3666 144 055
[email protected]
قال الله تعالى في محكم تنزيله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا” (الحجرات: 6). تُحذرنا هذه الآية الكريمة من الانسياق وراء الأخبار دون تحقق، وتدعو إلى التثبت والتأكد من صحة المعلومات قبل قبولها ونشرها. فالمسلم الحق يجب أن يكون واعيًا ومدركًا لأهمية التحقق من صحة الأخبار قبل نشرها، ليتجنب الوقوع في فخ التضليل. هذه الدعوة الإلهية هي نداء للضمير الإنساني ليكون حارسًا على الحقيقة ومدافعًا عنها.
ومع التطور التكنولوجي السريع، حيث أصبحت المعلومات تتدفق كالشلالات على مسامعنا وأعيننا من كل حدب وصوب، تتجلى تحديات جديدة لم تكن في الحسبان. وأصبح الوصول إلى عقول الناس وتوجيه أفكارهم أمرًا يسيرًا، مما يضفي بريقًا من البراءة على ظاهره لكنه قد يخفي وراءه نوايا شريرة. في هذا السياق، تلعب الهندسة الاجتماعية دورًا محوريًا في تشكيل الاتجاهات الفكرية للأفراد من خلال نشر المعلومات المضللة وتوجيه الرأي العام لتحقيق أهداف خفية.
تعتمد الهندسة الاجتماعية على التلاعب النفسي واستغلال الثقة لاستدراج الأفراد إلى الكشف عن معلومات شخصية أو القيام بأفعال تخدم أهداف المهندس الاجتماعي. ويعد نشر المعلومات المضللة من أبرز أدوات الهندسة الاجتماعية، حيث تُستخدم لخلق روايات زائفة أو تحريف الحقائق لإحداث تأثير معين على الرأي العام أو القرارات الفردية والجماعية.
وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الأخبار الإلكترونية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، مما يزيد من أهمية التحقق من مصادر المعلومات وفحصها بعناية قبل تبنيها أو نشرها. فالمعلومات الكاذبة يمكن أن تنتشر بسرعة كبيرة، مُحدثة تأثيرات سلبية قد تتسبب في زعزعة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي.
الهندسة الاجتماعية تستهدف أحيانًا الثقة بالمؤسسات الإعلامية والحكومية. ووفقًا لتقرير من مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية (مسك)، فإن انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت أدى إلى تراجع الثقة في بعض المؤسسات الإعلامية بنسبة 20% بين الشباب السعودي. هذا التقويض للثقة يمكن أن يضر باستقرار المجتمع.
تدرك المملكة العربية السعودية أهمية الأمن الفكري في الحفاظ على استقرار المجتمع وتقدمه. نفذت المملكة العربية السعودية العديد من السياسات و الجهود والإجراءات الرامية إلى تحقيق الأمن الفكري والقضاء على العوامل التي تغذي الانحراف الفكري وتدفع نحو انتشاره. وهذه الجهود تضامنية تشارك فيها العديد من الجهات في مختلف المجالات الدينية والإعلامية والثقافية والتعليمية والاجتماعية، وتعد وزارة الداخلية من أوائل الجهات التي أبدت اهتماماً كبيراً في المساهمة و تبني دوراً ريادياً في تحقيق الأمن الفكري في المجتمع السعودي على مختلف الأصعدة، كما أنشأت وزارة التعليم وحدات التوعية الفكرية في جميع إدارات التعليم والجامعات؛ بما يعزز من قيم المواطنة والاعتدال والوسطية، والتصدي لجميع أفكار التطرف والانحلال. كما تسعى المراكز لتقديم برامج لتثقيف الأفراد حول كيفية التحقق من المعلومات والتفكير النقدي.
ومن الجهود الأخرى التي تبذلها المملكة، مركز الحرب الفكرية الذي يعمل تحت إشراف وزارة الدفاع ويهدف إلى مكافحة الفكر المتطرف من خلال نشر الوعي وتعزيز الهوية الوطنية.
تشمل جهود المملكة أيضًا تطوير المناهج التعليمية لتشمل مواضيع التفكير النقدي والتربية الإعلامية. وقد وجدت دراسة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن إدراج موضوعات التربية الإعلامية في المناهج الدراسية ساعد الطلاب على التعرف على التلاعب النفسي وفهم كيفية التعامل مع المعلومات بشكل صحيح.
التدريب على التوعية بالأمن السيبراني يمكن أن يقلل من احتمالية الوقوع في فخ الهندسة الاجتماعية. فقد وجدت دراسة من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أن 80% من الأفراد الذين تلقوا تدريبًا على التوعية بالأمن السيبراني كانوا أقل عرضة للتلاعب.
إن تشجيع التفكير النقدي يمكن أن يساعد الأفراد على تحليل المعلومات وتقييمها بشكل صحيح، مما يقلل من تأثير المعلومات المضللة ويعزز القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة. وقد قال الفيلسوف جون ديوي: “التعليم ليس إعدادًا للحياة، إنه الحياة نفسها”، مما يوضح أهمية التعليم في بناء مجتمع واعٍ وقادر على مواجهة التحديات.
الهندسة الاجتماعية تشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن الفكري، ولكن من خلال تعزيز الوعي والتثقيف، وتطوير مهارات التفكير النقدي، وتعزيز التربية الإعلامية، يمكننا بناء مجتمعات قوية وقادرة على مواجهة هذه التهديدات. تسعى المملكة العربية السعودية جاهدة لتعزيز الأمن الفكري، مما يساهم في الحفاظ على استقرار المجتمع وتقدمه في العصر الرقمي.
وختاما ، اللهم نسألك أن تجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ووفقنا للتحقق من الأخبار والأحاديث قبل نشرها، وأبعد عنا الفتن والمضللين. اللهم احفظ عقولنا وقلوبنا من التلاعب النفسي والمعلومات المضللة، وأعنّا على نشر الحق والصدق في مجتمعاتنا.
اللهم بارك في جهود كل من يسعى لتعزيز الأمن الفكري وحماية المجتمع من التضليل والخداع. وارزقنا العلم النافع والعمل الصالح، ووفق قادتنا وحكومتنا لكل ما فيه خير البلاد والعباد. آمين يا رب العالمين.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734