الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أصبح العالم اليوم أكثر إدراكًا لأهمية الاستدامة في الأعمال التجارية، حيث لم تعد المعايير التقليدية للأداء المالي وحدها كافية لتحديد نجاح الشركات. بدلاً من ذلك، باتت المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة جزءًا أساسيًا من معادلة النجاح المستدام. وفي هذا السياق، تلعب مجالس الإدارات دورًا محوريًا في توجيه الشركات نحو تحقيق هذه الأهداف.
تشير معايير البيئة والمجتمع والحوكمة إلى مجموعة من المعايير التي تُستخدم لتقييم أداء الشركات في ثلاثة مجالات رئيسية: البيئة، وتشمل تأثير الشركة على البيئة من خلال ممارساتها مثل تقليل الانبعاثات الكربونية، واستخدام الموارد الطبيعية بشكل مستدام؛ المجتمع، ويتعلق بكيفية تعامل الشركة مع علاقاتها مع الموظفين، والمجتمعات المحيطة، والعملاء، بما في ذلك الالتزام بحقوق الإنسان وتعزيز التنوع والشمول؛ والحوكمة، وتشمل ممارسات الإدارة الرشيدة والشفافية، مثل هيكل مجلس الإدارة، وسياسات مكافحة الفساد، والتزام الشركة بقوانين العمل. تساعد هذه المعايير المستثمرين وأصحاب المصلحة الآخرين في تقييم مدى التزام الشركات بالاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، وتأثير ذلك على أدائها المالي وطويل الأجل.
أشارت دراسة من كلية هارفارد للأعمال إلى أن الشركات التي تتبنى هذه المعايير بشكل استراتيجي تحقق أداءً ماليًا أفضل على المدى الطويل مقارنةً بتلك الشركات التي تتجاهل هذه المعايير. ويرجع ذلك إلى أن هذه الشركات تكون أكثر قدرة على إدارة المخاطر، وتكون أكثر استعدادًا للتكيف مع التغيرات البيئية والاجتماعية.
تظهر شركة “يونيليفر” كمثال بارز لقصة نجاح في هذا المجال. تحت قيادة بول بولمان، الرئيس التنفيذي السابق للشركة، اعتمدت يونيليفر خطة الاستدامة الطموحة التي تهدف إلى مضاعفة حجم أعمال الشركة مع تقليل أثرها البيئي إلى النصف. وقد أثبتت هذه الخطة نجاحها، حيث حققت الشركة نموًا مستدامًا وزادت من قدرتها على جذب المستثمرين الذين يفضلون الشركات المسؤولة اجتماعيًا وبيئيًا.
تلعب مجالس الإدارات دورًا حاسمًا في تحديد وتنفيذ الاستراتيجيات المتعلقة بهذه المعايير. ومن هنا، يشدد مايكل بورتر، البروفيسور في كلية هارفارد للأعمال، على أهمية دور القيادة في تبني هذه المعايير. في كتابه “خلق القيمة المشتركة”، يوضح بورتر أن الشركات التي تتبنى هذه المعايير ليست فقط قادرة على تحقيق أرباح مالية، بل تستطيع أيضًا خلق قيمة مشتركة لكل من المساهمين والمجتمع.
تشير شركات الاستشارات الكبرى مثل “ماكينزي” إلى أن المسؤولية عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من ثقافة الشركة. في تقرير صدر مؤخرًا، أوضحت “ماكينزي” أن الشركات التي تمتلك مجالس إدارات تدرك أهمية الاستدامة، تكون أكثر قدرة على تحقيق أهدافها البيئية والاجتماعية. وفي ظل تزايد اهتمام المستثمرين العالميين بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، يصبح من الضروري أن تأخذ مجالس الإدارات في الاعتبار تأثير هذه المعايير على القيمة طويلة الأجل للشركة.
ورغم ذلك، تواجه مجالس الإدارات تحديات كبيرة في دمج هذه المعايير ضمن استراتيجيات الشركات. تتطلب هذه المهمة توفر خبرات متخصصة وفهمًا عميقًا للتغيرات الديناميكية في السوق والبيئة. وفقًا لتقرير صادر عن شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” (PwC)، فإن 37% فقط من أعضاء مجالس الإدارات يشعرون بالثقة في قدرة شركاتهم على تنفيذ الاستراتيجيات المتعلقة بالتنمية المستدامة بفعالية. وهذا يعكس الحاجة الملحة لتطوير مهارات وقدرات أعضاء المجالس في هذا المجال.
في الختام، يتضح أن دور مجالس الإدارات في وضع وتنفيذ الاستراتيجيات المتعلقة بالمعايير البيئية والمجتمعية والحوكمة أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى. من خلال تبني نهج استراتيجي يستند إلى الاستدامة والمسؤولية، يمكن للشركات ليس فقط تعزيز أدائها المالي، بل أيضًا المساهمة في بناء مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا للجميع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال