الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعكس مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج التقدم التكنولوجي والابتكار في اقتصاد الدولة، فمع إدخال الشركات لتقنيات وأساليب إنتاج جديدة، فإنها تصبح أكثر كفاءة في تحويل المدخلات إلى مخرجات، إذ إنها تستطيع زيادة مستويات الإنتاج دون زيادة مقابلة في استخدام المدخلات، مما يعزز إجمالي النمو الاقتصادي. وعلى مستوى اقتصاد الدولة، يتم احتسابه عن طريق قسمة إجمالي الإنتاج على المتوسط المرجح للمدخلات، والذي يشمل كلاً من العمالة ورأس المال، حيث يمثل الجزء من الإنتاج الذي لا يمكن تفسيره بكمية المدخلات المستخدمة، بل يتجاوز النمو في هذه المدخلات من العمالة ورأس المال. كما يشير ارتفاع مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج إلى تخصيص بكفاءة أفضل للموارد المستخدمة، فالاقتصادات التي تتمتع بإنتاجية أعلى لعوامل الإنتاج تكون أكثر قدرة على المنافسة في السوق العالمية. ويعتبر مؤشر عوامل الإنتاج محددًا مهماً للنمو الاقتصادي على المدى الطويل، وغالبًا ما يستخدم لتقييم الكفاءة الشاملة والقدرة التنافسية للاقتصاد. ولذا فإن إنتاج السلع والخدمات بكفاءة أعلى، يمكن لهذه الاقتصادات خفض التكاليف، وتحسين جودة المنتج، واكتساب ميزة تنافسية في التجارة الدولية.
وفي حالة المملكة العربية السعودية، فقد تم اعتبار تحسن مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج ضرورة أساسية لتعظيم العوائد الاقتصادية، وتعزيز القدرة التنافسية، والحد من الاعتماد على عائدات النفط. فعلى مدى عقدي الثمانينات والتسعينات، شهد مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج تذبذباً حاداً، حيث بلغ -30.3 في عام 1982، ثم قفز إلى +10.65 في عام 1990، لكنه أخذ في الاستقرار النسبي بعد عام 2010، وإن كان غالبه جاء في النطاق السالب، ما يعكس ضعف دور التكنولوجيا والابتكار، قبل أن يشهد صعوداَ إلى +1.56 في عام 2022 وإلى +1.78 في الربع الأول 2024.
وقد انعكس ذلك على نمو إجمالي الناتج المحلي، الذي ارتفع بنسبة 7.48% في عام 2022، غير أنه تراجع بنسبة -0.75% في عام 2023، ليصل إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة إلى 3.47 تريليون ريال.
يأتي ذلك بعد أن بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا كبيرة في تعزيز إنتاجية العوامل الإجمالية من خلال مبادرات مختلفة ضمن رؤية 2030، حيث استثمرت الحكومة بكثافة في برامج التعليم والتدريب لتطوير قوة عاملة ماهرة، إلى جانب دعم الأطر المؤسسية على قيادة الابتكار والتقدم التكنولوجي، (الرسم البياني رقم 1).
الرسم البياني رقم 1: تأثير إجمالي عوامل الإنتاج على النمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية
إن العلاقة بين مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج والنمو الاقتصادي الحقيقي معقدة ومتشابكة، إذ من الضروري ملاحظة أنها ليست علاقة خطية. ويمكن للعوامل الخارجية مثل السياسات الحكومية، والبيئة التنظيمية، والجودة المؤسسية، والظروف الاقتصادية العالمية أن تؤثر على مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، قد يختلف مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج عبر القطاعات داخل الاقتصاد، مما يؤدي إلى تباينات في معدلات النمو القطاعية. ويشكل إجمالي تكوين رأس المال الثابت وهو القيمة الإجمالية للاستثمارات في الأصول الثابتة مثل الآلات والمعدات والبنية التحتية علاقة معقدة وديناميكية مع مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج، حيث يلعب كلا المتغيرين أدواراً أساسية في دفع النمو الاقتصادي والتنمية، ولكنهما يتفاعلان بطرق مختلفة. لكن غالبًا ما تكون إنتاجية العوامل الإجمالية وإجمالي تكوين رأس المال الثابت عاملين متكاملين في تعزيز النمو الاقتصادي. وفي حين أن مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج يمثل كفاءة استخدام المدخلات لإنتاج المخرجات، فإن إجمالي تكوين رأس المال الثابت يعكس مستوى الاستثمار في الأصول المادية التي تعزز القدرة الإنتاجية الإجمالية. فعندما تحقق الاقتصادات تحسناً في إجمالي عوامل الإنتاج، من المرجح أن تستثمر في التقنيات الجديدة، وترقية مخزونها من رأس المال الثابت لزيادة وتعزيز قدرتها التنافسية وعوائدها الاقتصادية. ولذا فإن اتجاه العلاقة السببية بين إجمالي تكوين رأس المال الثابت وإجمالي عوامل الإنتاج ليست أحادية الاتجاه، بل ثنائية الاتجاه، حيث يؤثر كل عامل على الآخر ويعززه في علاقة ديناميكية.
وفي المملكة العربية السعودية تتضح هذه العلاقة الثنائية الاتجاه بين إجمالي تكوين رأس المال الثابت ومؤشر إجمالي عوامل الإنتاج، حيث يؤثر كل عامل على الآخر ويعززه بطريقة دورية، إذ أنه من خلال توسيع مخزون الأصول المادية مثل البنية التحتية والآلات والمعدات، فإن إجمالي تكوين رأس المال الثابت يعزز القدرة الإنتاجية للاقتصاد، مما يؤدي إلى تحسن مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج. وقد اتسم مسار نمو إجمالي تكوين رأس المال الثابت بتقلبات كبيرة، حيث شهد بشكل خاص ارتفاعًا حادًا إلى 28.6% في عام 2023 بعد تسجيل معدلات نمو سلبية في عامي 2019 و2021، ليصل في النهاية إلى 1.02 تريليون ريال سعودي. ومع ذلك، فإن تأثير إجمالي تكوين رأس المال الثابت على النمو الاقتصادي لا يعتمد فقط على كمية الاستثمارات، ولكن أيضًا على جودة الاستثمارات وكفاءة استخدام رأس المال. وتتميز العلاقة بين إجمالي تكوين رأس المال الثابت وإجمالي عوامل الإنتاج بآليات التعزيز المتبادل والتغذية الراجعة، وهذا هو المكان الذي تلعب فيه عوامل الإنتاج دورًا حاسمًا، حيث تعكس الكفاءة الإجمالية لتخصيص الموارد، والتقدم التكنولوجي، والإبداع في الاقتصاد، وهي أمور ضرورية لتحويل رأس المال المادي إلى إنتاج يتجاوز المدخلات، (الرسم البياني رقم 2).
الرسم البياني رقم 2: العلاقة ما بين إجمالي الاستثمارات الثابتة ومؤشر إجمالي عوامل الإنتاج
يعد مؤشر التعقيد (التنوع) الاقتصادي، الذي يعتمد على صادرات الدولة، مقياساً بديلاً لمؤشرات الاقتصاد الكلي التقليدية كمؤشر متفوق للنمو الاقتصادي، إذ توجد علاقة إيجابية بين مدى تعقيد (تنوع) المنتجات التي تصدرها الدولة ومؤشر إجمالي عوامل الإنتاج. وإن إنتاج منتجات أكثر تنوعاً يمكن أن يعزز إجمالي عوامل الإنتاج داخل الصناعات. ويرتبط تنوع المنتجات بتراكم الخبرة لرأس المال البشري، الذي يمكن أن يؤدي بالتالي إلى تعزيز الإنتاجية. وتميل الدول المتقدمة التي تحظى بمجموعة أكثر تنوعًا في القدرات إلى إظهار قدر أكبر من التنوع الاقتصادي، وهو ما يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي على مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج. كما يعد التقدم التكنولوجي عاملاً حاسماً يؤثر على زيادة التنوع الاقتصادي وكذلك إجمالي عوامل الإنتاج، وبما يساهم في تحقيق النمو الاقتصادي. ويتم تفسير هذه العلاقة بين التنوع الاقتصادي وتحسن مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج من خلال مفهوم مساهمة اقتصاد المعرفة، التي تؤدي إلى تجاوز مستويات الإنتاج لمستويات المدخلات، أو تحقيق نفس المستوى من الإنتاج بمدخلات أقل. وبالنسبة للمملكة، بين عامي 1996 و2010، أظهرت العلاقة بين مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج ومؤشر التنوع درجة عالية من التقلب، مع ثبات مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج في الغالب في نطاق المنطقة السلبية. وقد أدت هذه الفترة من التقلبات إلى بقاء مؤشر التعقيد (التنوع) الاقتصادي منخفضاً ليتراوح بين 0.1 و0.2 فقط. غير أنه في الفترة من 2010 إلى 2023، كان هناك اتجاه تصاعدي ملحوظ في مؤشر إجمالي عوامل الإنتاج، وإن كان لا يزال غالبه في المنطقة السلبية، لكنه تميز بانخفاض حدة التقلبات. ونتيجة لذلك، أظهر مؤشر التنوع الاقتصادي ارتفاعاً مطرداً ليصل إلى +0.78 في عام 2021 قبل أن يشهد انخفاضاً طفيفاً إلى 0.70 في عام 2022، (الرسم البياني رقم 3).
الرسم البياني رقم 3: العلاقة ما بين مؤشر التعقيد (التنوع) الاقتصادي ومؤشر إجمالي عوامل الإنتاج
إنه وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا كبيرة لتعزيز دور إجمالي عوامل الإنتاج من خلال مبادرات مختلفة، حيث استثمرت في رأس المال البشري وذلك بهدف تطوير قوة عاملة ماهرة، وفي تكوينات الاستثمارات الثابتة والتكنولوجيات الرقمية في القطاعات التي تهدف إلى تحسين الكفاءة والقدرة التنافسية وتشجيع الابتكار. كما قامت برفع القيود وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال وتشجيع نمو القطاع الخاص بهدف تحسين مساهمة إجمالي عوامل الإنتاج والتحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. لقد كان التفاعل بين إجمالي عوامل الإنتاج، وإجمالي تكوين رأس المال الثابت، والتعقيد (التنوع) الاقتصادي والنمو الاقتصادي على مدى هذه العقود متقلباً، بسبب عوامل مختلفة، أهمها التقلبات الحادة في أسعار النفط، وتغير توجهات السياسات العامة، وبطء مواكبة التقدم التكنولوجي، والظروف الاقتصادية العالمية، لكنه شهد تحسنا نسبياً من بعد الأزمة المالية الدولية، قبل أن يتراجع بحدة في فترة أزمة كورونا 2020، ثم شهد تحسناً ملحوظاً بعدها، والذي جاء مدفوعاً ببرامج ومبادرات رؤية المملكة 2030.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال