الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن الأوراق المالية تعد من أهم وأبرز أدوات الاستثمار في وقتنا الراهن، وذلك نظرا لما توفره من مزايا مهمة للمستثمر لا تتوفر في غيرها من أدوات الاستثمار، كما أنها تعد ركن الحياة لأسواق الأوراق المالية، وذلك لكونها السلعة الوحيدة التي تتداول فيه، وتتنوع هذه الأوراق في هذا العصر نظرا للمرونة التي تحكم هذا الموضوع، فهي قد تأتي بشكل أسهم تصدرها الشركات، وقد تأتي بشكل سندات أو حصص تأسيسية أو وثائق استثمارية أو غير ذلك من الأشكال.
ومن أهم خصائص هذه الأوراق المالية هي قابليتها للتداول بالطرق المشروعة، وهذه هي الخاصية الأبرز والأهم بالنسبة للمساهمين، فيستطيع المساهم تداول ورقته حيثما شاء ومتى ما شاء كأصل عام، فالورقة المالية التي يتخلف فيها هذا العنصر تفقد ماهيتها، بل إن خاصية تداول الأوراق المالية هو المعيار الأكثر قبولا ووضوحا للتفريق بين شركات الأموال وشركات الأشخاص.
ولما كان الهدف الرئيس للمستثمرين في أسواق الأوراق المالية تحقيق أكبر ربح ممكن من وراء هذه الأوراق، فقد يعمد بعض المستثمرين لسلوكيات غير مشروعة لتحقيق عائد أضخم، مما يجعله يضرب بالقوانين عرض الحائط، مما يشكل معه خطرا على حقوق المستثمرين الأخرين، وخطرا أكبر على اقتصاد البلد، لذلك عمدت الدول في تشريعاتها المنظمة لسوق الأوراق المالية إلى تجريم كل التصرفات التي تشكل خلل في ترسانة سير الأعمال بمشروعية ونزاهة، وأنشأت لها الهيئات المختصة، ففي المملكة العربية السعودية تختص هيئة السوق المالية عبر أذرعتها في مراقبة نشاط الأوراق المالية والتأكد من نزاهة التعاملات فيها، مستعينةً بأنظمة الدولة وأجهزتها المختصة.
وأما عن تعريف الأوراق المالية فقد عرفها الدكتور صلاح أبو طالب بأنها “الصكوك التي تصدرها أشخاص اعتبارية عامة كالدولة أو الهيئات العامة، أو الخاصة كشركات الأسهم (المساهمة والتوصية بالأسهم)، وتخول الصكوك ذات الإصدار الواحد لحامليها حقوقا متماثلة، وتقبل التداول بالطرق التجارية، وقابلة للقيد ببورصات الأوراق المالية”، وأما عن تعريف المعلومات الداخلية فقد عرفتها هيئة السوق المالية في كتيب نشر على موقعها الرسمي بأنها:” أي معلومة تتعلق بورقة مالية متداولة ولا تكون معلنة لعموم الجمهور وليست متوافرة لهم بأي شكل آخر، ويدرك الشخص العادي بالنظر إلى طبيعتها ومحتواها أن إعلانها أو توفيرها للجمهور يؤثر تأثيرا ً جوهريا في سعر الورقة المالية أو قيمتها”، إذا مما سبق يتضح أن تعريف المعلومات الداخلية يدور حول معلومات سرية محددة، غير متاحة لعموم الجمهور، يطلع عليها أشخاص بحكم عملهم أو علاقاتهم (يسمون المطلعين)، ولو أطلع عليها عموم الجمهور لأثرت في سعر الورقة والمركز المالي للشركة، وتدور هذه المعلومات في فلك الأدوات المالية للشركة، سواء بالنفع (الشراء)أو بالضر (البيع) لسعر الورقة. وأما المقصود بالشخص المطلع على البيانات الداخلية فقد عرفه النظام بأنه أي شخص يحصل بحكم علاقة عائلية أو علاقة عمل أو علاقة تعاقدية على معلومات داخلية.
ولتحقق جريمة تداول الأوراق المالية بناء على المعلومات الداخلية للشركات لابد من تضافر جميع الأركان التي تصبغ على الفعل صفة التجريم، أول هذه الأركان هو الركن المفترض أو ما يسمى بصفة الفاعل، ومن ثم يأتي الركن المادي والركن المعنوي، فإن اكتملت هذه الأركان وفق النموذج القانوني للجريمة استحق فاعلها العقاب المقرر
أولا: الركن المفترض:
إن المقصود بالركن المفترض هو أن تتطلب الجريمة وجود صفة خاصة في فاعل الجريمة، وقد ثار نزاع قانوني حيال تطلب النظام السعودي للصفة الخاصة في الجاني، فقال بعضهم أن هذه الصفة غير متطلبة في النظام المالي السعودي، بينما قال بعضهم أن النظام تطلب هذه ولم يحدد كون الشخص مطلع أو لا، والحقيقة أن النظام وضع الصفة شرط في قيام الجريمة، وتكمن هذه الصفة في حصوله على المعلومات الجوهرية المؤثرة على سعر الورقة، فلو قام شخصين بتداول هذه الأوراق في وقت واحد وتوفرت المعلومة عند أولهم ولم تتوفر عند الآخر فلقد انعقدت الجريمة في حق الأول فقط، وهذا ما يؤكده نص المادة خمسين من نظام السوق المالية، وخلاصة القول في هذه الركن أن النظام السعودي جعل الشخص المطلع والشخص غير المطلع في منزلة سواء من حيث التجريم، وجعل مناط الأمر في الحصول على المعلومة بغض النظر عن الطريقة، فمتى تم الحصول على المعلومة وتم التداول بناء عليها فلقد عقد هذا الركن.
ثانيا: الركن المادي:
يتكون الركن المادي من سلوك ونتيجة وعلاقة سببية تربط بينهما، وهذا يكون في جرائم الضرر، وأما جرائم الخطر فإن الركن المادي فيها يتكون من السلوك وحده، والذي يحدد ذلك هو المنظم وغايته وأهدافه، فهناك دول تعتبر جريمة تداول الأوراق المالية بناء على المعلومات الداخلية للشركات من جرائم الضرر، أي لابد من قيام السلوك وتحقق النتيجة ووجود العلاقة السببية التي تربط بينهما، بينما هناك دول أخرى تعتبرها من جرائم الخطر، وفي النظام السعودي فإن هذه الجريمة هي من جرائم الخطر، فباستقراء القرارات القضائية التي تصدرها لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية نجد أن جريمة تداول الأوراق المالية بناء على المعلومات الداخلية من جرائم الخطر، أي يكفي فيها توفر السلوك دون النتيجة، وقد جاء في أحد أحكام لجنة الاستئناف “النتيجة ليست عنصراً من عناصر الركن المادي، فغياب النتيجة لا يؤثر في اكتمال أركان الجريمة وفقاً لنظام السوق المالية، طالما أن المتهم قام بالعمل قاصداً إيجاد تلك النتيجة”، وكذلك نصت لجنة الاستئناف على مبدأ مهم في هذه المسألة، حيث قالت “مخالفة التداول بناءً على معلومة داخلية تتحقق بمجرد شراء الأسهم، أو وضع أمر دون تنفيذه استنادًا إلى هذه المعلومة الجوهرية التي لم تعلن لعموم الجمهور، ولا يشترط البيع، أو بلوغ حجم معين في التداول، أو الأرباح حتى تكتمل شروط المخالفة وأركانها”، فنستنتج أن النظام السعودي جرم فعل التداول بناء على المعلومات الداخلية للشركات عينه، ولم يعلق ذلك على تحقيق منفعة أو مصلحة من وراء ذلك التداول، وهذا من شأنه تحقيق الحماية الواسعة للمتعاملين في السوق، ولا ينتظر لقيام المنفعة لتجريم الفعل، إلا أننا نجد أن النظام السعودي تفرد عن معظم قوانين سوق المال بإيراده لحالات تقع على وجه الحصر في لائحة سلوكيات السوق، وهي الخمس حالات المذكورة في المادة الرابعة سواء في الشكل المباشر أو غير المباشر.
ثالثا: الركن المعنوي:
إن المقصود بالركن المعنوي هو نية الجاني عند ارتكابه للجريمة، وتتكون من مدى العلم ومدة الإرادة، والقصد الجنائي أو العمد هو اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب سلوك مخالف للقانون وإرادة نتيجته مع العلم بكافة مكونات الجريمة، وبالنظر لنص المادة 50 من نظام السوق المالية السعودي نجد أن المنظم اشترط توفر القصد الجنائي العام لقيام جريمة تداول الأوراق المالية بناء على المعلومات الداخلية للشركات، إذ يلزم لقيام هذا الركن علم الجاني سواء كان مطلع أو غير مطلع بحيازته على معلومات جوهرية لم تتاح للجمهور للاطلاع عليها، مع اتجاه نيته لاستغلال هذه المعلومات بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويثور التساؤل حول انتفاء القصد الجنائي لدى المتهم عندما يعلم بالمعلومات الداخلية ويحتفظ بالأسهم ويبيعها بعد الإعلان، هل هو قد ارتكب جريمة تداول الأوراق المالية بناء على المعلومات الداخلية أم انتفى الركن المعنوي في ذلك؟
وبالرجوع إلى المبادئ التي أقرتها اللجنة نجد أنها قالت في صدد تناولها لقضية من نفس هذا الجنس أن ” لا عبرة بالاحتفاظ بالسهم أو بيعه بعد إعلان الشركة المدرجة عن الخبر محل المعلومة الداخلية للدلالة على انتفاء القصد الجنائي أو رفع المسئولية الجنائية لمخالفة المادة الخمسين من نظام السوق المالية”.
وأخيرًا فبعد انعقاد هذه الأركان الثلاثة فإن المخالف يستحق العقوبة المنصوص عليها في نظام هيئة السوق المالية، لما ارتكبه من فعل ينافي المشروعية ونزاهة التعاملات في أسواق المال.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال