الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يبيع المزارع صندوق نوع من الخضار ببضعة ريالات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في المزادات اليومية، ويشتريه المستهلك النهائي بنحو عشرة اضعاف هذا الرقم تقريبا، هذا يحدث كثيرا ورأينا توثيقا لذلك في اكثر من سوق خاصة في أسواق القصيم المصدر الأكبر للخضار للعاصمة الحبيبة.
نود ان يبيع المزارع بسعر اعلى ليستمر في هذه المهنة ولا يخرج من السوق فيشح الإنتاج، ونود ان نشتري كمستهلكين بسعر اقل، ولكي يكون الحديث عمليا نتمنى ان يبيع المزارع بعشرة ريالات مثلا، ونشتري نحن بخمسة عشر ريالا بل حتى عشرون ريالا، بدلا من ان يبيع بثلاثة ريالات ونشتري بثلاثون ريالا.
طرحت المشكلة كثيرا ويبدو ان قوى السوق المتمثلة في سلسلة الشراء والامداد من تجار جملة الجملة والجملة والدلالين والناقلين والموزعين في المدن الكبرى الذين يجب ان نعترف ان جلهم من غير المواطنين، يبدو انها تنجح في افشال أي فكرة على ارض الواقع، فلماذا لا نذهب الى الأرض الافتراضية وقد أصبحت جزءا من حياتنا اليومية .
قبل عقدين من الزمن كان في مقاطعة “انهوي” في الصين بائع خضار متجول اسمه “وانغ شي وو ” يتجول بين القرى والأسواق ليبيع بضاعته بثمن بخس وهو الأسلوب الذي ساد لآلاف السنين، وفي العام 1999 ادرك ان بإمكانه مساعدة نفسه وبقية المزارعين واستغلال فرصة عظيمة هي ” الانترنت “.
ورغم انه كان في العقد الخامس من عمره الا ان بدأ من جديد وتعلم الدخول والبحث في الشبكة العنكبوتية ليجمع المعلومات عن القرى والأسواق في المدن التي تطلب الخضار والمنتجات الأخرى ليقدمها للمزارعين ليصبح كل مزارع مطلعا على المعلومات والاسعار وحجم الطلب والزبائن المحتملين لشراء الكميات.
بعد ذلك عرض على المزارعين ان يبيع انتاجهم على الانترنت وتمكن من بيع مليوني كيلو جرام من البطاطس بسعر اعلى من الأسعار التي تعرض في السوق الفعلية عند اجراء المزادات، وبدأ المزارعون ينهالون عليه لتسويق منتجاتهم.
ما فعله هو انه قضى على الوسطاء الكثيرين الذين يكونون بين المزارع وبين منافذ البيع ووصلت الأرقام الى مستويات مدهشة والقصة طويلة ومتشعبة ويمكن الاطلاع عليها في كتاب ” الثروة واقتصاد المعرفة ” من تأليف ألفين وهايدي توفر ومن منشورات جامعة الملك سعود.
من المهم بقاء المزارعين في هذه المهنة، مهم استراتيجيا وامنيا واجتماعيا قبل ان يكون اقتصاديا، وكلما زادت الخسائر خرج المزارعون من السوق ومع الوقت سترتفع الأسعار لان العرض سيقل، وسيحدث ما قالته بطلة احدى الأفلام الأجنبية :” الطعام الخارج من الأرض يصبح اغلى، والطعام السيء المعد من مكونات غير طبيعية يصبح ارخص، فتكون الرشاقة والصحة من نصيب الأثرياء، والبدانة والامراض من نصيب الفقراء”.
اثق ان في شباب وشابات القصيم وجازان والاحساء وحائل والطائف وكل المناطق الزراعية من يستطيع ان يستغل التقنية لمساعدة المزارعين ومساعدتنا، وبدلا من ان يشتري وسيط كبير بثمن بخس، ثم وسطاء متوسطون بثمن اعلى، ثم بائعون أسواق الخضار المركزية، ثم مندوب سلسلة الأسواق المركزية ، يمكن تنظيم العلاقة عبر الانترنت بذكاء ليصلنا صندوق الخضار بسعر معقول ويدخل في جيب المزارع ما يجعله يستمر في اهم مهنة وفطرة عرفها الانسان منذ خلق.
مواليد السبعينات وربما او الثمانينات كانوا يستمعون كل صباح وبصحبة والدهم غالبا الى مقدمة غنائية لبرنامج زراعي صباحي تقول ” احرث وازرع ارض بلادك، بكرة تنتج خير لأولادك” ولكي يظل المزارع يحرث ارضنا الطيبة نحتاج الى من يحرث الأراضي الافتراضية بحثا عن حل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال