الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
استيقظ العالم صباح الجمعة على صورة المستقبل الذي يتوقعه في عالم التكنولوجيا، حينما تعطلت مطارات ورحلات واسواق مالية بل وقنوات تلفزيونية في العالم وتعطلت معها معظم الأعمال المرتبطة بها. هذا الحدث غير المسبوق ألقى الضوء على هشاشة البنية التحتية الرقمية التي نعتمد عليها بشكل متزايد في حياتنا اليومية وأعمالنا التجارية. من المطارات إلى البنوك، ومن الشركات الكبرى إلى المؤسسات الصغيرة، تأثرت جميعها بهذا العطل التقني، مما أثار تساؤلات حول مدى استعدادنا لمواجهة مثل هذه الأزمات في المستقبل.
ويقودنا الى استعراض الأسباب والتداعيات الاقتصادية لهذا العطل، وأيضا الدروس المستفادة والإجراءات التي يمكن اتخاذها لتجنب تكرار مثل هذه الكارثة.
في الوقت الذي كانت بعض الدول تعيش في شلل تام بسبب انقطاع تكنولوجيا المعلومات، واحدثت ربكة في مختلف القطاعات، نجحت السعودية في تجاوز ازمة الخلل التقني الذي أصاب مطارات العالم بفضل الأنظمة البديلة والاستجابة السريعة، حيث استمرت الرحلات بشكل طبيعي في المطارات السعودية، مما يعكس كفاءة البنية التحتية الرقمية لدينا، واكد البنك المركزي السعودي سلامة انظمته وأنظمة المدفوعات الوطنية والأنظمة البنكية في السعودية وعدم تأثرها جراء العطل التقني، موضحا انه يطبق اعلى المعايير والممارسات التشغيلية والسيبرانية المتعارف عليها عالميا.
منظر المطارات المزدحمة التي تناقلتها وسائل الاعلام وأيضا تعطل بعض الشركات ووسائل الاعلام، أعاد لنا صورة العالم ما قبل الانترنت، ومع ان مايكروسوفت أشارت في تصريحاتها الى ان العطل نجم عن تحديث غير متوقع في خدماتها السحابية، مما أثر على العديد من الشركات حول العالم، واعترفت شركة دلتا ايرلاينز ان العطل اثر على نظام الحجز وإدارة الرحلات، كما تسبب في تأخير وإلغاء بعض الرحلات، فيما قالت شركة امريكان ايرلاينز ان العطل اثر على نظام تسجيل الوصول، اما الشركة التي تسببت في هذا العطل وهي كراود سترايك، ان العطل نجم عن خلل في تحديث برنامج الشركة على أنظمة تشغيل مايكروسوفت، وهي تعمل على اصلاح المشكلة.
في المقابل لم تتأثر روسيا بالعطل التقني العالمي الذي أصاب العديد من المؤسسات حول العالم، وقالت وزارة التنمية المعلوماتية الروسية ان المطارات وشركات الطيران والبنوك والمرافق الحيوية في روسيا تواصل عملها بشكل طبيعي دون أي تأثير من هذا العطل، ويرجح عدم تأثرها هو اعتمادها على برامج تقنية وطنية بديلة عن الأنظمة الغربية، مما جعلها اقل عرضة لمثل هذه الاعطال
ما حدث بالأمس يعيد التفكير من جديد في ضرورة إيجاد بدائل للازمات، خاصة وان هذه البرامج مرتبطة ببعضها البعض، وفي دول العالم النامي يكون مصدر البرامج هي الدول الغربية، نظرا لعدم وجود برامج محلية بديلة كما هذه الدول لا تشجع او تحفز المنتج الرقمي المحلي، ومتى ما حدث خلل كما رأيناه الجمعة، تلقائيا تتعطل البرامج والأنظمة التشغيلية، وبالتالي تتساقط كما تسقط حبات الضومنة المتراصة، طبعا هذه الدول تتكبد خسائر فادحة وتعطل وضرر شديد يلحق بالشركات والافراد.
ربما يكون الحادث جرس انذار يدق ناقوس الخطر حول مخاطر الاعتماد المفرط على التكنولوجيا في حياتنا اليومية، خاصة في ظل غياب خطط طوارئ والاحتياطات اللازمة لمواجهة مثل هذه الازمات، فهي أشبه بتسونامي، فالشركات والمؤسسات تكبدت بشكل مباشر عن تعطل أنظمة الدفع الالكتروني، مما أدى الى صعوبة في إتمام المعاملات التجارية والمالية، وأيضا تعطل عمليات التداول في البورصات، مما ادى الى تقلبات في الأسواق المالية، كما أدى الى انخفاض الإنتاجية وتحديد في المصانع التي تعتمد على أنظمة الكمبيوتر للتحكم في عمليات الإنتاج، الخلل ضرب المستشفيات أيضا، وسببت اضطراب في سلاسل التوريد، في انقطاع أنظمة تتبع الشحنات والبضائع وتتبع حركة السلع، مما قد يؤدي الى نقص في بعض المواد والسلع.
شعوب الدول النامية، بعد فاجعة أمس، هل تفقد الثقة في التكنولوجيا او حتى الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات، ام تدفع هذه الحادثة الشركات والمؤسسات الى زيادة استثماراتها في الامن السيبراني لتتجنب تكرار مثل هذه الازمات، او تتوجه الى حلول أكثر امانا وموثوقية، من حوسبة سحابية او تقنية blockchain.
من الضروري على دول الخليج والعالم العربي حيث انها تعتمد بالدرجة الأولى على أنظمة وبرمجيات غربية، وتكون تحت رحمة هذه الشركات وخاصة دول الخليج فهي تحاول في كل مرة تنتج برامج جديدة وتبعها على هذه الدول وتحصل على عقود، رغم علمي ان هذه الأنظمة التشغيلية هناك اتفاقيات وعقود تدفع في حال اخلت بالعقد او استمرارية تقديم الخدمة، الا ان الاعتماد الكامل على الشركات والدول، يضعف من فرص الابتكار في العالم العربي لمثل هذه البرامج وأنظمة التشغيل، وهذا يتطلب لعدم حدوث كارثة اكبر او ضرر يجعل هذه الدول في شلل او رحمة هذه الشركات، على هذه الدول تحديث الأنظمة بانتظام، والتأكد من ان جميع الأنظمة والبرمجيات محدثة بأحدث الإصدارات لتجنب الثغرات الأمنية، وانشاء نسخ احتياطية للبيانات لضمان استعادة العمليات بسرعة في حالة حدوث عطل، مع التدريب والتوعية على افضل ممارسات الامن السيبراني وتوعيتهم بالمخاطر المحتملة، مع اعداد خطة طوارئ تشمل جميع السيناريوهات المحتملة مع اجراء تدريبات دورية للموظفين، وعدم الاعتماد على مزود واحد لتقليل المخاطر المرتبطة. ونحن على يقين ان الدول الخليجية لديها من الخطط والبرامج الاحتياطية لمواجهة مثل هذه الازمات، الا ان هذا لا يمنع من ضرورة إيجاد برامج وطنية محلية.
ستبقى حادثة الجمعة اختبار للمستقبل ومن الضروري ان نتعلم من هذه التجربة على تعزيز انظمتنا التقنية وتطوير خطط الطوارئ لضمان استمرارية الاعمال في مواجهة الازمات المستقبلية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال