الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يجمع خبراء الاقتصاد على أن برامج الذكاء الاصطناعي المنتشرة بكثرة في الوقت الحاضر وبشكل متسارع، تشكل خطرا متزايد على وظائف العاملين بالقطاعات المختلفة، على غِرار ما فعلته الثورة الصناعية الثالثة واحلال الآلات والروبوتات مكان ملايين الوظائف خلال العقود الماضية، ويرون أن الذكاء الاصطناعي يشكل تهديدا متزايدا لأعداد كبيرة من الوظائف التي أصبح العاملون فيها يخشون من تلاشيها، وقيام “روبوت” بها عوض عنهم وفق لتقنية الذكاء الاصطناعي بحيث تقوم بالمهام المطلوبة بدقة متناهية، بل وقد تتفوق على مهارات الموظفين، فضلا عن أنها لا تتعرض لما يتعرض له البشر من تعب وتضجر وتفاوت في الإمكانات والقدرات بينها، ولا يحتاجون للإجازات أو أي أسباب أخرى للانقطاع كالبشر، فضلا عن أن التكاليف أقل وغير ذلك من المزايا.
وقد جاء في تقرير حديث لصندوق النقد الدولي إن الذكاء الاصطناعي بصدد إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، وأنه قد يؤدي إلى القضاء على ملايين الوظائف، وقدر التقرير أنها قد تصل إلى (33٪) من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة في خطر، و (24٪) في الاقتصادات الناشئة، و (18٪) في البلدان منخفضة الدخل، وهذا التفاوت قد يعود إلى أن الاقتصادات الناشئة تملك حصص أقل من الوظائف التي تتطلب مهارات عالية موازنة بالاقتصادات المتقدمة، مما يجعلها من المرجح أن تكون أقل تأثرا، إلا أنها بالمقابل ستكون أقل جني لفوائد الذكاء الاصطناعي، وذلك بسبب التفاوت في البنية التحتية اللازمة، ومع أن التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى فقدان وظائف عديدة على مستوى العالم، وقدرها بنك الاستثمار غولدمان ساكس بما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل، إلا أنه سوف يزيد في نسبة الناتج العالمي تقدر بمقدار (7٪)، وكذلك سوف ينشأ وظائف جديدة تتطلبها برامج الذكاء الاصطناعي وقد تكون برواتب أعلي من التي فقدت.
ومما لا شك فيه أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تغيير الكثير من المجالات، وله فوائد جمة في نمو الاقتصاد والصناعة وزيادة الإنتاجية وتخفيض التكاليف، وقلة الرقابة، وقلة الأخطاء مما يزيد في معدل السلامة المهنية، وهو كذلك له تأثير إيجابي على كل العلوم التقنية والطبيعية والاجتماعية والثقافية والترفيه وجودة الحياة وما إلى ذلك من مجالات، إلا أنه لا محالة من سطوته على الوظائف، فإن لم تعزز الحماية ستولد آثار كارثية على سوق العمل، فهو يختلف عما تم سابقا حينما تم مكننة الاقتصاد فقد ترك للإنسان مجالا للعمل وإدارة العمليات، وما تم هو إدخال أدوات أكثر حداثة ونفعا مع بقاء الإنسان يديرها، مثل الاستعاضة عن الحيوانات بالجرارات والعربات، أما في هذه المرحلة فالسطو قد لا يكون للإنسان مكان أو في أفضل الأحوال سيقلص دوره بشكل كبير.
موضوع حماية الوظائف من سطوة الذكاء الاصطناعي هو موضوع مهم للغاية وأهتم به اهتمام كبير، وأثير حوله الكثير من النقاشات من قبل العديد مراكز الدراسات والمؤسسات الاقتصادية والتنموية العالمية، وعقد له مؤتمرات وندوات متخصص، وعملة دراسات واستقصاءات لقياس أثره في فقدان الوظائف وغيرها. والتوصية بتقنين حلول عديدة فعالة لمواجهة هذه التحديات بشكل مبتكر، ومن ذلك إعادة تصميم برامج التدريب والتأهيل لوظائف مستقبلية يقتضيها استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجالات المختلفة، بحيث يمكن للموظفين تعلم مهارات جديدة تتماشى مع التطورات التقنية مع التركيز على المهارات والقدرات البشرية، وتطوير المهارات التي يصعب على الذكاء الاصطناعي تقليدها، مثل الإبداع والتفكير النقدي.
وعليه فإن التوسع العالمي في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المجالات المختلفة والتي في سباق مع الزمن لتجاوز الفكر والقدرات البشرى الذي يؤكد المختصون أنهم أصبحوا أكثر تأكد من تحقيقه، وهذا يستوجب علينا أن نأخذ الأمور بجدية ونتعمق أكثر في سطوة الذكاء الاصطناعي من خلال مراكز الأبحاث لوضع حلول استباقية مبتكرة لحماية الوظائف من سطوة الذكاء الاصطناعي، ويمكن للحكومات والشركات العمل معا لتطوير برامج تدريبية ومبادرات تركز على إعداد القوى العاملة للمستقبل وفق متطلبات الحماية من سطوة الذكاء الاصطناعي عبر دعم الأفراد ورواد الأعمال لإنشاء مشاريعهم الخاصة، ويمكن هذا أن يخلق فرص عمل جديدة ويعزز الاقتصاد الوطني، والتوازن بين الأتمتة والوظائف البشرية، ويجب التوسع في وضع قوانين وسياسات تحمي حقوق العمال وتضمن العدالة في توزيع الفرص من سطوة الذكاء الاصطناعي، ويمكن للشركات أن تتبنى استراتيجيات تجمع بين الأتمتة والعمالة البشرية، مما يحقق أقصى استفادة من التكنولوجيا وتقنية الذكاء الاصطناعي دون التضحية بالوظائف مع إطلاق برامج ومبادرات توعوية وتثقيفية وتنظيم منتديات وملتقيات ومؤتمرات لمناقشة هذا، ووضع حلول مبتكرة ونشر الوعي حول تأثيرات الذكاء الاصطناعي وكيفية التكيف معها، وكيف يمكن أن يساعد هذا في تقليل المخاوف وتحضير المجتمع للتغيرات المتوقعة مستقبلا، وخلق تعاون دولي من خلال تبادل الخبرات وأفضل الممارسات بين الدول، ومن الوظائف المتوقع الاستغناء عنها، مثل الوظائف مدخلي ومحللي البيانات ومحللي الأسواق ومصممي التطبيقات والغرافكس، ووظائف التسويق الإلكتروني، وصناعة المحتوى والإعلام والكتابة الفنية والصحافة، والمحامين والمتعاملين في المجال القانوني، والمحاسبين، والمصرفيين، ووظائف المعلمين والمستشارين الاقتصاديين ومتاجري الأسهم وخدمات العملاء وغيرها من الوظائف.
وهذه بعض الأفكار التي تم التطرق فيها إلى حماية سوق العمل من آثار كارثية إن لم يحسن التعامل معها وحماية الوظائف من سطو الذكاء الاصطناعي القادم وبقوة، والذي أصبح متطلب بشري دولي ضروري لا غنى عنه للأفراد والدول في التطوير في كل النواحي من اقتصاد وطاقة وعمران وتجارة وصناعة وثقافة ورياضة وفن وتعليم ورفاهية وجودة حياة وحتى في المجال الطبي، وذلك من خلال القاعدة النبوية الشريفة “لا ضرر ولا ضرار”، بحيث لا تحرم البشرية من نعمة الذكاء الاصطناعي وفوائده الجمه اللامتناهية، ولا تحرم من نعمة العمل وفوائده الاقتصادية وغيرها وتجنب أثارها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال