الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
استمتعت كثيراً بقراءة “تقرير الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2023: الاستدامة في القطاع الثقافي”. ومن الواجب توجيه الشكر لوزارة الثقافة على هذا المنتج الناضج والجاد والطموح.
هذا ليس مجرد تقريراً لـ (تطييب الخواطر). إنه يرصد بالأرقام أبرز ما يحفل به المشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية بعد التمكين الذي وفرته القيادة من خلال مبادرات رؤية السعودية 2030.
اللغة المحايدة التي واكبت صياغة التقرير تجعله دون مبالغة يضاهي أفضل التقارير العالمية التي تتوخى الموضوعية وتبتعد عن المجاملة. ويمكن القول دون تردد إن هذا التقرير الجاد أوجد تقييماً للمشهد الثقافي في المملكة بكل ما له وما عليه.
وهذا الأمر يمكن رصده من المحور الذي تم اختياره للتقرير هذا العام وهو: الاستدامة في القطاع الثقافي. وهذه الاستدامة – الطموح – يعترف التقرير أنها تمثل تحدياً يتطلب مزيداً من الجهود بهدف تحقيق التوازن الشامل في الاستدامة بين جملة من الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
هنا يلامس التقرير بجرأة تحديات حقيقية مثل: ضعف التوازن في توزيع الأنشطة الثقافية في مختلف مناطق المملكة. وبالتالي تعميم الثقافة لكافة الشرائح الاجتماعية بكفاءة. إلى جانب توفير البيئة والمناخ المحفز للاستثمار في القطاع الثقافي.
إذن نحن أمام تقرير يقفز فوق الرصد البروتوكولي الذي يتوخى تحقيق الرضا وكسب التصفيق. هو هنا يحظى بالتقدير والاحترام لأنه يتحدث عن نقاط القوة ويرصد مواضع الضعف التي يرى أنه من الضروري معالجتها.
ويلحظ التقرير- على سبيل المثال لا الحصر – ضعف تبني ممارسات الاستدامة في القطاعات الثقافية الفرعية والأنشطة والمرافق البيئية. والمأمول الوصول إلى أفضل الممارسات العالمية فيما يخص الاستدامة في بعدها البيئي من المنحى الثقافي والتراثي والحضاري.
وبحسب التقرير فإن هذه المبادرة تطمح إلى تقييم آثار التغيرات البيئية والمناخية على مواقع التراث الثقافي والطبيعي. وتطوير خطط وآليات الحماية. وفي المقابل تقدم الثقافة والتراث المعنوي والمادي نفسها باعتبارها رافداً اقتصادياً له أثر منشود. الطموح أن يتم الوصول إلى إسهام يصل إلى 3% من الدخل المحلي في 2030. وهذا يمثل رافداً إضافياً لمستهدفات السياحة التي تستهدف تحقيق 10% من الدخل المحلي.
الإسهام في الدخل المحلي حقق في 2021 نحو 1.57%. هذا الرقم يأتي مدعوماً بانطلاق المبادرات التي تنفذها الهيئات التي أطلقتها وزارة الثقافة.
لا بد هنا من التذكير أن عام 2023 شهد تدشين صندوق الفعاليات الاستثماري الذي تهدف الحكومة من خلاله إلى دعم قطاعات الثقافة، والسياحة، والترفيه، والرياضة. هذا رافد مهم استفاد منه القطاع الثقافي الخاص أيضا. لا ننسى هنا الصندوق الثقافي وصندوق البحر الأحمر الذي يدعم تمويل الأفلام السينمائية. وكذلك مسرعات الأعمال التي استوعبت العام الماضي 10 مشاريع متنوعة من بينها مسرعة الأعمال التي أطلقتها هيئة التراث لدعم نمو وتوسع الشركات الناشئة في القطاع.
وقد واكب ذلك وضع مجموعة من الأدلة الإجرائية مثل الدليل الإجرائي لتراخيص هيئة المتاحف والدليل الإجرائي لهيئة التراث والمحصلة المستهدفة زيادة جاذبية القطاع الثقافي للاستثمار.
لا بد من استحضار النجاح اللافت الذي رافق تجارب ثقافية لافتة في العلا وفي جدة التاريخية. والأمر نفسه يصدق على معارض الكتب التي تجاوز عدد زوارها مليونين و200 ألف زائر في 2023 وحققت عوائد تبلغ 59 مليون ريال. ناهيك عن المنجزات التي حققتها القطاعات الستة عشر التي شملتها رؤية الوزارة وهي: المتاحف، اللغة والترجمة، الأفلام، الموسيقى، الفنون البصرية، التراث، المكتبات، الأزياء، المسرح والفنون الأدائية، المهرجانات والفعاليات الثقافية، فنون العمارة والتصميم، المواقع الثقافية والأثرية، وفنون الطهي.
المؤكد أن الفرص المتاحة في كل قطاع كبيرة للغاية. ولكن التحديات تتطلب مزيد من الجهد للوصول إلى الهدف المنشود، وربما تجاوزه إلى مستهدفات جديدة. الشيء اللافت أن كل قطاع من القطاعات الستة عشر التي استعرضناها تحمل في داخلها الكثير من المحفزات ذات الأثر الاقتصادي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال