الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عالمنا المعاصر، أصبح الذكاء العاطفي موضوعاً محورياً يلقى اهتماماً متزايداً من قبل الباحثين والمتخصصين في مجالات متعددة. بينما كان التركيز في الماضي منصباً بشكل أكبر على القدرات العقلية والمعرفية، نجد اليوم أن الذكاء العاطفي يلعب دوراً حاسماً في تحقيق النجاح الشخصي والمهني.
تطور مفهوم الذكاء العاطفي بشكل كبير من الأمس إلى اليوم. في البداية، كان التركيز في الأبحاث النفسية على الذكاء العقلي أو المعرفي (IQ)، والذي كان يُعتبر المقياس الأساسي للقدرات الذهنية والنجاح. ومع ذلك، في أواخر القرن العشرين، بدأ الباحثون مثل دانييل جولمان في لفت الانتباه إلى أهمية الذكاء العاطفي (EQ).
في الماضي، كان يُنظر إلى العواطف على أنها عائق أمام التفكير العقلاني واتخاذ القرارات. لكن مع مرور الوقت، أدرك العلماء أن القدرة على فهم وإدارة العواطف يمكن أن تكون عاملاً حاسماً في النجاح الشخصي العملي والمهني. تم تعريف الذكاء العاطفي على أنه القدرة على التعرف على عواطفك وعواطف الآخرين، وفهمها، وإدارتها بفعالية بناء على المدخلات.
يمكن العثور على أمثلة ملموسة للذكاء العاطفي منذ زمن الصحابة. فقد كان رسول الله محمد ﷺ مثالاً رائعاً في التعامل مع الناس بعاطفة ورفق، رغم التحديات التي واجهها. فعندما جاءه الرجل الذي بال في المسجد، تعامل معه النبي ﷺ بحكمة ورفق، حيث أمر الصحابة بعدم مقاطعته ثم طلب منهم تطهير المكان بالماء بلطف، موضحًا أهمية التسامح والفهم العميق لمشاعر الآخرين. هذا الموقف يعكس قدرة النبي ﷺ على فهم العواطف وإدارتها بحكمة، مما يدل على ذكائه العاطفي العالي. ومن الصحابة، يُعتبر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثالاً بارزاً للذكاء العاطفي. فعندما جاءه رجل يشكو سوء معاملة زوجته، تفاجأ عندما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلاطف زوجته ويعاملها بلطف، موضحًا أهمية التفهم والصبر في العلاقات الزوجية. هذا التصرف يعكس فهم سيدنا عمر لمشاعر الآخرين وقدرته على التعامل مع الأمور بحكمة ورحمة.
يعود مفهوم الذكاء العاطفي إلى بدايات القرن العشرين، حيث أشار العلماء مثل “إدوارد ثورن دايك” إلى فكرة “الذكاء الاجتماعي” كجزء من الذكاء العام، مما وضع الأساس لفهم العلاقة بين الذكاء والعواطف. في التسعينات، قدم الباحثان “بيتر سالوفي” و”جون ماير” إطارًا علميًا أكثر تحديداً للذكاء العاطفي، مما ساهم في تعميق الفهم العلمي لهذا المفهوم.
الذكاء العاطفي ليس مجرد مفهوم نظري، بل له تطبيقات عملية واضحة في الحياة اليومية. فعلى سبيل المثال، يُظهر القادة الذين يتمتعون بذكاء عاطفي عالٍ قدرة أكبر على تحفيز فرقهم، وحل النزاعات في بيئات العمل، وبناء ثقافات تنظيمية إيجابية. وفي مجال التعليم، يستخدم المعلمون الذكاء العاطفي لتعزيز التواصل مع الطلاب، وتحفيزهم على التعلم، وتطوير بيئة صفية مشجعة.
وفي العصر الحديث، نجد أن الذكاء العاطفي أصبح أكثر وضوحاً في مجالات مثل القيادة والعمل. على سبيل المثال، يمكن النظر إلى ستيف جوبز، مؤسس شركة “أبل”، الذي على الرغم من شخصيته الصارمة، كان يمتلك قدرة على إلهام فريقه وتحفيزهم لتحقيق ابتكارات غير مسبوقة. جوبز كان معروفاً بفهمه العميق للعواطف البشرية وكيفية استخدامها لتحفيز الإبداع والابتكار وتحقيق النجاح.
تشير الدراسات الحديثة إلى الأهمية البالغة للذكاء العاطفي في النجاح المهني والشخصي. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها “TalentSmart” أن 90% من القادة الأكثر نجاحًا يمتلكون مستويات عالية من الذكاء العاطفي. كما أن الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء عاطفي عالٍ غالباً ما يتمتعون بصحة نفسية وجسدية أفضل، مما يعزز من جودة حياتهم بشكل عام.
وفي العالم العربي، نجد سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، مثالاً حديثاً للقيادة التي تجمع بين الذكاء العاطفي والإدارة الفعالة. تمكن الأمير محمد بن سلمان من تقديم رؤية 2030 بأسلوب يجذب ويحفز المواطنين، ويعزز التفاؤل بالمستقبل. قدرته على التواصل الفعال مع مختلف شرائح المجتمع السعودي تعكس ذكاءً عاطفياً عالياً، حيث يدير العلاقات المجتمعية بحكمة ويعزز من روح التعاون والوحدة.
في المملكة العربية السعودية، يتم تعزيز مفهوم الذكاء العاطفي من خلال رؤية 2030، التي تسعى إلى تطوير القدرات البشرية وتمكين الأفراد من تحقيق أقصى إمكاناتهم. يشمل ذلك تطوير برامج تعليمية ومبادرات حكومية تهدف إلى تعزيز الذكاء العاطفي لدى الأفراد، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر توازناً واستدامة.
مع التقدم التكنولوجي والاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي، يصبح الذكاء العاطفي أكثر أهمية من أي وقت مضى. في المستقبل، من المتوقع أن تتزايد أهمية الذكاء العاطفي في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك العمل والتعليم والعلاقات الشخصية. سيصبح فهم وإدارة العواطف مهارة حيوية في التعامل مع التحديات المعقدة التي يفرضها العالم الرقمي.
باختصار، تحول مفهوم الذكاء العاطفي من كونه مفهومًا هامشيًا إلى عنصر أساسي يساهم في تحقيق النجاح والتوازن والرفع من جودة الحياة، وهو ما يتماشى مع رؤية 2030 بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود – حفظهما الله.
إن تطوير الذكاء العاطفي ليس مجرد هدف أو غاية شخصية، بل هو وسيلة وجزء من بناء مجتمع متماسك ومترابط ومتطور قادر على مواجهة تحديات المستقبل بكفاءة وفاعلية، واستغلال عناصر وموارد الاستدامة بصورة مثلى، وبمنظور مؤسسي استراتيجي يلبي احتياجات المجتمع وفق الرؤية.
دمتم بخير…
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال