الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعد الصياغة التشريعية تخصصاً مهماً ينبغي الاهتمام به بشكل خاص، ولايزال السوق – سواءً الحكومي أو القطاع الخاص- متعطش له بشكل كبير، ولأول مرة في المملكة تكون سرعة الحكومة، وتحولها أسرع من القطاع الخاص، طبعاً يعود ذلك لأسباب عديدة، ولا يهدف هذا المقال لمناقشتها، ولكن مع هذا الحراك المتسارع تحت مظلة (رؤية 2030)، وعلى الوجه الأخص المجال التشريعي، فقد تنامى بسرعة كبيرة لدرجة لا يمضي أسبوع تقريباً إلا ويصدر تعديل أو إصدار تشريعي جديد! وهذا بالطبع لها مزايا وسلبيات، ولكننا في هذا المقال سنركز على الصائغ والمهتم بالصياغة التشريعية؛ كون التطورات المتسارعة للتشريعات -أو كما يحب البعض تسميتها بـ التنظيمية- التي تشهدها المملكة، والتي تهدف إلى تطوير واستغلال أهم المزايا المتوفرة لدينا – المستغلة وغير المستغلة- فتعد عملية الصياغة التشريعية واحدة من المجالات الحساسة التي تتطلب دقة ومعرفة عميقة بالسياسات العامة، أو الخاصة بمجال محدد كالملكية الفكرية على سبيل المثال، والأنظمة واللوائح -وما في حكمها-؛ كونه إذا لم يفهم الصائغ الغاية من وراء مشروع مقترح تشريعي معين، فلن يستطيع إيصال، ووضع وصياغة أحكامه بشكل واضح، ومع تسارع وتيرة التطورات الاقتصادية والاجتماعية، أصبح من الضروري من جانب الصائغ، والجهات الحكومية؛ الاستثمار في تدريب وتطوير العاملين لديها في هذا المجال لضمان جودة المخرجات ، وقدرتها على تلبية احتياجات الدولة والمجتمع، وفي هذه المقالة سنستعرض بعضاً من تلك الأدوات.
فحُسن الصياغة، وسلامتها، ووضوحها، وثباتها؛ تعتبر أحد المؤثرات الهامة في امتثال المخاطب بها، والمساهمة في تطوير الجانب الاقتصادي للمملكة، كون التعديل التشريعي يهدف في العادة إلى سد الفجوات التشريعية أو تحسين الوضع الحالي، فبالتالي العملية تكاملية بداً من السياسة الخاصة بالجانب الاقتصادي، مروراً إلى الأدوات التشريعية، وتطبيق النص النظامي من قبل الجهة المختصة، انتهاءً بالمخاطب به وهو المشتغل بالقطاع الاقتصادي، فالمسألة تحتاج إلى تطوير وتحسين لكل الأطراف في هذه العملية، وهدف هذا المقال تسليط الضوء على الطرق الممكنة لتحسين مهارات المهتم بالصياغة التشريعية.
تتطلب الصياغة التشريعية مهارات عالية في اتقان الأساسيات في قواعد اللغة العربية، ومعرفة أساليب الصياغة القانونية الوطنية، والفهم العميق للوثائق التشريعية، والسياسات العامة ، وهذا يأتي من خلال المطالعة المستمرة والدورية للوثائق التشريعية بمختلف أنواعها على سبيل المثال؛ المنشورة على منصة (استطلاع)، أو المركز الوطني للوثائق والمحفوظات أو الموقع الالكتروني لهيئة الخبراء،؛ لمحاولة فهم الفروقات بينها وسبب استخدام المشرع لوثيقة دون وثيقة تشريعية أخرى، فهذه المطالعة تعطي للصائغ أو المهتم بهذا المجال آخر وأحدث الأساليب التشريعية التي وصلت لها الجهات محلياً، وماهية الألفاظ المستخدمة للتعبير عن فكرة معينة، وماهية الألفاظ أو المصطلحات التي أصبحت في طي النسيان كمصطلح “السفتجة” الوارد في نظام المحكمة التجارية الصادر عام 1350هـ.
بعد ذلك ينتقل الصائغ إلى مرحلة المقارنة مع الدول الأخرى سواءً الخليجية أو العربية أو الدولية، وما تصدره المنظمات الدولية من وثائق تشريعية – سواءً استرشاديه أو إلزامية- كمنظمة الأمم المتحدة متمثلة بأحد لجانها وهي لجنة (الاونيسترال)، والتقارير التي تصدرها المنظمات الدولية على سبيل المثال التقارير الصادرة عن (OCED) أو ما تسمى بـ (منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية)، والمنظمات الدولية المتخصصة كونها تُصدر في بعض الأحيان بعض القواعد العامة التي تعطي تصور مبدئي لكيفية معالجة هذه الاتفاقية أو المعاهدة أو القانون الاسترشادي؛ لمشكلة معينة يواجهها الصائغ، فلا نعيد اختراع العجلة من جديد، بل نستفيد من الآخرين وممن سبقونا بالتجربة، فهذه الأدوات تساعد الصائغ على معرفة الاختلاف بين الصيغ، والحلول المتبعة لدينا مقارنةً بالدول الأخرى، مما تساهم في رفع جودة الصياغة.
كذلك لابد على الصائغ التشريعي اكتساب المهارات التالية: التحليل، والتفكير الناقد، والعمل الجماعي، ومهارات التعامل مع برامج الأوفيس، فهذه المهارات أعتبرها – من وجهة نظري- شيء أساسي لا يمكن التنازل عنه، فهي تمثل أركان متينة لشخصية الصائغ التشريعي، فعملية الصياغة وإصدار الوثائق التشريعية، ليست مجرد سرد قانوني ومعرفة قانونية، فكل مشروع مقترح يخاطب فئة مختلفة، ونشاط مختلف، لهذا على الأقل يفُضل الاطلاع والقراءة حول المجال بشكل عام – كونه من المفترض وجود مختص خارجي أو داخلي ذو علاقة بالنشاط- ومراجعة الوثائق التشريعية ذات العلاقة بالمجال الذي يرغب بتنظيمه، لمعرفة آليات المعالجة القانونية المستخدمة في هذا المجال، ، فكل هذه العوامل تساهم في رفع جودة ودقة المخرجات التشريعية، مما يضمن وضوح النصوص القانونية وسهولة تنفيذها.
من الجهود المشكورة في هذا الشأن برنامج (تطوير الإدارات القانونية) داخل الجهات الحكومية، كونها المعني بشكل أكبر من القطاع الخاص بهذا المجال، وكذلك قيام بعض المراكز بتقديم برامج للخريجين الجدد في هذا الشأن، ولكن لا يزال السوق متعطشاً لمزيد من البرامج المتخصصة، لزيادة أعداد العاملين في هذا التخصص، كونهم للان لا يغطون الحاجة، ولاتزال جودة المخرجات تحتاج لمزيد من التحسين، وتمكين للمتخصصين – على ندرتهم- من العمل بشكل أكبر وإعطاءهم المزيد من الأدوات، أحدها هو عامل الوقت، وهذا يحتاج لمقال للحديث عنه لوحده.
في الختام يُعد تخصص الصياغة التشريعية، ليس مجرد عمل يقوم به أي قانوني أو شرعي بمجرد حصوله على الشهادة الجامعية، فهو يحتاج لمهارات وأدوات معينة، تختلف عن ممارسة المحاماة، أو الاستشارات القانونية، أو التدريس الأكاديمي، يحتاج لمتفرغين للعمل فيه حتى يتشبع هذا التخصص من المتخصصين فيه، وبعد ذلك يمكن لبعض المتخصصين القانونيين أو الأكاديميين من الدخول فيه، ومزاحمة أعمالهم مع هذا العمل، التنوع مطلوب بلا شك، ولكن الأولوية للمتخصصين المتفرغين ابتداءً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال