الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
صدر عن وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان مشكورةً دليل استرشادي لمراجعة المشاريع، نشرت نسخته الثالثة مؤخراً في شهر مايو من هذا العام 2024م، وقد خصص الدليل في إيضاحه للنظرة العامة للمراجعة الداخلية بنداً للمراجعة الداخلية في الجهات الحكومية، ورد التأكيد فيه على (13) مهمة بارزة لوحدة المراجعة الداخلية أولها: التأكد من التزام الجهة بالأنظمة واللوائح والتعليمات والإجراءات المالية والتحقق من كفايتها وملاءمتها، والعاشرة منها هي: تحديد مواطن سوء استخدام الجهة لمواردها المالية والبشرية وتقديم ما يمكن الجهة من معالجتها وتلافيها مستقبلاً، إلا أن الدليل قد خلا من النص صراحة على عمليات التقاضي، كخطر محتمل، له أثرٌ ونتائج متعدية، تتجاوز موضع النزاع، مما يستجوب إدارةً كاملة، وتحليلاً دقيقاً لقياس الأبعاد ومختلف النتائج، فالشواهد القضائية الثابتة والمنشورة كشفت عن مخاطر بالغة متنوعة، ذات تكاليف مالية عالية، إذ قد تنتهي علمية التقاضي بفسخ كامل للمشروع، أو بإلغاء بعض القرارات المرتبطة به بشكل تام أو جزئي في مرحلة واحدة، أو في مراحل متعددة من دورة حياة المشروع، أو تنتهي إلى الإلزام بإجراءات محددة (جديدة بالكلية، أو وقع إهمال في العمل بها)، أو الحكم بالتعويض نتيجة الوقوع في إجراءات مخالفة.
إن خلو الدليل من النص أو الإشارة إلى عمليات التقاضي وما ينتج عنها، في ظل صدور توجيه مفصل من مجلس الوزراء الموقر بتاريخ:06-02-1442هـ الموافق:23-09-2020م، أوجب: [تقيد الجهات الحكومية بالأحكام النهائية، وما يتقرر من مبادئ قضائية، وتوفيق ممارساتها الإدارية معها، وقيام الإدارات المختصة في الجهات الحكومية، بعد جمع الأحكام القضائية النهائية الصادرة في الدعاوى المقامة ضد الجهات وتصنيفها بحسب الموضوعات والأنظمة ذوات الصلة بها، باستخلاص الممارسات الملغاة بموجب الأحكام النهائية، إضافة إلى وضع مؤشرات أداء للإدارات المعنية بتقديم الخدمات تتضمن بياناً بعدد الممارسات الملغاة بموجب تلك الأحكام، وما اتخذ بشأنها من إجراءات تصحيحية، مع وضع الخطط والحلول التي تضمن من خلالها الجهات الحكومية تصحيح الممارسات والإجراءات وعدم استمرارها على ذات الممارسات والإجراءات الملغاة]، وما أكده ذلك التوجيه: [من مراعاة تضمين أدلة العمل والسياسات والإجراءات بما في ذلك النظم الإلكترونية بياناً بالممارسات غير السليمة التي يتعين عدم الوقوع فيها]، هو إغفال لأمر جوهري، وإبرازاً لذلك نتناول في هذا المقال أهم المواضع الرئيسية التي حصل فيها ذلك الإغفال، مع التعريج على مثال قضائي يجلي تلك الأهمية، ويوضح بعضاً من دوافع التفصيل التي حفل بها قرار المجلس.
الموضع الأول: عند تحديد الدليل أبرز المخاطر المرتبطة بأعمال المراجعة الداخلية على المشاريع، فعلى سبيل المثال: أحد الأحكام القضائية الذي نشر في مجموعة الأحكام والمبادئ لعام 1439هــ، صدر حكم القضاء الإداري فيه: بإلزام إحدى أمانات المحافظات باعتبار أحد العقود الاستثمارية التي باشرت إبرامها مع شركة استثمارية سارياً إلى تاريخ:04-03-1451هـ الموافق:16-07-2029م علماً بأن العقد قد أبرم (قبل قرابة 21 سنة من تاريخ الدعوى القضائية) وذلك بتاريخ:29-01-1418هـ، نتيجة طرح الموقع للاستثمار دون دراسة فيما يتعلق بأثر المشروع على البيئة، أو المناطق المجاورة، وفي غياب تام للتنسيق مع جهات حكومية كثيرة تدخلت كل واحدة منها لإيقاف المشروع، وأنه كان من المتعين على الأمانة التحقق من الموقع وجاهزيته، وأخذ الموافقات السابقة من تلك الجهات بحسب اختصاصها، وهذا النتيجة استند القضاء فيها على تقرير واف ومفصلٍ ووفقاً للطبيعة صدر عن لجنة مشكلة من أعضاء من الوزارة المشرفة على الأمانة ومن موظفين ذوي مراتب عليا.
الموضع الثاني: عند تحديد الدليل مداخل ومؤشرات الفساد، لأن استمرار الجهة في الوقوع في الممارسات الإدارية الملغاة بالأحكام القضائية أحد المداخل والمؤشرات المهمة، ومن أبرز تلك الممارسات: الامتناع صراحة عن تنفيذ الأحكام القضائية النهائية خاصة ما يتعلق منها بمراحل الانتقال ضمن المشاريع الممتدة، فعلى سبيل المثال: أحد الأحكام القضائية الذي نشر في ذات المجموعة كذلك، يتعلق بعقد أبرمته إحدى أمانات المحافظات لرصد وحصر وتنظيم إيراداتها المالية، ورفع كفاءة تحصيلها ومتابعتها، أثبت بأن الأمانة – بسبب امتناعها عن تنفيذ حكم قضائي نهائي صدر ضدها في عام 1430هـ [بإبطال قرارها بفسخ العقد، وإلزامها بتمكين الشركة المتعاقد معها من الانتقال إلى مرحلة المتابعة والتحصيل] – قد نتج عنه الحكم المنشور في عام 1439هـ بإلزامها بدفع تعويض مالي بمبلغ (83.834.906) ثلاثة وثمانين مليوناً وثمانمائة وأربعة وثلاثين ألفاً وتسعمائة وستة ريالات، إضافة لإلزامها بدفع تكاليف الخبرة بمبلغ (1.500.000) مليونٍ وخمسمائة ألف ريال، وذلك في القضية التي رفعت من الشركة المتضررة في عام 1433هـ، وامتدت على مدى (6) أعوام، والفاحص لأسباب الحكم التي نشرت في (21) صفحة، يجد أن تلك الممارسة (الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي نهائي) من أشد الممارسات خطورة لأنها دفعت بتلك الأمانة للوقوع في ممارسات ملغاة أخرى متتابعة، وإجراءات خاطئة متلاحقة، هي بلا شك سبب في تعاظم الإضرار بالمتعاقد، وتبعاً لذلك ارتفاع قيمة تعويضه.
الموضع الثالث: عند تحديد الدليل أبرز العمليات الخاصة بتنفيذ المشروع بالرغم من أن الدليل قد أورد (21) عملية، فعلى سبيل المثال: أحد الأحكام القضائية الذي نشر أيضاً في ذات المجموعة، أصدر القضاء الإداري فيه حكماً عاجلاً على إحدى أمانات المحافظات بإيقاف تنفيذ قرارها بسحب أحد مشروعاتها لصيانة وريّ الحدائق والمزروعات، لقيامها بإجراءات لم تذكر ضمن بنود العقد سببت ضياعاً لساعات العمل المحسوبة على المقاول وأضافت ساعات عمل خارج ساعات العمل الفعلية، كما قامت تلك الأمانة بناء على ذلك بترسية المشروع على مقاول آخر، إلا أن المقاول الجديد اعتذر عن تلك الترسية؛ لأن المشروع يسير على الوجه المطلوب، ولما في تنفيذ قرار الأمانة من خسائر كبيرة من هلاك المزروعات والمسطحات الخضراء وتعطيل شبكات وتمديدات السقي والري التي كلفت خزينة الدولة ملايين الريالات فقد تصدى القضاء الإداري على وجه السرعة للدعوى، وأصدر حكمه بإيقاف التنفيذ.
الموضع الرابع: عند مراحل إغلاق المشروع، مع أن نتائج الأحكام القضائية ذات تأثير مباشر فيها، فعلى سبيل المثال: أحد الأحكام القضائية الذي نشر في مجموعة الأحكام والمبادئ لعام 1442هــ، حكم القضاء الإداري فيه على إحدى أمانات المناطق بإعادة مبلغ (67/1.206.821) مليون ومئتين وستة آلاف وثمانمائة وواحد وعشرين ريالاً وسبع وستين هللة، لصالح مقدم خدمات هندسية استشارية وإشرافية على أحد مشاريعها المنتهية في مطلع العام 1435هـ، لأنها لم تقدم أمام القضاء الإداري إيضاحاً لسبب التذرع بالازدواجية في حسم ذلك المبلغ على مقدم الخدمة، وقامت بذلك الحسم من غير جواب مشروع يبين أحقيتها فيه، رغم إتاحة الدائرة القضائية لها المرافعة والإجابة عن الدعوى التي استمرت على مدى عامين فقد بدأت القضية في عام 1440هـ.
إن تلك الشواهد تؤكد بأن العملية القضائية عندما ترتبط بالمشاريع الحكومية لا يكفي في معالجتها الالتزام بإدارة المخاطر فيها فقط والتي تكون متزامنة أو لاحقة، بل يلزم التحقق من وجود إدارة دائمة للمخاطرة أي إدارة مبادرة وسابقة للأحداث، وكلا النوعين (إدارة المخاطر وإدارة المخاطرة) قد تميزت برامج رؤية المملكة في الوفاء بها وتطبيقها بمهنية فنية متجددة – سيتم بإذن الله التعريج على إيضاحها وتقديم أمثلتها في مناسبة أخرى – إلا أن الشاهد الأقرب مساساً بموضوع المقال هو ما أوضحته تفاصيل الدليل الوطني لإدارة المشاريع الصادر عن هيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية (إكسبرو) التي تكشف في جانب حديثها عن إدارة المخاطر، بأن التجارب في إدارة المخاطر ذات التنوع التاريخي من أنواع المخاطر والتعرض لها في مختلف القطاعات، تظهر التحديات التي ترتبط بتوظيف مقاربة موحدة متسقة لإدارة المخاطر، وأن تلك المقاربة الأصل فيها استمرار التحديث والتطوير، وبناء على ما سبق من شواهد قضائية -كانت بلا شك تحت نظر مجلس الوزراء الموقر في إصدار توجيهه الصريح المفصل – فإن على الجهات الحكومية التي ترتفع فيها مخاطر عمليات التقاضي أن تعمل بشكل جاد مع الهيئة المختصة، على إيجاد معيار خاص، ومستقل بالعملية القضائية، وأنه لا يكفي أن ينظر لتلك المخاطر كأمر ضمني مشار له في عبارة المخاطر القانونية/التنظيمية، لأن الوقائع بين يدي القضاء قد أوضحت عدم اعتبار مخاطر عمليات التقاضي من ذلك النوع، فضلاً عن أن العملية القضائية قد تثمر عن واقع قانوني/ تنظمي جديد هو باستقلال محلاً للمخاطر.
إن الدليل الصادر عن الوزارة مع تسميته بالدليل الاسترشادي، والنص في باطنه على أن ما تضمنه لا يعدو أن يكون تعليمات استرشادية، إلا أن نشره مع ما خلا منه من النص على عمليات التقاضي في ظل صراحة قرار مجلس الوزراء الموقر وتأكيده على وضع الخطط والحلول التي تضمن تصحيح الممارسات والإجراءات، وعدم استمرارها، وتضمين كل ذلك في أدلة العمل والسياسات والإجراءات، ووجود جهة معنية بالشأن ذات اختصاص أصيل، أمر يستوجب مراجعة فاحصة، وتداركاً لذلك الإغفال في أقرب التحديثات التالية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال