الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
شهد العالم في العقدين الماضيين تحولاً جذرياً نحو الاقتصاد الرقمي، الذي بات يُعتبر من أهم محركات النمو الاقتصادي في العصر الحديث. تعتمد الاقتصادات الرقمية على التكنولوجيا الرقمية والاتصال عبر الإنترنت لتعزيز الإنتاجية، وتحسين الكفاءة، وخلق فرص عمل جديدة.
الاقتصاد الرقمي هو نظام اقتصادي يعتمد بشكل أساسي على التقنيات الرقمية، بما في ذلك الإنترنت، والاتصالات اللاسلكية، والحوسبة السحابية، وغيرها من التقنيات الحديثة. يشمل الاقتصاد الرقمي مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية، مثل التجارة الإلكترونية، والخدمات المالية الرقمية (الفنتك)، والعمل عن بُعد، وتحليل البيانات الضخمة، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين العمليات والإنتاجية، بالإضافة إلى إنترنت الأشياء (IoT) الذي يربط الأجهزة المختلفة بالإنترنت لتحسين الكفاءة والإنتاجية.
وفقاً لدراسة نشرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في 2023، يمكن للاقتصاد الرقمي أن يزيد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 6% في الدول النامية و4% في الدول المتقدمة بحلول عام 2030. تعزى هذه الزيادة إلى تحسين الكفاءة الإنتاجية، وخفض تكاليف التشغيل، وزيادة التفاعل بين الشركات والعملاء. يساهم الاقتصاد الرقمي أيضاً في تسريع النمو الاقتصادي من خلال توفير فرص عمل جديدة، وتحسين الوصول إلى الأسواق العالمية.
وفقًا لنتائج مسح الاقتصاد الرقمي لعام 2022 الذي نفذته الهيئة العامة للإحصاء، بلغت حصة الاقتصاد الرقمي من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية 14.0%، وهو ما يتماشى مع توصيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD). من أبرز المؤشرات الأخرى نسبة المنشآت التي قامت بشراء خدمات الحوسبة السحابية والتي بلغت 48.0%، ونسبة المنشآت التي قدمت خدماتها بواسطة تطبيقات إلكترونية والتي بلغت 20.3%. بالإضافة إلى ذلك، بلغت نسبة المنشآت التي استلمت مشترياتها بشكل إلكتروني 18.5%، ونسبة المنشآت التي استخدمت أجهزة أو أنظمة مرتبطة بالإنترنت 60.1%.
يشير تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) في 2023 إلى أن الاقتصاد الرقمي يساهم في تحسين جودة الحياة من خلال توفير خدمات تعليمية وصحية متقدمة. أدى انتشار التعلم الإلكتروني إلى توسيع فرص التعليم العالي والتدريب المهني في المناطق النائية. كما أن التطبيب عن بعد قد ساهم في تحسين الرعاية الصحية وتخفيف الضغط على المستشفيات.
رغم الفوائد الكبيرة للاقتصاد الرقمي، إلا أنه يواجه تحديات عدة. من أبرزها الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية، وحماية البيانات الشخصية، والأمن السيبراني. حسب دراسة لمؤسسة ماكينزي في 2022، فإن سد الفجوة الرقمية يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتكنولوجيا، بالإضافة إلى برامج تعليمية لتأهيل القوى العاملة.
يتجه مستقبل الاقتصاد الرقمي نحو تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحسين العمليات وزيادة الكفاءة الإنتاجية. يساهم الاعتماد على تقنية البلوكشين في تعزيز الأمان والشفافية في المعاملات، في حين يتم استخدام تحليل البيانات الضخمة لاتخاذ قرارات أفضل. يلعب إنترنت الأشياء دوراً مهماً في جمع وتحليل البيانات من خلال ربط الأجهزة المختلفة، مما يعزز من الكفاءة التشغيلية. كما يسهم الواقع الافتراضي والمعزز في تحسين التجارب التفاعلية وتقديم خدمات مبتكرة.
تلعب الاستدامة دوراً محورياً في الاقتصاد الرقمي، حيث تساهم التقنيات الرقمية في تقليل الأثر البيئي من خلال تحسين كفاءة استخدام الموارد، وتقديم حلول صديقة للبيئة. تُعتبر الحوسبة السحابية مثالاً على ذلك، حيث تقلل من الحاجة إلى البنية التحتية التقليدية وتوفر طاقة أكبر بكفاءة أعلى. بالإضافة إلى ذلك، تساهم تقنيات مثل إنترنت الأشياء في تحسين إدارة الموارد الطبيعية، مثل المياه والطاقة، من خلال تحسين مراقبة الاستخدام وتقليل الفاقد.
نجحت عدة دول في الاستفادة من الاقتصاد الرقمي لتحقيق نمو اقتصادي ملحوظ. على سبيل المثال، تمكنت إستونيا من بناء واحدة من أكثر البيئات الرقمية تطوراً في العالم، حيث تقدم الحكومة معظم خدماتها عبر الإنترنت. كما نجحت الصين في بناء منصات تجارة إلكترونية عملاقة مثل علي بابا، التي ساهمت في تحويل اقتصادها إلى أحد أكبر الاقتصادات الرقمية في العالم.
تتوقع الدراسات المستقبلية أن يستمر الاقتصاد الرقمي في النمو والتطور، مع تبني تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، والبلوك تشين. تشير توقعات شركة جارتنر للأبحاث إلى أن الإنفاق العالمي على التكنولوجيا الرقمية سيصل إلى 5 تريليون دولار بحلول عام 2025. هذه التقنيات ستساهم في دفع الاقتصاد الرقمي نحو مزيد من الابتكار والنمو مستقبلاً، مما يجعله المستقبل القادم والمشرق في ظل رؤية 2030.
في سياق رؤية 2030، قام عبدالله السواحة، وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، بزيارات هامة لتعزيز الاقتصاد الرقمي في المملكة العربية السعودية. تهدف هذه الزيارات إلى دعم البنية التحتية الرقمية، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتطوير الكفاءات البشرية في مجال التكنولوجيا. قال السواحة: “الاقتصاد الرقمي ليس خياراً بل ضرورة، والمملكة ماضية بخطى ثابتة لتحقيق رؤيتها 2030 من خلال تمكين الشباب وتطوير البنية التحتية الرقمية.” من خلال هذه الجهود، تسعى المملكة إلى تحقيق قفزات نوعية في الاقتصاد الرقمي وجعلها مركزاً عالمياً للابتكار والتكنولوجيا. وأكد السواحة: “الابتكار والتكنولوجيا هما العمود الفقري للاقتصاد الرقمي، ونسعى لتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتسريع التحول الرقمي.”
الاقتصاد الرقمي هو أحد أبرز محركات النمو الاقتصادي في العصر الحديث، حيث يوفر فرصاً جديدة للتنمية والابتكار. ومع ذلك، يجب على الدول العمل على تجاوز التحديات المرتبطة بهذا التحول الرقمي لضمان استفادة الجميع من فوائده. من خلال الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا والتعليم، يمكن للدول أن تحقق نمواً اقتصادياً مستداماً وتعزز رفاهية شعوبها في المستقبل. الاقتصاد الرقمي ليس فقط مستقبل الاقتصاد، بل هو الحاضر الذي يفتح أبواباً واسعة للابتكار والإبداع وتحقيق التنمية المستدامة.
من خلال هذه الجهود والتوجهات، يظل الاقتصاد الرقمي حجر الزاوية في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز مكانة المملكة كواحدة من أبرز المراكز العالمية في مجال الابتكار والتكنولوجيا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال