الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل ما يواجه العالم مؤخرا من تغير مناخي سببه الرئيسي زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الجو والذي هو أحد النواتج الثانوية من استخدام وإنتاج المواد البترولية فإنه من الضروري البحث عن البدائل للحد من هذه الانبعاثات. هذا بالإضافة الى نقص المصادر الأولية مثل بعض المعادن وبالمقابل زيادة النفايات. في القرن العشرين بدأ ما يسمى بنموذج الاقتصاد الخطي (وهو الاقتصاد المستحدث بعد الثورة الصناعية والمبني على إيجاد المصادر لاستخدامها في الصناعة ومن ثم استخدام المنتج النهائي وفجأة يصبح زائد عن الحاجة ويجب التخلص منه في مرمى النفايات). قد بني الاقتصاد الخطي على أساس التزايد المطرد لطلب المستهلك والذي تم دعمه بنمو سريع للمصانع بالاعتماد على مصادر سهلة ورخيصة.
ان مثل هذا النموذج الاقتصادي ومع زيادة الإنتاج والوفرة في المواد الأولية أفقد المنتج قيمته الملموسة. فقد يقوم شخص بشراء قلم أو هاتف نقال ولا يلقي له أي اهتمام ويتخلص منه بسهولة بسبب انه لم يعجبه أو أنه لم يعد بحاجة اليه. بالواقع لم يعلم المستهلك ما تم استخدامه من مصادر أولية وطاقة حتى وصل المنتج للمستهلك. وفجأة يعتبر الشيء الذي كان في يوم من الأيام من الحاجات الأساسية وخلال وقت بسيط جدا أصبح مشكلة جيل بأكمله وتسمى التعامل مع النفايات. هذا النموذج من الاقتصاد (انظر الشكل ١) لا يتوافق مع مبدأ الاستدامة. ان المصادر المستخدمة حاليا وعلى الأقل في المستقبل القريب في تناقص مستمر مما يجعلها نادرة وبالتالي ارتفاع الأسعار. وخصوصا انه تم استخدام أكثر المصادر السهلة مثل (البترول والغاز الطبيعي والمعادن وغيرها). الامر الذي زاد الطين بلة هو ان أكثر ما تم تصنيعه للاستخدام في وقت ما، لم يتم التخطيط لطريقة التخلص منه أو الاستفادة من المواد الأولية المصنع منها بشكل يتوافق مع البيئة. الأمر الذي بدوره زاد من وجود المخلفات في مرامي النفايات بشكل مزعج حتى طال ذلك البيئة وللأسف البحار والأنهار.
ان من المهم زيادة وعي المجتمع بأهمية المصادر في البيئة والقيمة الفعلية للمنتج بين يدي المستهلك. وفي نفس الوقت يجب إيجاد طريقة ناجحة للانتقال من النموذج الاقتصادي الخطي التقليدي وذلك عن طريق الشركات المصنعة. يجب أن يكون تطبيق ذلك باستخدام مصادر متجددة (طاقة ومواد) وطريقة تصنيع خضراء بحيث تكون منتجات صديقة للبيئة وقابلة لإعادة التدوير. ان استخدام مصادر متجددة وإعادة استخدام وتدوير المنتجات يقلل من النفايات مما يسهل في تحقيق نموذج الاقتصاد الدائري والذي يساهم في الاستفادة القصوى من المصادر وبالتالي تقليل النفايات. يتحقق ذلك باستخدام المصادر في الصناعة واستخدام المنتج ثم إعادة استخدامه عند عدم حاجة المستهلك الأول حتى يصبح غير قابل للإستخدام. عندها يتم إعادة صناعته حسب الإمكان بحيث يستخدم في شيء آخر وعند تعذر ذلك يتم إعادة تدويره بحيث يستفاد من مواده الأولية لصناعة شيء جديد. انظر الشكل (2) نموذج الاقتصاد الدائري.
ان مثل هذا التحول يتطلب توافر جهود ثلاث جهات أساسية. بداية بالمستفيد وهو المجتمع ثم الشركات المصنعة ومن ثم التشريعات سواء كانت قرارات حكومية أو غيرها. هذه العناصر الثلاث مهمة جدا في اكتمال عملية التحول والتي اذا خُطط لها بشكل جيد تم التحول بسهولة وفي فترة وجيزة. اذا بدأنا بالمجتمع فإنه هو العنصر الأساسي في هذه المعادلة فيجب أن يتقبل الفكرة من أساسها. ربما تكون التشريعات عامل ضغط على الجهات المصنعة لإجراء عملية التحول ولكن يبقى المستفيد وهو المجتمع هو الذي يقرر هل يستخدم تلك السلعة أو الخدمة أم لا. ربما لا يستطيع المجتمع الاستمرار في رفض التحول لاسيما إذا لم يتوفر البديل ولكنه يزيد من الوقت والجهد على الطرفين الآخرين حتى يتم التحول. ان زيادة الوعي لدى المجتمع وتفهم الجهات المشرعة لمثل هذه التغيرات وتوفر الأبحاث الكافية لعمليات الصناعة يمهد الطريق لتحول سلس تتكاتف فيه الجهود لتوفير سلع أو خدمات تتسم بالاستدامة وفي وقت قصير.
ان نقص الموارد وزيادة النفايات هو مؤشر خطير للدلالة على تهديد الاستدامة حتى عند أفضل المجتمعات تطبيقا للاستدامة. لذا يجب الشروع في تطبيق تصاميم مستدامة تبدأها مراكز الأبحاث في الجامعات وغيرها ووضع تشريعات تتناسب مع احتياجاتنا ومجتمع واع يتسم بالثقافة المناسبة للمشاركة والمساهمة في مثل هذا التغير. ان تكاتف الجهود من قبل جميع هذه الاطراف يساهم حتما في سرعة إنجاح الاقتصاد الدائري وذلك تحقيقا لرؤية المملكة 2030 وتحقيقا لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال