الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل التسارع نحو الرقمية بوتيرة غير مسبوقة، أصبحت القدرة على التأثير في المجتمعات والأفراد تتطلب أدوات جديدة ومتقدمة.
الهندسة الاجتماعية وصناعة المحتوى ليست مجرد أدوات تكنولوجية، بل هي فنون دقيقة تمكننا من تشكيل الأفكار والسلوكيات بطرق لم يكن يمكن تصورها في الماضي. تخيل أن بإمكانك إيصال رسالة صحية تغير حياة الآلاف، أو نشر حملة توعوية تجمع ملايين الدولارات لقضية إنسانية، أو توجيه الرأي العام نحو قضية معينة .
الهندسة الاجتماعية هي فن التلاعب بالناس للحصول على معلومات أو التأثير على سلوكياتهم بطريقة غير مباشرة. يشمل ذلك استخدام الحيل النفسية والإقناع لتحقيق أهداف معينة. تشير دراسة نشرتها جامعة هارفارد في 2023 إلى أن 85% من الهجمات الإلكترونية الناجحة تعتمد على استغلال العنصر البشري بدلاً من التقنيات.
صناعة المحتوى تشمل كل ما يتم إنتاجه من نصوص، صور، فيديوهات، وبودكاست يتم نشرها عبر الإنترنت. تُظهر الإحصائيات أن 70% من المستخدمين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار والمعلومات، ما يجعل هذه المنصات ساحة رئيسية للتأثير الاجتماعي.
من بين استراتيجيات صناعة المحتوى الناجحة نجد التفاعل المباشر مع الجمهور، واستخدام القصص الشخصية لتعزيز الارتباط العاطفي، والاعتماد على البيانات لفهم تفضيلات الجمهور وتقديم محتوى مناسب.
من القصص المؤثرة التي تعكس قوة الهندسة الاجتماعية تأتي حملة “تحدي دلو الثلج” في 2014، التي نجحت في جمع أكثر من 115 مليون دولار لأبحاث مرض التصلب الجانبي الضموري (ALS) من خلال محتوى بسيط وتفاعلي انتشر بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن حادثة الأخبار المزيفة خلال الانتخابات الأمريكية 2016 أظهرت مدى تأثير المحتوى المضلل، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد أن الأخبار المزيفة كان لها تأثير مباشر على 10% من الناخبين.
تشير الأرقام الحديثة إلى زيادة الاعتماد على الإنترنت، حيث يُظهر تقرير نشره “We Are Social” في 2024 أن 60% من سكان العالم يستخدمون الإنترنت بانتظام، ويتفاعل 90% من المستخدمين مع المحتوى عبر منصات التواصل الاجتماعي يومياً. كما تساهم صناعة المحتوى الرقمي بحوالي 1.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي سنوياً.
يمكن استخدام الهندسة الاجتماعية وصناعة المحتوى لزيادة الوعي حول قضايا مجتمعية مهمة مثل الصحة العامة، التعليم، وحماية البيئة. على سبيل المثال، يمكن تنظيم حملات توعية صحية حول الوقاية من الأمراض وعادات الحياة الصحية، وإنشاء محتوى تعليمي تفاعلي يعزز من مهارات الأفراد وينشر المعرفة. كما يمكن استخدام هذه الأدوات لتعزيز المشاركة المدنية من خلال حملات تشجع المواطنين على المشاركة في الانتخابات والأنشطة المجتمعية.
في المملكة العربية السعودية، تُعتبر صناعة المحتوى والهندسة الاجتماعية جزءًا لا يتجزأ من رؤية المملكة 2030. تستثمر السعودية بشكل كبير في البنية التحتية الرقمية وتعزيز مهارات المواطنين في مجال التكنولوجيا والإعلام. ووفقًا لتقرير صادر عن وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية في 2023، فإن أكثر من 85% من السكان يستخدمون الإنترنت، مع معدل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 90%.
في السعودية، تم إطلاق عدة مبادرات ناجحة لتعزيز الوعي المجتمعي والتفاعل عبر الإنترنت. مثال على ذلك، حملة “عيش السعودية” التي تهدف لتعزيز الانتماء الوطني والتعرف على مختلف مناطق المملكة، وحملة “إحسان” التي تجمع التبرعات لدعم الأسر المحتاجة بطرق مبتكرة وشفافة.
كما تدعم صناعة المحتوى الأعمال الصغيرة ورواد الأعمال من خلال حملات تسويقية فعالة تجذب العملاء وتزيد من الوعي بالعلامة التجارية، واستخدام الفيديوهات والشهادات الحقيقية للترويج للمنتجات والخدمات.
وفي مجال التعليم، يمكن استخدام الفيديوهات والبودكاست لإيصال المعلومات بشكل جذاب وتفاعلي، وتوفير موارد تعليمية يسهل الوصول إليها.
تلعب الهندسة الاجتماعية دورًا في مكافحة الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة عن طريق إنشاء محتوى يشرح كيفية التحقق من صحة المعلومات والمصادر، وتقديم الحقائق والإحصائيات الدقيقة لمواجهة الشائعات. من الأمثلة التطبيقية على ذلك حملة “Clean the Oceans” التي استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي حول تلوث المحيطات ودعوة الناس للمشاركة في عمليات التنظيف، ومنصة “Skillshare” التي تقدم دورات تعليمية تفاعلية تساعد الأفراد على اكتساب مهارات جديدة.
وعملت السعودية على مكافحة المعلومات المضللة من خلال مبادرات مثل “البرنامج الوطني للأمن السيبراني” الذي يهدف لتعزيز الوعي الأمني بين المواطنين والمؤسسات، ونشر ثقافة التحقق من المعلومات.
بفهمنا العميق للأدوات والاستراتيجيات الفعالة للهندسة الاجتماعية وصناعة المحتوى، يمكننا استخدامها لتحقيق أهداف إيجابية ودعم المجتمعات بطرق مبتكرة وفعالة. من خلال التركيز على الشفافية والأخلاق، يمكننا تعزيز التأثير الإيجابي لهذه الأدوات وتحقيق فوائد مستدامة للأفراد والمجتمعات. قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125). ويقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال