشرة على المؤشر.
النقد أستمر حتــى أخلاقيات المؤشر، فتعرض لنقد بسبب عدم اهتمامه في التغيرات البيئية والاجتماعية والحوكمــة، ومتأخر بخطــوة عند الواقع المالي والاقتصادي والتطور الزمني للتكنولوجيا الرهيب والمستمــر، فقط يعمل المؤشـر عندما يرى الأسعار ترتفع وتنخفض ويضرب بكل العوامل عرض الحــائط. القائــد الهش والهزيل لاقتصاد العالـم وللأسواق وسلوك المستثمريــن وعلى الرغم من كل نقد وتعديـل الا أنــه سيد القرار والرؤيــا والمتحكم في زمـام كل لقاء وحديث وزمن، خبـرة العقود المديــدة قادرة على أن تُبقي هذا الشيخ المسـن في المشهد لأطول فتـرة ممكنـة على الرغم من البدائــل الخجولــة في الظهور للأفــق.
اقتباس اقتصادي: ” التضخم هو فرض الضرائب دون تشريع. ” – ميلتون فريدمان
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال