الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عالم معاصر متغير، وبيئة نتأثر بها ونؤثر فيها، لا شك تتزايد التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأصبح من الضروري إعادة التفكير في مفهوم الذات والعلاقات الإنسانية والاجتماعية ومراجعة أنفسنا قبل كل شيء. إن الانتقال والتحول من “الأنا” إلى “نحن” ليس مجرد تغير في الكلمات كما يعتقد البعض، بل هو عمل وتحول جذري في كيفية رؤيتنا لأنفسنا وللآخرين من حولنا. هذا التحول يعكس رغبة في تعزيز التعاون المشترك والتضامن والرفع من حس المسؤولية الاجتماعية المنصب في الأعمال التطوعية، وهو ما يمكن أن يسهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا واستقرارًا.
عبر التاريخ، كانت “الأنا” رمزًا للفردية والاستقلالية، حيث كان التركيز على تحقيق الأهداف الشخصية والنجاح الفردي. ومع ذلك، فإن هذا النهج قد يؤدي في بعض الأحيان إلى العزلة والتنافسية المفرطة التي في النهاية لا فائدة منها. في المقابل، يمثل مفهوم “نحن” روح الجماعة والتعاون والعمل المشترك بروح الفريق الواحد، حيث يتم التركيز على العمل المشترك وتحقيق الأهداف الجماعية نحو تحقيق الأهداف المشتركة، ويد الله مع الجماعة، وديننا الحنيف والسمح يحث على ذلك. هذا التحول يمكن أن يسهم في تعزيز الشعور بالانتماء الوطني والمسؤولية الاجتماعية المشتركة، مما يؤدي إلى مجتمعات متجانسة أكثر تلاحمًا وتعاونًا تسودها الألفة والمحبة والتسامح الذي هو من السمات المشتركة لبلادنا الطاهرة.
أن هذه الانتقالية والتحول لها أبعاد نفسية واجتماعية (من “الأنا” إلى “نحن” ) وهذا التحول له تأثيراً كبيراً على حياتنا الشخصية والاجتماعية، والعملية والمهنية، ويمكن أن يساهم في تحقيق التغير الإيجابي في المجتمع. وسوف نأخذ هذه الأبعاد في مقالنا هذا ومنها البعد النفسي والاجتماعي، حيث تكمن الأبعاد النفسية في الانتماء من خلال الانتقال من التفكير الفردي ” الأنا ” إلى الجماعي ” نحن ” وهذا يعزز الشعور بالانتماء الوطني والأمان والاستقرار. ومن الأبعاد النفسية التعاطف، وهو يزيد من القدرة على التعاطف مع الآخرين وفهم مشاعرهم واحتياجاتهم، أيضا من الابعاد النفسية الدعم النفسي، حيث يوفر الدعم النفسي والاجتماعي المساعدة في مواجهة الضغوطات والتحديات والمصاعب التي لا تخلو منها الحياة.
اما بالنسبة إلى الأبعاد الاجتماعية فتكمن في التعاون نفسه الذي يعزز التعاون والعمل الجماعي المشترك بروح الفريق الواحد لتحقيق أهداف مشتركة الجميع يشترك فيها. ومن الأبعاد الاجتماعية المهمة ايضا بعد “التضامن” الذي يسهم في بناء مجتمع أكثر تضامناً وتماسكاً، وكذلك من الأبعاد الاجتماعية أيضا بعد “المساواة” حيث يدعم تحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع.
لكن هناك تحديات وتكمن في التحديات وكيفية التغلب عليها. على سبيل المثال “الفردية” حيث يمكننا التغلب على النزعة الفردية من خلال تعزيز قيم التعاون والمشاركة نحو رسالة سامية ونبيلة. كذلك “الاختلافات الثقافية” ويتطلب التعامل مع التنوع الثقافي من خلال تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل والعمل المشترك. ايضا من التحديات “المصالح الشخصية” وينبغي علينا تحقيق التوازن بين المصالح الشخصية والمصلحة العامة من خلال تشجيع المسؤولية الاجتماعية ” أوزن حياتك “.
ان التحول من “الأنا” إلى “نحن” يحمل أبعاد نفسية واجتماعية عميقة. هذا التحول يعزز الشعور بالانتماء والتواصل مع الآخرين، مما يقلل من مشاعر العزلة والوحدة. كما يساعد في بناء هوية وطنية جماعية قوية تدعم الفرد في أوقات الأزمات. أما من ناحية اجتماعية، التحول إلى ” نحن ” يعزز التعاون والعمل الجماعي المشترك، مما يؤدي إلى تحسين العلاقات الاجتماعية وزيادة التضامن بين أفراد المجتمع. هذا التحول يمكن أن يساهم في تحقيق أهداف مشتركة بشكل كفء وأكثر فعالية وديناميكية، ويساعد في بناء مجتمع أكثر ترابطًا وتماسكًا تسوده الالفة والمحبة.
وسوف نضرب العديد من الأمثلة في مقالنا هذا من الواقع والتاريخ السعودي المجيد التي توضح كيف يمكن لمفهوم “نحن” أن يسهم في تحقيق التحول والتغير الإيجابي.
من الأمثلة الحديثة، رؤية السعودية 2030 التي أطلقها سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – والتي تهدف إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة في المملكة العربية السعودية. هذه الرؤية تعتمد بشكل كبير على التعاون والعمل الجماعي المشترك بروح الفريق الواحد بين مختلف فئات المجتمع السعودي النبيل، ومن خلال التركيز على “نحن”، تم تحقيق العديد من الإنجازات في مجالات مثل التعليم، والصحة، والاقتصاد، والبنية التحتية، والعديد من القطاعات الحيوية.
أيضا من الأمثلة عبر تاريخنا المجيد، يمكننا النظر إلى فترة توحيد المملكة على يد المغفور له الإمام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. هذا الإنجاز التاريخي لم يكن ليتحقق لولا الله ومن ثم التعاون والتكاتف بين القبائل والمجتمعات حضر وبدو في شبه الجزيرة العربية التي تحتوي على تاريخ عريق تتناقله الأجيال عاما بعد عام. مفهوم “نحن” كان أساسياً في توحيد البلاد المباركة وبناء دولة قوية وفتية ومستقرة تم إعادة تأسيسها على ثوابت اساسية متينة ورصينة، ولا زلنا نعمل ” نحن ” وعلى مستوى عالمي.
ختاماً، أن التحديات التي قد تواجه التحولات، فهي تشمل مقاومة التغيير من قبل بعض الأفراد أو المجموعات، والاختلافات الثقافية والاجتماعية التي قد تعيق التعاون. للتغلب على هذه التحديات، يمكن التركيز على تعزيز قيم التسامح والتفاهم المتبادل، وتقديم برامج تعليمية وتوعوية لتعزيز مفهوم العمل الجماعي والتعاون، ونحن مرينا بهذه البلاد المباركة على مدى عصور بالعديد من التحولات المتطورة والمتقدمة وتجاوزنها بالحداثة وأيضا بالتطوير المستمر والتطور، ويعلم الجميع ان التغير هو سنة الحياة في هذا الكون الفسيح، ومن يقاوم التغير مصيره لا شك التخلف وعدم المواكبة، ونحن اليوم نحتل مكانة كبيرة على مستوى عالمي بالجد والمثابرة والعمل المشترك بروح الفريق الواحد بمفهوم ” نحن ” وليس ” الأنا ” لن مصيرنا واحد في رؤية وطن يشترك فيها الجميع منذ بداية انطلاق رؤية الوطن الطموحة. وهذه التحديات اليوم أصبحت ضئيلة ولا تشكل تحدي بل أصبح المجتمع أكثر وعي وأكثر تفهم وتعاون.
من خلال تعزيز مفهوم “نحن”، يمكن تحقيق مجتمع أكثر تماسكًا وتعاونًا، مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتقدم في المملكة العربية السعودية والذي يصبوا له الجميع على مستوى عالمياً في كافة المجالات الحيوية والطموحة في ظل رؤية الوطن.
أجل نحن الحجاز ونحن نجد
هنا مجد لنا وهناك مجدو
نحن جزيرة العرب افتداها
ويفديها غطارفة وأسد
ونحن شمالنا كبر أشم
ونحن جنوبنا كبر أشد
ونحن عسير مطلبها عسير
ودون جبالها برق ورعد
ونحن الشاطئ الشرقي بحر
وأصداف وأسياف وحشد
“شعر وطني غازي القصيبي” رحمه الله
دمتم بخير …
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال