الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مقدمة:
عندما أصبحت سفيرا للجودة وبدأت بالحديث عنها في العديد من المناسبات والاجتماعات، واجهت تساؤلات من قبل الزملاء القانونيين، كذلك من المختصين في (الجودة) عن علاقة الجودة بالقانون والمحاماة وعن جدواها في المنشآت القانونية؛ لذلك دائما ما أعيد وأكرر الحديث عن أهمية الجودة في المنشآت بشكل عام، وفي المنشآت القانونية بشكل خاص، وبخاصة أننا الآن نسير في المرحلة (السادسة) من مراحل تطور (الجودة) في العالم؛ لذلك دعونا نتعرف أكثر على (الجودة) وأهميتها.
نبذة عن الجودة:
قبل أن نبدأ في التعرف على أهمية الجودة علينا أن نتعرف على ماهية الجودة؛ لأن القرار بأهمية شيء ما هو إلا (حكم) عليه؛ ونحن كـ(ـقانونيين) لدينا قاعدة مشهورة جدا أخذت من علماء الشريعة، ونصها: “الحكم على الشيء فرع عن تصوره”؛ فلا بد لنا من تصور الجودة قبل أن نبدأ بالحديث عن أهميتها.
لقد انبثق مفهوم الجودة في بداية القرن العشرين من اليابان وانتشر بعد ذلك في أرجاء العالم، وقد مر مفهوم الجودة بعدة مراحل من التطور؛ فعند بدايته كان ينحصر حول ما نسميه بـ(الفحص والفرز)؛ حيث كان مفهوم الجودة يركز على المنتج ومطابقته للمواصفات، ومدى ملاءمة تسليمه للعميل؛ فإن المنتجات المطابقة للمواصفات يمكن تسليمها للعميل، أما تلك المنتجات التي لا تطابق المواصفات إما أن تتلف، أو يعاد العمل عليها حتى تطابق المواصفات، أو تباع بأسعار أقل.
تطورت بعد ذلك أساليب فحص جودة المنتجات ودخلنا فيما نسميه بمرحلة (مراقبة وضبط الجودة) وذلك في خمسينيات القرن الماضي؛ حيث انتقلنا من مجرد الفحص والفرز إلى الأسلوب الإحصائي والذي يضمن مراقبة وقياس جودة المنتجات وتحليل أسباب عدم المطابقة، مما يقلص من عدد المنتجات التي لا تطابق المواصفات.
وفي سبعينيات القرن الماضي بدأت مرحلة جديدة نسميها بمرحلة (ضمان الجودة)، واعتمدت هذه المرحلة على تقليص ومنع الأخطاء التي تؤدي إلى عدم مطابقة المنتجات؛ وهي تضع حلا لما واجهته المرحلة السابقة؛ فهي تعمل على انتشال الأخطاء من جذورها، لتضمن دائما خروج المنتج المطابق للمواصفات، كما تركز على جودة كافة العمليات التي يسير فيها المنتج وذلك بشكل تفصيلي.
ولم يطل الأمر كثيرا حتى قفزت الجودة إلى المرحلة الرابعة؛ في ثمانينيات القرن الماضي ظهر مفهوم لا يزال يستخدم حتى اليوم، وهو المعروف بـ(إدارة الجودة الشاملة)، وفي هذه المرحلة أضيفت (الخدمات) إلى مفهوم الجودة؛ فأصبحنا نتحدث عن جودة المنتج وكذلك جودة الخدمات، كما أصبحنا نركز أكثر على ضبط العمليات والعمل الجماعي ومشاركة العاملين في الجودة.
وفي بداية القرن الحالي ومع ظهور المواصفة الدولية (ايزو 9001) لإدارة الجودة، ظهر لدينا مصطلح جديد، وهو (التميز المؤسسي) وقد أنشئت في المملكة جائزة الملك عبد العزيز للتميز المؤسسي في عام 2000م بموجب خطاب المقام السامي رقم 7 /ب/18670، وهذه المرحلة ركزت كثيرا على تطبيق بنية الجودة في كافة المنشآت والمنظمات، وذلك من خلال استخدام نماذج الجودة والتميز واستخدام نظم إدارة الجودة الحديثة ونماذج التحسين المستمر.
وفي عام 2015 ظهرت النسخة الجديدة من المواصفة الدولية (ايزو 9001) والتي أعلنت عن بدأ المرحلة السادسة من تطور الجودة وهي ما نسميها بـ (الجيل الرابع للجودة)، وقد يعد البعض هذا الاسم غريبا؛ فلماذا نسميه بالجيل الرابع بدلا من الجيل السادس؟! وفي الحقيقة سبب هذه التسمية له علاقة وطيدة ببداية الثورة الصناعية الرابعة؛ ففي عام 2015 بدأ مفهوم الثورة الصناعية الرابعة بالظهور بدمج التقنية الحديثة في المنتجات والخدمات والحياة العامة؛ حتى جاءت تسمية (الثورة الصناعية الرابعة) وهي التسمية التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، في عام 2016م، على الحلقة الأخيرة من سلسلة الثورات الصناعية، والتي لا نزال نسير فيها حتى اليوم؛ وقد ظهرت العديد من النماذج النيرة في هذه المرحلة، ونعود قليلا إلى القانونيين فقد لاحظنا التطورات الهائلة التي قامت بها المملكة العربية السعودية ممثلة بوزارة العدل من رقمنة للمستندات وتطوير هائل في الإجراءات وصاغت العديد من الأدلة الإجرائية ووضعت العديد من المواصفات المتعلقة بالقطاع العدلي، فهذا كان جانبا لا بد أن يشاد به لتطور المملكة فيه.
مفهوم الجودة ومنهج العملية:
وبعد أن أخذنا جولة سريعة على مراحل تطور الجودة، سنتطرق الآن إلى تعريف ومفهوم الجودة ومنهج العملية، نستطيع تعريف الجودة من منظور المواصفة الدولية (آيزو 9001)، وهي 🙁 مطابقة المواصفات والمعايير للمنتج أو الخدمة المقدمة).
وبناء على التعريف السابق، نلاحظ وجود مواصفات ومعايير للمنتجات والخدمات التي تقدم، وهذه المواصفات إما أن تكون متعلقة بالنظام العام؛ فتكون واجبة التطبيق قانونا، وإما أن تكون ناشئة عن التزام من المنشأة وتطبق باعتبار أن المنشأة التزمت بها تجاه الغير.
منهج العملية هو المنهج المعتمد في المواصفة الدولية (آيزو 9001) لضبط الجودة، ومفهومه أن تكون جميع الأعمال والإجراءات التي تقوم بها المنشأة والعاملون فيها مسجلة ومرسومة في سلسة من العمليات المتصلة ببعضها البعض؛ لكي نضمن دائما اتخاذ العملية الصحيحة بالشكل الصحيح.
الجودة في المنشآت القانونية:
بعد أن تعرفنا على مفهوم الجودة ومفهوم منهج العملية نأتي الآن إلى أهمية الجودة للمنشآت القانونية؛ إن مهنة المحاماة في الأصل مرتبطة ارتباطا وثيقا بشخص المحامي، وهذا لا مناص منه؛ ولكن مع صدور نظام الشركات المهنية، وتوجه العديد من المختصين إلى إنشاء شركات مهنية قانونية؛ فبدأت شخصية المحامي بالضمور بالتزامن مع ظهور شخصية الشركة الاعتبارية؛ ولكن في نفس الوقت ظهرت مساوئ الشركات في اختلاف مستوى الخبرة لدى الأفراد المنتسبين للمنشأة الواحدة؛ وظهرت الحاجة الماسة لضبط مستوى الجودة، وذلك لتقليص الفرق بين أفراد المنشأة الواحدة عن طريق توحيد الإجراءات المتبعة في المنشأة ووضع حد أدنى للمواصفات المطلوبة دون التدخل في عقلية المحامي ومهامه الرئيسة المتعلقة بدراسة القضية وتكييفها تكييفا صحيحا؛ وهذا مما يساعد على التوسع في الشركات دون الخوف من مستوى الأفراد المنتسبين إلى المنشأة؛ فجميعهم يتبعون نفس الإجراءات بغض النظر عن مدى قربهم أو بعدهم عن المقر الرئيس؛ ونستطيع لمس ذلك بشكل واضح في القطاع العدلي؛ فقد ضبطت فيه أكثر الإجراءات، وأصبحت موحدة في كامل المملكة، ويجب على المنشآت القانونية اللحاق بهذا الركب.
الخلاصة:
عرفنا أن الجودة هي مواصفات ومعايير تلتزم بتطبيقها المنشأة؛ وأن هذه المواصفات تقوم على توحيد الإجراءات المتخذة في كافة فروع المنشأة، وهذا يساعد المنشآت على التطور والتوسع دون الخوف من مستوى الخدمة المقدمة في الفروع الأخرى، كما يساعد على ظهور الشخصية الاعتبارية للمنشأة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال