الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تشهد المملكة العربية السعودية تحولات جذرية في جميع المجالات الحيوية بفضل رؤية 2030 الطموحة. هذه الرؤية نقلتنا إلى حقبة زمنية جديدة، مع تبني مفاهيم متجددة وأكثر شمولية لإدارة الموارد البشرية. يعد برنامج “تنمية القدرات البشرية” أحد أبرز برامج هذه الرؤية، ويحظى باهتمام واسع كونه يمثل تحولاً نوعياً في كيفية إدارة الكوادر البشرية وتطويرها. اليوم تنتقل إدارة الموارد البشرية إلى مستوى جديد يركز على تنمية المهارات والقدرات بطرق مبتكرة وشاملة، مما يعزز من تحقيق الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030، حيث معدل البطالة اقترب من مستهدف الرؤية والمحدد عند 7%
مرت إدارة الموارد البشرية بمراحل وحقب زمنية مختلفة، حيث كانت كل مرحلة تتبنى مفهوماً متقدماً وجديداً عبر عقود من الزمن. كانت “المرحلة التقليدية” قبل عام 1900 تركز على “إدارة الأفراد” والجوانب الإدارية البسيطة مثل دفع الأجور وتسجيل الحضور. جاءت “المرحلة العلمية” بين 1900 و1940 متأثرة بأفكار الإدارة العلمية لفريدريك تايلور، حيث تم التركيز على زيادة الإنتاجية من خلال تحسين العمليات عبر أنشطة تحليل الوظائف وتدريب العمال.
وبين 1940 و1980، ظهرت “المرحلة السلوكية” التي ركزت على أهمية الجانب الإنساني في العمل، مع التركيز على الدوافع والرضا الوظيفي من خلال تطوير برامج التدريب والتنمية وتقييم الأداء. أما “المرحلة الاستراتيجية” التي انطلقت من 1980 وحتى الآن، فقد تضمنت مفهومًا يعتبر إدارة الموارد البشرية جزءاً استراتيجياً من إدارة الأعمال، مع التركيز على تحقيق الأهداف التنظيمية من خلال التخطيط الاستراتيجي وإدارة المواهب وتطوير القيادة.
كما أظهرت الدراسات أن المؤسسات التي تستثمر في تنمية قدرات موظفيها تحقق نتائج أفضل على مستوى الأداء العام. وفقاً لدراسة أجرتها جامعة هارفارد، الشركات التي تركز على تنمية مهارات موظفيها وتشجيع التعلم المستمر تتمتع بنسبة رضا وظيفي أعلى بنسبة 23% مقارنة بتلك التي تتبع الأساليب التقليدية في إدارة الموارد البشرية.
يمكن تقسيم الحقب الزمنية والتحولات إلى مراحل إدارية واضحة. المرحلة الأولى، “إدارة الأفراد”، تركزت على التعامل مع الأفراد كأدوات إنتاجية، وشملت مهامها التوظيف والتدريب والتوجيه والإشراف المباشر لتحقيق الكفاءة الإنتاجية. المرحلة الثانية، “إدارة شؤون الموظفين”، توسعت لتشمل الاهتمام برفاهية الموظفين وحقوقهم، وهدفت إلى تحسين العلاقات بين الإدارة والموظفين، المرحلة الثالثة، “إدارة الموارد البشرية”، تبنت مفهوماً يعتبر الموظفين كموارد استراتيجية يجب تطويرها وإدارتها بكفاءة وفعالية، مع التركيز على التوازن بين مصلحة المنظمة والموظف لتحقيق أهداف مشتركة من خلال التخطيط الاستراتيجي وتطوير الكفاءات وإدارة الأداء والتخطيط للتعاقب والإحلال الوظيفي.
واليوم، نحن في مرحلة حديثة وحقبة زمنية جديدة في ظل رؤية 2030 الطموحة تُعنى بوظيفة “تنمية القدرات البشرية”، التي تعتبر تطوراً حديثاً لمفهوم إدارة الموارد البشرية. بينما تركز “إدارة الموارد البشرية” على تعيين الموظفين وتدريبهم وتطويرهم، تتجاوز “إدارة تنمية القدرات البشرية” ذلك لتشمل تطوير المهارات والقدرات بشكل شامل، بما في ذلك تعزيز الابتكار والإبداع، والتميز والتعلم الذاتي والمستمر، والهدف هو تحقيق تميز مستدام من خلال الاستثمار في رأس المال البشري وتنمية القدرات البشرية نحو الاستدامة والابتكار.
تشمل “إدارة تنمية القدرات البشرية” مجموعة من الأنشطة والاستراتيجيات التي تهدف إلى تطوير وتحسين مهارات ومعارف وقدرات الموظفين داخل المنظمة. يركز هذا المفهوم على تعزيز الإبداع والابتكار والتميز والتعلم المستمر، بالإضافة إلى تحسين الأداء الوظيفي والفعالية العامة للمنظمة. الهدف الأساسي هو تحقيق تميز مستدام ومبتكر من خلال الاستثمار في رأس المال البشري، مما يعزز من قدرة المنظمة على التكيف مع التغيرات والتحديات في بيئة الأعمال.
وقد وضعت رؤية 2030 المملكة العربية السعودية على مسار جديد نحو تطوير واسع وشامل ومستدام في كافة المجالات. ويُعد “برنامج تنمية القدرات البشرية” أحد البرامج الرئيسية للرؤية، حيث يهدف إلى تطوير الكوادر البشرية لتكون أكثر إبداعاً وابتكاراً عبر جميع القنوات الرئيسية، وتتحول إدارة تنمية القدرات البشرية لتصبح جزءاً لا يتجزأ من “إدارة الموارد البشرية”، مما يعزز من قدرات الموظفين وإمكانات المنظمات ويساهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى.
دور إدارة الموارد البشرية في هذه المرحلة استشاري، يعمل بالتعاون والدعم المشترك مع الوحدات والإدارات داخل المنظمة، لخلق توازن بين مصلحة المنظمة ومصلحة الموظف، ويجب أن تدار إدارة الموارد البشرية بمفهوم حديث يتجنب الأفكار القديمة التي تركز فقط على إدارة شؤون الموظفين أو إدارة الأفراد.
إدارة الموارد البشرية وإدارة تنمية القدرات البشرية هما مجالان مرتبطان، ولكنهما يختلفان في التركيز والنطاق، حيث تركز إدارة الموارد البشرية على إدارة جميع جوانب العمل المتعلقة بالموظفين في المنظمة، بينما تركز إدارة تنمية القدرات البشرية على تطوير وتحسين مهارات ومعارف الموظفين، مما يعزز من أداء الموظفين ويساهم في نمو المنظمة على المدى الطويل.
وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن المنظمات التي تستثمر في تنمية قدرات موظفيها تتفوق على نظيراتها في السوق. في دراسة أجرتها مؤسسة “غالوب” كشفت أن الشركات التي تركز على تطوير الموظفين تمتلك نسبة نمو أعلى بنسبة 21% في الإنتاجية ونسبة 22% في الربحية.
إن “تنمية القدرات البشرية” هي جزء لا يتجزأ من “إدارة الموارد البشرية”، وهدفها تحقيق تميز مستدام من خلال تطوير الكوادر البشرية بشكل شامل ومبتكر، مما يساهم في تحقيق رؤية المملكة 2030.
دمتم بخير…
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال