الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في أواخر القرن العشرين الميلادي – الخمسينات الميلادية – ظهــر في الأفق مدرسـة في تحليل الشركات المدرجة في السوق المالي والشركات الخاصة ولم تـكن بالزخم المطلوب من قبل بفضل جهود ماركيزتـز وويليام شارب وروبرت شيـلر و الأصحـاب من جـيل منتصف القرن الاقتصادي الرائع. المدرسـة التي جلبت الأضواء لهـا بين زحام تطور الأسواق المـالية وأساليب التحليل المالي والكمـي والرياضـي ومعادلات التسعـير العادل وضوضاء المشتقات المالية وغيرها، مدرسـة التحليل بالنسب الماليـة هي سيـدة التمحـور الأن و نقطـة الحديث، ومن بين هوامشـها الطويلـة ظهـر المؤشـر الأشهـر من بين القرناء ” مكـرر الأرباح “، التي سيطر على معادلـة تسعيـر الأوراق المالـية طويلًا، حتى ظهر فيه الكثيـر من النقـد والجدل بعد سنين طِوال من خدمـة الأسواق وعلوم التحليل و القـرار.
مكرر الأرباح هي نسـبة مالية تربط بين سعر السهم وبين أرباح الشركــة (السعر للسهم / الأرباح لكل سهم) ويطلق عليها أيضًـا مكرر السعـر، وتعتبـر من أشهر مقاييس التقييم على الإطلاق على الرغم من وجود عدد هائل من النسب المالية المنـافسـة. سعر السهم هو السعـر السوقي للسهم والأرباح لكل سهـم هو صافي الدخل للشركـة مقسوم على عدد الأسهم القائمـة. مكرر الأرباح يشير الى كم سيدفـع السوق لسـعر السهم مقابل أرباح الشركـة، ارتفاع المكـرر دليل على رغبـة مشاركي السوق في دفع مبلغ عالـي مقابـل أرباح الشركـة التي تولدهــا. المستثمرون لديهم رؤيتان لمكرر الأرباح المرتفع مقارنة بالقطـاع، الأولى هي أن سعر الشركـة مبالغ فيه مقارنـة في أرباحهـا وتعتبـر بذلـك ذات تقييم غير عادل، الجانب الأخر من المستثمرين يرون بأن مكرر الأرباح المرتفع دليل كافي على تفاؤل السوق في مستقبـل الشركـة ولذلك يطلبون شراء أسهمـها بسعـر مرتــفع.
استثمار القيمة – استراتيجية المستثمـر الشهير وارن بافيت – يختار الأسهم ذات مكـرر الأرباح المنخفضة (مع عوامل أخرى للاختيار) بسبب أنه قد يكون هذا الانخفاض في المكرر هو أن الشركـة ” المـاسة ” لم يتم اكتشافها بعد من السوق، في الجانب الأخـر هم متبعي إستراتيجيـة استثمار النمو، ويختارون الشركات ذات مكررات الأرباح المرتفعـة بسبب توقعهم بأن السوق لم يتفاءل بهذه الشركـة الا أنهـا من المتوقع لها النمو في المستقبل بشكـل كبيـر. لا يوجـد هناك رقم قياسي يمكن الاستناد عليـه في تحليل مكرر الأرباح – يجب مقارنته مع مكررات أرباح قطاع الشركـة ومكرر الأرباح للشركـة عبر تاريخهـا – ويتـأثـر المكرر بشكل كبير بصافي أرباح الشركـة والذي يتأثر هو بدوره بكثير من العوامل منها الاقتصاد الكلي والجزئي ومعدلات النمو والتضخم والضرائب والعوامل المحاسبـية والأحداث غير التشغيلـية للشركـة وغيرها.
بعـد أيـام طويلـة لا تُنسى له، بـدأ النقـد ينهـش كبيـر الســن مكــرر الأرباح، تركز النقد على أنه بإمكان الشـركـة التلاعب في صافي أرباحهـا بشكل نظامي باستخدام معايير محاسبـية متشددة أو متساهـلة، يؤثر هذا على المكـرر بشكـل سلبي أو إيجــابي. النقــد الأخر جاء من رواد النمـو، فمكـرر الأرباح لا يأخذ في عين الأعتبـار نمو الشركة المستقبلي ويعتمد فقط على وضعهـا المالي الحـالي. لم تُشفى جراح مكرر الأرباح بعـد حتى أنتُقِد من جديد بسبب اختلاف المكرر بين قطاعـات السوق بشكل كبيـر، حيث لابد من مقارنة المكرر لشركـة ما بالشركـات المنافســة لها تمامـًا، وحتى أنه من الصعب مقارنة مكرر قطاع ما بمكـرر السوق بشكل كامل بسبب هذا الانحراف المعياري الهائـل. أسـتمر الألـم للمكـرر بنقد رابـع له بأنـه لا يأخذ بعين الأعتبـار الهيكل التمويلي للشـركة، حيث إنـه يتجـاهل الديون تمامًا والتي تعتبر جزء مهم للتحلـيل المالي.
بسبب النـقد لمكـرر الأربـاح ظهرت البدائل سريعًـا، نموذج خصم التدفق النقدي للشركـة (DCF Model)، مكرر السعـر إلى المبيعات، مكرر السعر إلى التدفق النقدي التشغيلي أو الكامل، السعـر الى القيمة الدفترية، السعر إلى النمو في الأرباح وقيمـة المنشأة (بالديون) إلى الربح التشغيلي قبل خصم الضريبة والفوائد والإهلاك كلها بدائل رائــعة لتحليل عدالــة أسعـار الشركات وتغطي جميع جوانب الشركـة دون تجاهل لعوامل الهيكل التمويلي ومعدل النمو المستقبلي والجوانب الأخرى التي لم يستطع مكرر الأرباح تغطيتها. على الرغـم من هذا القصـور الواضح في مكرر الأرباح الى أنه من الجيد للمستثمرين الدمج بينـه وبين جميـع المؤشرات والنسب الماليـة الأخرى للوصول الى قرار استثماري جيد وتحليل شامل لجميع جوانب الشــركة وعدم الاعتماد عليه وحــيدًا.
النقد الطويل لمكرر الأرباح لـم يُثنيـه بأن يكون المؤشر الأول حتى الان، فهـو الأسهل بين جميع المؤشرات في الحساب، فكل المعطيات يمكن الحصول عليهـا بسهولة دون بذل أي جهد في التعديل والبحث. والجانب الإيجابي الأخر الذي عزز البقـاء له بين الكبـار هو سهولة الاستخدام والمقارنة له، فمجرد الحصول على المكرر يمكن تحديد أذا ما كانت الشركة ذات سعر مبالغ فيه أو لا. بين أعتاب النقـد والثناء بقي مكرر الأربـاح ” المؤشـر العجــوز ” الأشهـر بلا منازع وصاحب الظهور الطـاغي في كل مرة، ولكن كعادة الأسواق والاستثمار والتي تقوم بتصحيح كل هزل وقصـور وبمــرور الوقت واعتياد المستثمرين في الأسواق على مؤشـر بديل سيقوم مقـام المُـسن مكرر الأرباح، سيكون حينهـا في الهوامــش كما هو حال الجمـيع من قبلــه.
اقتـباس اقتصادي: “الثروة لا تتكون من امتلاك ممتلكات عظيمة، ولكن في امتلاك رغبات قليلة.” — إبيكتيتوس
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال