3666 144 055
[email protected]
الأنمي، ذلك العالم الساحر الذي يأخذنا في رحلات خيالية إلى عوالم بعيدة وشخصيات ملهمة، ليس مجرد وسيلة ترفيهية بريئة. بل هو أداة قوية، قادرة على التأثير في عقول الملايين حول العالم، مما يجعله ساحة خصبة لتطبيقات الهندسة الاجتماعية.
الهندسة الاجتماعية ليست دائماً عبارة عن عملية مدروسة ومعقدة، بل قد تكون أحياناً بسيطة ولكنها فعالة.. في دراسة أجرتها مؤسسة Pew Research Center عام 2023 وجدت أن 45% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا في الولايات المتحدة يعتقدون أن وسائل الإعلام، بما في ذلك الأنمي، تلعب دورًا مهمًا في تشكيل مواقفهم الاجتماعية والسياسية. كما أظهرت الدراسة أن 62% من المشاهدين يتأثرون بشكل كبير بالرسائل الثقافية والاجتماعية المضمنة في البرامج التلفزيونية والأنمي.
الأنمي، كوسيلة قوية للتعبير الفني، يحمل في طياته رسائل ثقافية واجتماعية قد تؤثر على سلوكيات ومعتقدات جمهوره. من خلال قصص تتناول قضايا مثل العدالة، الحب، والصداقة، يمكن لهذه الرسائل أن تعزز أو تغير من القيم الاجتماعية السائدة،
فالشعبية الجارفة التي يتمتع بها الأنمي تجعل منه منصة مثالية للترويج لأفكار معينة أو نشر رسائل ذات طابع اجتماعي أو سياسي. قد يكون هذا التأثير غير مباشر ولكنه مؤثر، حيث يمكن استخدام القصص والشخصيات للترويج لأيديولوجيات محددة، سواء كانت تتعلق بالقضايا البيئية، الاجتماعية، أو حتى السياسية. في دراسة نشرتها مجلة International Journal of Social Science and Humanity عام 2022، تبين أن الأنمي الياباني يُستخدم بشكل متزايد كأداة لنشر رسائل سياسية وأيديولوجيات معينة،وأشارت إلى أن 30% من الأنمي الجديد الذي صدر بين عامي 2018 و2022 يتضمن رسائل واضحة تتعلق بالقضايا الاجتماعية مثل العدالة الاجتماعية، المساواة بين الجنسين، والبيئة.
تحتوي بعض الأنميات على رسائل أيديولوجية قد تبدو خفية ولكنها تتسلل إلى عقل المشاهد بمهارة. هذه الرسائل قد تحاول توجيه تفكير الجمهور أو تغيير معتقداتهم تجاه قضايا معينة دون أن يشعروا بذلك. في دراسة نشرتها Journal of Media Psychology عام 2022، تبين أن 35% من الأنميات تحتوي على رسائل أيديولوجية مخفية تهدف إلى تغيير تفكير المشاهدين تجاه قضايا معينة. ووجدت الدراسة أن هذه الرسائل قد تؤثر بشكل غير مباشر على مواقف الشباب تجاه القضايا الاجتماعية والسياسية.
ولا يمكن إغفال القوة التجارية للأنمي وتتجلى الهندسة الاجتماعية هنا في استخدام الأنمي كأداة تسويقية فعالة ، من خلال ربط شخصيات مشهورة بمنتجات معينة، ويمكن للمسوقين التأثير على رغبات المستهلكين وتحفيزهم على شراء هذه المنتجات دون وعي منهم بأنهم يتعرضون لتلاعب نفسي. وفقًا لدراسة أجرتها شركة Statista عام 2023، بلغ حجم سوق الترويج للمنتجات من خلال الأنمي 20 مليار دولار عالميًا ، هذا الرقم يعكس تأثير الترويج غير المباشر عبر شخصيات الأنمي الشهيرة، حيث أظهرت الدراسة أن 54% من المشاهدين يميلون إلى شراء المنتجات التي يروّج لها في الأنمي وشخصياته المحبوبة ، ويتمكن المسوقون من بناء روابط عاطفية بين الجمهور والمنتجات، مما يجعل عملية الشراء تبدو أكثر جاذبية. أظهر تقرير من Business Insider في عام 2023 أن الأنمي الياباني يحتل المرتبة الثانية كوسيلة للتسويق المؤثر بعد الأفلام السينمائية. وذكر التقرير أن 48% من المشاهدين ينجذبون إلى المنتجات التي يروج لها من خلال الأنمي، مما يعزز فعالية هذه الطريقة في التسويق.
بينما تؤثر الهندسة الاجتماعية في الأنمي على الجمهور العام، فإن تأثيرها على الأطفال يعد أكثر أهمية وحساسية. الأطفال في مراحلهم الأولى من الحياة يتعلمون من خلال التقليد والمحاكاة، والأنمي يمكن أن يكون له تأثير كبير على تشكيل قيمهم وسلوكياتهم. في دراسة أجرتها American Academy of Pediatrics عام 2022 أشارت إلى أن الأطفال الذين يتعرضون لمحتوى عنيف في الأنمي أكثر عرضة لتطوير سلوكيات عدوانية.
بالإضافة إلى ذلك، بعض الأنميات قد تعزز الصور النمطية المتعلقة بالجنسين، مما يمكن أن يؤدي إلى تشكيل أفكار غير متوازنة لدى الأطفال حول دور الرجل والمرأة في المجتمع ،هذه الصور النمطية قد تؤثر سلبًا على نموهم الاجتماعي والفكري.
كما أن بعض الأنميات تحتوي على مشاهد مخيفة أو قصص ذات طابع سوداوي، وهذا يمكن أن يسبب القلق والخوف لدى الأطفال، مما قد يظهر في شكل كوابيس أو خوف من مواقف مشابهة في الحياة الواقعية.
من الناحية التجارية، تأثير الأنمي على الأطفال يمكن أن يكون كبيرًا أيضاً. الهندسة الاجتماعية المستخدمة في الترويج للمنتجات قد تؤدي إلى خلق رغبة ملحة لدى الأطفال لامتلاك تلك المنتجات، مما يعزز من ثقافة الاستهلاك لديهم. وفقًا لدراسة من Business Insider، أظهرت أن 48% من الأطفال الذين يشاهدون الأنمي يميلون إلى طلب المنتجات التي يشاهدونها في هذه البرامج.
في عالم مليء بالرسائل المتشابكة والموجهة، يصبح من الضروري تطوير وعي نقدي يمكننا من قراءة ما بين السطور والقدرة على تحليل وفهم الدوافع الحقيقية وراء المحتوى يمكن أن يحمي الجمهور، وخاصة الأطفال، من الوقوع ضحية لتلاعب نفسي غير مباشر. في تقرير من Harvard University صدر عام 2023 أشار إلى أن تطوير مهارات التفكير النقدي بين الشباب يقلل من تأثير الرسائل الموجهة في وسائل الإعلام بنسبة تصل إلى 40% ،وأكد التقرير على أهمية إدراج برامج تعليمية تركز على النقد الإعلامي ضمن المناهج الدراسية.
الفهم الواعي للمخاطر المرتبطة بالهندسة الاجتماعية في الأنمي يمكن أن يكون درعًا فعالاً. من خلال نشر الوعي وتوعية الجمهور بالأساليب التي قد يستخدمها البعض للتأثير عليهم، يمكننا تقليل تأثير هذه الأساليب وضمان تجربة ترفيهية أكثر نقاءً. دراسة من Oxford Internet Institute في عام 2022 وجدت أن 70% من مستخدمي الإنترنت الشباب لا يدركون تمامًا تأثير الهندسة الاجتماعية عليهم، مما يبرز الحاجة إلى زيادة التوعية. كما أن الدراسة أشارت إلى أن الحملات التوعوية عبر الإنترنت يمكن أن تقلل من تأثير التلاعب النفسي بنسبة تصل إلى 30%.
الأنترنت مليء بالمعلومات، ولكن ليس كل ما يقال أو ينشر يكون صحيحاً. التحقق من مصادر المعلومات المتعلقة بالأنمي يساعد في الحماية من المعلومات المضللة، ويعزز من القدرة على مقاومة التلاعب النفسي. وفقًا لدراسة أجرتها Reuters Institute for the Study of Journalism في عام 2023، فإن 58% من مستخدمي الإنترنت يعتمدون على مصادر غير موثوقة للأخبار والمعلومات، مما يجعلهم عرضة للتضليل والتلاعب. وأكدت الدراسة على أهمية تعزيز مهارات التحقق من المصادر لمواجهة هذا التحدي.
لمواجهة هذه التأثيرات، أدركت المملكة العربية السعودية أهمية حماية مجتمعها، وخاصة الأطفال والشباب، من التأثيرات السلبية للهندسة الاجتماعية عبر المحتوى الترفيهي مثل الأنمي.
أصدرت المملكة مجموعة من التشريعات والقوانين التي تنظم المحتوى الإعلامي والترفيهي الموجه للجمهور، مع تركيز خاص على حماية الأطفال من التأثيرات الضارة. وتمثل الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في السعودية دوراً محورياً في مراجعة وتقييم المحتوى الإعلامي، بما في ذلك الأنمي، للتأكد من توافقه مع القيم الإسلامية والاجتماعية للمجتمع السعودي ،وتراقب أيضاً أي محاولات لنشر رسائل غير ملائمة أو مضللة عبر وسائل الإعلام المختلفة.
كما تعمل المملكة على رفع مستوى الوعي المجتمعي حول مخاطر الهندسة الاجتماعية وتأثيراتها السلبية من خلال حملات توعوية وبرامج تعليمية تستهدف الأسر والشباب. هذه الحملات تشمل تنظيم ورش عمل ومحاضرات توعوية في المدارس والجامعات لتعريف الطلاب بكيفية التعرف على الرسائل الموجهة في وسائل الإعلام وكيفية التعامل معها بشكل نقدي. كما يتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي بشكل أوسع وأسرع.
ومن بين الاستراتيجيات التي تتبعها المملكة للحد من التأثيرات السلبية للمحتوى الخارجي، تشجيع إنتاج محتوى محلي يعكس قيم وثقافة المجتمع السعودي. هذا التوجه يشمل دعم إنتاج أنمي سعودي يتناول قصصاً وشخصيات تعبر عن الهوية الثقافية السعودية وتقدم قدوة إيجابية للأطفال والشباب. هذا الإنتاج المحلي يهدف إلى توفير بدائل صحية وآمنة يمكن أن تنافس المحتوى الخارجي وتلبي احتياجات الجمهور المحلي، مما يقلل من الاعتماد على المحتوى الأجنبي الذي قد يحمل رسائل غير متوافقة مع القيم الاجتماعية للمجتمع السعودي.
كما تلعب الأسرة دورًا رئيسيًا في حماية الأطفال من التأثيرات السلبية للهندسة الاجتماعية في الأنمي. تشجع الحكومة السعودية الأسر على مراقبة المحتوى الذي يشاهده أبناؤهم ومناقشة الرسائل التي يتم طرحها في هذا المحتوى. يتم تعزيز دور الأسرة من خلال برامج توعية تدعم الحوار بين الآباء والأبناء حول تأثير وسائل الإعلام وكيفية التعامل معها بوعي. هذه التوجيهات تساعد على بناء جدار من الحماية حول الأطفال، يمنع تسلل التأثيرات السلبية إليهم دون إدراك.
إضافة إلى الجهود المحلية، تشارك المملكة العربية السعودية في جهود دولية لمكافحة التأثيرات السلبية للهندسة الاجتماعية في الإعلام، وذلك من خلال التعاون مع منظمات دولية وحكومات أخرى لوضع سياسات مشتركة تهدف إلى حماية الأطفال والشباب على مستوى عالمي. هذه الشراكات تسهم في تبادل الخبرات وأفضل الممارسات في مجال تنظيم الإعلام وحماية الجمهور من التلاعب النفسي.
الهندسة الاجتماعية في الأنمي تمثل تحدياً كبيراً للجمهور الواعي. يجب علينا أن نبقى متيقظين، نحلل ونتفحص المحتوى الذي نستهلكه، لنضمن أن تكون تجاربنا الترفيهية نقية وخالية من التلاعب النفسي. وفي النهاية، يجب أن نكون نحن من يسيطر على المحتوى، وليس العكس. ومن خلال التشريعات، التوعية، ودعم الإنتاج المحلي، تسعى المملكة العربية السعودية إلى حماية مجتمعها من التأثيرات الضارة للمحتوى الترفيهي الموجه عبر الهندسة الاجتماعية، مع الحفاظ على توازن بين الترفيه والأمان النفسي والاجتماعي للمواطنين.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734