الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يشهد العالم اليوم اهتماماً متزايداً بمكافحة الفساد، باعتباره أحد أهم التحديات التي تواجه التنمية المستدامة. وفي هذا الإطار، أصدرت المملكة العربية السعودية نظاماً جديداً لهيئة الرقابة ومكافحة الفساد، والذي يمثل خطوة نوعية في جهود المملكة لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة. ويشكل علامة فارقة في مسيرة المملكة نحو بناء اقتصاد مزدهر ومجتمع عادل. وحماية النزاهة، وبالتالي تحقيق بيئة استثمارية جاذبة وخدمة أفضل للمواطنين.
خلال السنوات الأخيرة نشطت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بشكل فعال وظهر ذلك من بياناتها الواضحة وتوسع قبضتها في كافة القطاعات الخدمية.
ويدفع النظام الجديد الذي وافق عليه مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، منح صلاحيات أكبر واشمل واوسع، لتتمكن من أداء مهمتها وأيضا ملاحقة من يهربون الى الخارج او تهريب أموالهم، مما يمكن استعادتهم.
ويهدف النظام الجديد الى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، وتعزيز الشفافية من خلال إلزام الجهات الحكومية بنشر المعلومات والبيانات المالية والإدارية، فضلا عن التحقيق في الجرائم المرتبطة بالفساد ومحاسبة مرتكبيها، وفيما يتعلق بحماية المبلغين عن الفساد، النظام وفر الحماية القانونية لهم، وتسعى الهيئة الى تطوير الأنظمة والسياسات اما بتقديم اقتراحات او تطوير الأنظمة اللازمة لمكافحة الفساد.
الملفت في النظام الجديد انه اعطى دورا بارزا للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي للعب دور محوري في تعزيز جهود مكافحة الفساد، حيث تساهم في تحليل البيانات الضخمة، ويمكن للذكاء الاصطناعي كشف الأنماط لمشبوهة والتعرف على الحالات التي قد تشير إلى وجود فساد، وركز النظام على اتمتة العديد من العمليات الحكومية، مما يقلل من التدخل البشري، وطلب النظام الجديد أهمية الشفافية، والحقيقة ان الكثير من الجهات الخدمية والحكومية لا تهتم كثيرا لهذا الجانب وتتقاعس في نشر بياناتها، وبعد هذا القرار سوف يكون جهاز مكافحة الفساد، ملزما ان يراقب ويتابع الجهات التي لا تلتزم بنشر بياناتها من خلال المنصات الرقمية، برفع امرها الى السلطات العليا.
من الواضح ان فرص نمو الفساد في السعودية أصبحت تتقلص تدريجيا، ومنذ خمس سنوات تتراجع بشكل كبير منذ ان بدأت هيئة الرقابة في نشر بيانات ومعلومات عن من يتم القبض عليهم والاستفادة من قنوات الاخبار ومواقع التواصل، ورغم محاولة البعض ممارسة أساليب التحايل والافلات من قبضة كماشة مكافحة الفساد، الا ان المهارات التي اكتسبها المحققون والعاملون في جهاز مكافحة الفساد، جعلتهم يتنبهون لاي محاولة، وقدم النظام الجديد الدعم لإجراء البحوث والدراسات المتعلقة بالرقابة الإدارية وحماية النزاهة وتعزيز الشفافية، والتنسيق مع الجهات المعنية ومراكز البحوث المتخصصة. كما منحها صلاحيات جمع المعلومات والبيانات والتقارير والإحصاءات المتعلقة بالمخالفات الإدارية وجرائم الفساد، وتصنيفها وتحليلها وبناء قواعد بيانات. وسمح النظام نشر ما يستوجب النشر منها بما لا يتعارض مع سرية المعلومات، وهذه كانت من المهام الصعبة التي كانت تواجه جهاز مكافحة الفساد وهي نشر البيانات او المعلومات التي تستحق النشر.
واشتمل النظام الجديد وهذا سوف يجعل كل الحسابات المصرفية تحت انظار الجهات المختصة، وذلك حينما اقر مراقبة ثروة الموظف العام اذا زادت بشكل لا يتناسب مع دخلة، ويتطلب منه اثبات مصدر الأموال، ويشمل كل افراد العائلة من زوجته وأولاده واقاربه من الدرجة الأولى، وسمح النظام بتحويل الموظف في حال عجز اثبات مصدر مشروع، للتحقيق والتحريات المالية لاتخاذ الإجراءات القانونية، كما ان هروب المتهم في جريمة فساد الى خارج السعودية او حتى وفاته لا يعني اغلاق الملف، بل سيتم ملاحقته بالتنسيق مع وزارة العدل لتنفيذ الحكم عليه داخليا او خارجيا، وفي حال بينت التحقيقات عن شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة او النزاهة، سمح النظام لرئيس الهيئة اقتراح فصل الموظف بأمر ملكي، دون ان يؤثر على استكمال إجراءات الدعوى الجنائية، واتاح النظام المرونة في الأشخاص المدانين بالفساد بإجراء تسوية مالية مع من يبادرون بتقديم طلبات بذلك ممن ارتكبوا جرائم فساد.
تعتبر تجربة السعودية في مكافحة الفساد متماشية مع الجهود الدولية في هذا المجال. وتستفيد المملكة من تجارب دول أخرى، مثل سنغافورة ونيوزيلندا، اللتين حققتا نجاحاً كبيراً في مكافحة الفساد. تتميز هذه الدول بوجود أنظمة قضائية مستقلة، وإعلام حر، ومجتمع مدني نشط، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا بشكل فعال في مكافحة الفساد.
يمثل نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية خطوة مهمة في مسيرة المملكة نحو بناء اقتصاد مزدهر ومجتمع عادل. ومن خلال تطبيق هذا النظام والعمل على تطويره، يمكن للمملكة أن تحقق تقدمًا ملموسًا في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة. حتى تكتمل منظومة مكافحة الساد فمن الضروري، ان يرافقها تطوير القضاء لضمان سرعة العدالة وفعالية الاحكام وأيضا إقرار مكافأة الأشخاص الذين يبلغون عن حالات فساد، وتعزيز التعاون الدولي توقيع اتفاقيات متبادلة خاصة أولئك الذين كشفت التحقيقات انهم هاربون خارج الوطن بعدما نهبوا مقدراتها ومكتسباتها، ومحاولة استعادة تلك الأموال الى خزينة الدولة، مع أهمية بناء قدرات الكوادر العاملة في مجال مكافحة الفساد. وانشاء جهاز في جميع الإدارات الحكومية مهمته تعزيز الشفافية والنزاهة وتكون مرتبطة مباشرة بجهاز هيئة الرقابة ومكافحة الفساد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال