الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل ما يعيشه عالمنا اليوم من تحديات بيئية غير مسبوقة، يبرز التعليم الأخضر (Green Education) كركيزة أساسية لبناء مجتمعات مستدامة قادرة على مواجهة تحديات المستقبل، ويتجاوز التعليم الأخضر مجرد المفاهيم النظرية البيئية في المناهج والمقررات الدراسية، بل يهدف إلى إحداث تغيير جذري في أسلوب التفكير والسلوك الإنساني، من خلال تبني ممارسات مستدامة في جميع جوانب العملية التعليمية بدءًا من البنية التحتية، ووصولًا إلى الممارسات الصفية واللاصفية، عبر مجموعة واسعة من الممارسات مثل تصاميم المباني المدرسية الصديقة للبيئة، الموفرة للطاقة والمياه، والتي تعمل على استخدام التقنيات الحديثة والمناهج المبتكرة التي تعزز الثقافة البيئية.
أصبحت قضية التعليم الأخضر قضيةً عالمية ملحة، حيث تتضافر جهود الدول والمنظمات لتعزيزه ودمجه في صلب سياسات التعليم العالمية، ومن أبرز تلك الجهود الدولية، إطلاق شراكة التعليم الأخضر (GEP) في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26) عام 2021، والتي تهدف إلى تطوير مناهج تعليمية تراعي البيئة وتطور من قدرات المعلمين والمتعلمين على حد سواء، مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة والحد من تأثيرات التغير المناخي.
وعلى الرغم من أهمية المبادرة الدولية للتعليم الأخضر، إلا أن الدراسة الاستقصائية التي أجرتها منظمة اليونسكو في عام 2021 على (100) إطار وطني للمناهج الدراسية كشفت عن تحديات تواجه تنفيذها، حيث أظهرت الدراسة أن (%47) من المناهج الوطنية لا تذكر تحديات التغير المناخي، وأن (%23) فقط من المعلمين قادرين على طرح موضوع التغير المناخي بشكل مناسب في الصفوف الدراسية، وأن (%70) من الشباب المشاركين في الدراسة لم يتمكنوا من شرح التحديات المناخية التي يواجهها العالم اليوم، وللتغلب على هذه التحديات يجب العمل على تحديث المناهج وتطويرها وتدريب المعلمين على موضوعات المناخ والاستدامة البيئية، وفق أفضل الممارسات العالمية.
ولعل أبرز تجسيد لتطبيق مفهوم التعليم الأخضر هو مشروع المدارس الخضراء والتي تعرف بأنها المدارس التي تعطي أولوية للمسؤولية البيئية والاستدامة والصحة في تصميمها وبناءها وتشغيلها، وفي هذا الاطار عملت مدينة الجبيل الصناعية العضو في شبكة اليونسكو العالمية لمدن التعلم والحائزة على جائزة أفضل مدن التعلم العالمية لعام 2021 على تطبيق هذا المشروع، والذي يعد نقلةً نوعيةً في تطبيق نهج الاستدامة في العملية التعليمة ككل، حيث لا تقتصر المدارس على تعليم الطلبة مفاهيم البيئة النظرية فحسب، بل تسعى أيضًا لغرس قيم المحافظة على البيئة في نفوسهم من خلال تجربة تعليمية تطبيقية مستدامة، بالإضافة إلى ذلك، يتم دمج مبادئ الاستدامة في جميع جوانب الحياة التعليمية، بدءًا من تصميم المباني الموفرة للطاقة والمياه، وصولاً إلى إثراء الأنشطة اللاصفية التي تركز على إبراز القضايا البيئية وتحديات المناخ التي يواجهها العالم.
يعد مشروع المدارس الخضراء بمدينة الجبيل الصناعية، الذي يحظى بدعم من قبل قيادات الهيئة الملكية بالجبيل الصناعية، استثمارًا حقيقيًا في مستقبل الأجيال القادمة، ويساهم هذا المشروع في بناء مجتمع واع ٍ بيئياً، وقادرًا على مواجهة التحديات البيئية المستقبلية، ويرتبط مشروع المدارس الخضراء بشكل مباشر مع مبادرة السعودية الخضراء، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وبما يتماشى مع الهدف الثالث عشر من أهداف التنمية المستدامة (العمل المناخي).
أشارت الدراسات إلى أن الطلاب في المدارس الخضراء يظهرون تحسنًا ملحوظًا في الأداء الأكاديمي حيث تصل نسبة التحسن إلى (20%) بفضل البيئة التعليمية الأكثر صحة، بالإضافة إلى ذلك، تظهر الدراسات أن المدارس الخضراء تستخدم طاقة أقل بنسبة (33%) ومياه أقل بنسبة (32%) مقارنة بالمدارس التقليدية، مما يعكس بوضوح الكفاءة البيئية والاقتصادية لهذا النموذج التعليمي المتقدم.
وتأسيسًا على ما سبق، يتضح جلياً أن التعليم الأخضر ليس مجرد توجه تعليمي عابر! بل هو ضرورة ملحة لمواجه التحديات البيئية المتزايدة، ويمثل تبني مفهوم المدارس الخضراء كنموذج عملي لهذا النهج المتقدم، وخطوةً أساسية نحو تحقيق التنمية المستدامة، إن الاستثمار في التعليم الأخضر وتوفير بيئات تعليمية مستدامة وتنمية الوعي البيئي لدى المتعلمين؛ عوامل تسهم في بناء مجتمع واع ٍ بيئيًا، متطور، وقادر على التعامل بمسؤولية مع موارده الطبيعية، وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال