الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل التحديات المتزايدة في قطاع التصنيع وتعقيدات العمليات التشغيلية، يشهد مفهوم الجودة تحولاً جوهريًا من كونه معيار تقليدي إلى عنصر حاسم يحدد نجاح الشركات وتميزها في سوق شديد التنافسية، ويأتي تقرير الجودة في التصنيع لعام 2024 الصادر عن شركة ETQ، ليؤكد بوضوح أهمية إعادة التقييم وتسليط الضوء على أبرز النقاط الحرجة لضمان بقاء الجودة في صدارة الأولويات الاستراتيجية للشركات، ويستند التقرير إلى دراسة مسحية شملت أكثر من 750 من كبار محترفي الجودة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة وألمانيا.
وما يبرز أهمية هذا التحول الكبير هو التأثير المتنامي لأتمتة ورقمنة العمليات في قطاع التصنيع، مما يساعد في تمكين العاملين في الخطوط الأمامية وتعزيز دورهم في اتخاذ قرارات الجودة، وفي هذا السياق، يُعد التقرير مرجعًا مهمًا يسلط الضوء على الاتجاهات الرئيسة والتحديات والفرص التي يواجهها محترفي الجودة حول العالم، ما يجعله أداة قيمة للشركات الساعية للتكيف مع المتطلبات المتزايدة لأعمال الجودة المتزايدة بشكل مستمر.
ومن أهم النتائج التي أشار إليها التقرير هو الارتفاع الحاد في معدلات استدعاء المنتجات، حيث ذكرت الدراسة أن 73% من الشركات الصناعية شهدت استدعاءً لمنتج واحد في الأقل خلال السنوات الخمس الماضية! بينما أفاد 48% من المشاركين بزيادة في عدد حالات الاستدعاء مقارنةً بالمدة السابقة، هذه الأرقام تظهر التحديات الكبيرة التي تواجه إدارة الجودة، التي قد تؤول إلى تكبد هذه الشركات أجورًا تشغيلية باهظة تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات، بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة التي قد تلحق بالعلامة التجارية للشركات ومعدلات رضا العملاء.
وفي إطار التحديات المتعلقة بالجودة، أظهر التقرير أن 61% من المشاركين في الدراسة أشاروا إلى أن ما يصل إلى نصف حالات سحب المنتجات يمكن أن يُعزى إلى مشكلات تتعلق بالموردين، ما يستدعي العمل بجد على تحسين آليات مراقبة الموردين وضمان امتثالهم لمعايير نظام إدارة الجودة (QMS) بدقة وصرامة، وهو ما يسهم في تقليل المخاطر المحتملة.
وفيما يتعلق بقضايا السلامة، يجب ألا نغفل أبدًا أنها لا تزل تُشكّل مصدر قلق كبير، فالرغم من الوعي المتزايد بها وتمركزها كقضية رئيسة للشركات وقطاعات التصنيع عمومًا، إلا أن 46% من المشاركين في الدراسة أشاروا بأنهم يواجهون بين 11 إلى 20 حادثة سلامة سنويًا، وهذا يؤكد الحاجة الملحة لتعزيز تدابير السلامة والتدريب وإعادة تقييم العمليات لضمان تنفيذ الإجراءات الوقائية بشكل صحيح، خاصةً مع التوسع في استخدام العمالة المؤقتة، ونقص الخبرة.
ولمواجهة هذه لتحديات، تعد تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في التصنيع والعمليات التشغيلية أدوات داعمة في عمليات الإنتاج والجودة في المصانع، بالإضافة إلى عمليات المراقبة التي تساعد على اكتشاف العيوب وتحسين الجودة، والعمل على تحديد الانحرافات المحتملة ومعالجتها فورا، مما يسهم في الحد من حالات استدعاء المنتجات المكلفة، كما تساعد هذه التقنيات في تحليل البيانات والمعلومات وتحديد الأوقات المثالية لأعمال الصيانة وجدولتها، ما يمنع حدوث أي اضطرابات في العملية الإنتاجية ويحافظ على تميز وجودة المنتج النهائي.
ورغم الفوائد الكبيرة لهذه التقنيات، إلا أن دمجها في عمليات الجودة يواجه تحديات كبيرة، منها ارتفاع التكلفة العالية لتطبيق هذه الأنظمة، والتكاليف المستمرة لأعمال الصيانة وتدريب العالمين على استخدامها، كما تواجه الشركات تحديات التكيف مع هذه التقنيات المتقدمة من قبل العاملين، إلى جانب المخاوف من استبدال العاملين بالآلات في المستقبل، ولا يمكن تجاهل التحديات الأمنية المتعلقة بمخاطر تسرب البيانات، وتعطل العمليات، وما يتطلبه ذلك من عمل جاد واحترافي لضمان تحقيق أقصى درجات الاستفادة من هذه التقنيات مع المحافظة على الأمان المعلوماتي والكفاءة التشغيلية.
وخلاصة القول؛ يجب النظر إلى أن الجودة في التصنيع قضية استراتيجية لا غنى عنها، وليست مجرد قيمة مضافة فحسب، فتكاليف الجودة الرديئة تتجلى بوضوح فيما تؤدي إليه من تأثيرات مالية سلبية على الشركات، إلى جانب الضرر الذي يلحق بسمعة العلامة التجارية، وفقدان الموظفين، لذا يصبح من الضروري أن تستمر الشركات في تطوير أنظمة الجودة والتميز لديها وفق أفضل الممارسات العالمية، والاستثمار الأمثل في التقنيات الحديثة التي أتاحتها الثورة الصناعية الرابعة، لضمان تحقيق التميز المستدام، والبقاء في الصدارة في سوق عالمي شديد التنافسية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال